يوميات الأخبار

تجميل وجه جولدا القبيح!

علاء عبدالهادى
علاء عبدالهادى

اإن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف أنه قد أصبح له درع وسيفب 

فى تاريخ الأمم أيام لا تنسى، تبقى أبد الدهر خالدة، علامات ونقاط فاصلة، نعود إليها لنستخلص العبر والدروس، وتكون لنا دليلًا إذا، ضللنا السُبل .. من هذه الأيام، يوم السادس من أكتوبر من عام 1973. وهل هناك يوم أعظم منه مر علينا فى العقود الخمس الأخيرة؟

يجب أن تتذكر وأنت تتصفح جريدة الصباح، وتقرأ هذه السطور، أو وأنت تقلب بأصابعك شاشة محمولك، أن هناك من سدد فاتورة، نيابة عنك وعنى، لكى ننعم  بوطن آمن، مبسوطة سيادته على كامل ترابه الوطنى، نفس هؤلاء هم من لبوا نداء الواجب وخرجوا فى أعقاب أحداث 25 يناير 2011 لحماية الوطن وحماية البيت ومقدراته من أن يتداعى، ولكن هذه المرة من داخله.. فى مثل هذا اليوم، نعم نفس اليوم السادس من أكتوبر، نفس النهار الخريفى، ولكن قبل خمسين عامًا بالتمام والكمال، كان يوافق يوم السبت الموافق العاشر من شهر رمضان المعظم، أما اليوم وبعد أن دار الزمان دورته ومرت خمسة عقود أصبح يوافق يوم جمعة.. فى ذلك اليوم صنعت مصر بأيدى رجال القوات المسلحة معجزة على أعلى مقياس عسكرى .. رفعت عار الهزيمة، وحققت النصر الذى كان يعتبر فى حكم المستحيل، وعبرت قناة السويس، ودمرت خط بارليف ودمرت كل تحصينات العدو واستحكاماته العسكرية التى كانت تحتاج الى قنبلة نووية.

الأجيال الجديدة قد لا تدرك عظمة ما حدث، وروعته، أو تمر عليه مرور الكرام .. فارق كبير بين أن تقرأ عن الحدث، وأن تعيش الحدث، وتكون جزءًا منه، فارق كبير أن تتجرع مرارة الهزيمة، ثم تتذوق حلاوة النصر.

لم أجد وصفًا لما حدث أدق وأعمق من وصف الرئيس الراحل محمد أنور السادات عندما وقف أمام مجلس الشعب معلنًا انتصار الأمة، عندما قال: اإن التاريخ العسكرى سوف يتوقف طويلاً بالفحص والدرس أمام عملية يوم 6 أكتوبر 73 حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من اقتحام مانع قناة السويس الصعب واجتياز خط بارليف المنيع وعبور الضفة الشرقية من القناة بعد أن أفقدت العدو توازنهب.

نصف قرن وتفاصيل اليوم محفورة فى وجدانى، كنا لا زلنا فى الأيام الأولى من عام دراسى اعتادوا تأجيله كل سنة فى محافظة المنوفية لأنها محافظة زراعية لإعطاء الفرصة لجنى القطن، كان صباح يوم عادى لطفل فى الصف الخامس الابتدائى فى مدرسة خالد بن الوليد بالبر الشرقى لمدينة شبين الكوم، مطلوب منا أن نكون فى طابور المدرسة السابعة صباحًا لننتهى سريعًا لأن المدرسة تستقبل طلاب فترتين، حديث عهد أنا بالصيام، بمجرد عودتى للبيت بعد يوم دراسى قصير كلفتنى أمى بشراء الطرشى وشراء الكنافة من محل االباشاب، وفى طريق العودة، وكانت الساعة قد تجاوزت الثانية، اشتعل الشارع، الناس تقفز فرحًا، يحتضن بعضهم بعضًا، ويتبادلون التهانى، ونسوة يطلقن الزغاريد من الشرفات: اعبرنا القنالب.

ما وجدته فى الشارع، وجدت صداه فى بيتنا، وبيوت الجيران، فى البداية كان فرحًا مشوبًا بالحذر.

اعتدت منذ كنت صبيًا أن أقلد السادات أمام المرآة، وأضغط على مخارج الحروف، وهو يقول مقولته الخالدة أمام مجلس الشعب اإن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف أنه قد أصبح له درع وسيفب 

عندما قال السادات مقولته الخالدة وهو فى حُلة النصر اربما يجيء يوم نجلس فيه معا لا لكى نتفاخر ونتباهى ولكن لكى نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلا بعد جيل، قصة الكفاح ومشاقه ومرارة الهزيمة وآلامها وحلاوة النصر وآمالهب. ما أحوجنا لأن نحكى ونعرف، حتى لا نهزم أنفسنا بأيدينا، ولأننا لا نعى دروس التاريخ، لذلك أكتب ليعرف أحفادى كيف يحافظون على الوطن حرًا.

لماذا نحتفل؟

لماذا نحتفل بانتصارات أكتوبر بعد نصف قرن؟

فارق كبير بين أن تعيش فى وطن ذليل مطأطأة هامته، ومنكسة رايته، عاجز عن الرد أو الفعل، وطن فشل من ائتمنوا عليه، وعلى حماية حدوده ومقدراته، وبين وطن يمتلك ارادته، قادر على حماية أراضيه، لا يطمع فيه غيره لأن الجميع يترددون كثيرًا فى محاولة مشاركة الأسد فى طعامه!!.. كُتبت علينا الهزيمة فى 67 فى حرب لم نخضها، وخرجت إسرائيل منتصرة على كل دول المواجهة العربية، بل واحتلت خمسة أضعاف مساحتها، هُزم الجيش فى حرب لم يخضها وأعلن عبد الناصر تنحي الساعة الخامسة يوم 9 يونيو، ولكن الشعب رفض الهزيمة، وفى 2 يوليو كانت واحدة من أعظم وأشرس معارك الشرف المصرية، معركة رأس العش، التى دشنت بها مصر حرب الاستنزاف، ومنها الى تدميرت المدمرة إيلات فخر البحرية الإسرائيلية، ثم إغراق داكار قبالة الموانئ المصرية، بعد استعراضها للقوة، مع استخفاف واضح بقدرة المصريين، فى الوقت الذى كانت فيه المدمرة خارجة قبلها باسبوعين من الموانئ البريطانية، وبعد عدة عقود جاءت اسرائيل تتسول من مصر لانتشال الحطام .

سرقة النصر

هذا النصر العظيم المجيد فى تاريخ مصر والأمة العربية، يسرقونه منا يومًا بعد يوم، استخدموا فى تحقيق ذلك كل الوسائل بدأوها بأن الحرب كانت اسجالًاب بيننا وبينهم، واستكملوها بتشويه الرموز ومحو صورتهم الذهنية الإيجابية، وتحويلهم من رموز ومصدر للشرف والوطنية إلى مجرد جواسيس، وظفوا سلاح السينما أفضل توظيف، والفيلم الناجح يتجاوز فى تأثيره مئات الكتب، ومن ذلك فيلم الملاك الذى حاولوا به شيطنة أشرف مروان وهذا العام ومع الاحتفال بيوم كيبور، الذى تحول إلى يوم للعار فى اسرائيل، خرجوا علينا بفيلم اجولدا ا الذى يعد سيرة ذاتية لجولدامائير أشهر رئيسة وزراء فىى تاريخ الدولة العبرية، والتى كانت على رأس الحكومة الإسرائيلية وقت حرب أكتوبر، الفيلم يسعى لغسل وجه جولدا القبيح، ويسبغ عليها معاني وقيما إنسانية نبيلة تجاه جنودها الذين لم تكن أمينة عليهم بما يكفى وتركتهم لقمة سائغة للمصريين الذين ألحقوا بهم هزيمة نكراء فى حرب أكتوبر عكس ما بشرها به قادتها العسكرييون ..هو فيلم عن الحرب، لكن لن ترى المعارك الحربية فى صورتها الكلاسيكية، ولكن سترى انعكاساتها من خلال صرخات الجنود الإسرائيليين الذين يطلبون النجدة عبر أجهزة الإتصالات، وانعكاس كل هذا على وجه جولدا، التى حاولوا أنسنتها وتحويلها من إمرأة مغتصبة قاتلة لشعب، ومحتلة لأراضى عدة دول عربية، الى انسانة تخرج من جلسة تلقى الكيماوى لمتابعة أخبار جنودها.

الفيلم ورغم محاولتهم غسيل وجههم القبيحة، ينطق رغم أنوفهم بعظمة ما صنعه المصريون، وكيف نجحت فكرة الخداع الإستراتيجى التى خطط لها رجال القوات المسلحة، وابتلع الإسرائيليون الطعم، وكانوا على يقين من أن المصريين لن يحاربوا، وأن السادات لا يملك غير الكلام والتلويح بعصا الحرب، ونتيجة ذلك لم تأمر جولدا ولا وزير دفاعها موشى ديان بإعلان حالة التعبئة العامة استجابة للمعلومات التى وردت لهما، عبر جواسيسهما، والتى تفيد بأن المصريين  يستعدون للحرب.. إسرائيل من الدول القليلة التى تعتمد على استدعاء ثلاثة أرباع جيشها للجبهة فى حالة التعبئة العامة، ورغم أن الجنة أجرناتب التى شكلت لتحديد المقصرين الذين تسببوا فى هزيمة اسرائيل، أدانت جولدا قبل نصف قرن، ورغم شهادات كل قادة إسرائيل المعلنة والتى أقروا فيها بالهزيمة ،هاهم الآن يحاولون العبث بثوابت التاريخ، وغسل يد جولدا الملوثة بدماء شهدائنا، وتنظيف يدها من عار الهزيمة التى لحقت بالإسرائليين على يد الجنود المصريين.. هذا ما قدمته الصهيونية العالمية لقلب الحقائق الثابتة الدامغة عن حرب شهد بها القاصى قبل الدانى، ولا تستغرب عندما يفوز مثل هذا الفيلم بجائزة الأوسكار، فماذا قدمنا لتسجيل عظمة ما جرى؟

فماذا قدمنا لتحويل أعظم انتصارات مصر إلى عمل سينمائى؟ قدمنا أفلامًا عاطفية على غرار االرصاصة لا تزال فى جيبىب، ومع احترامى للفيلم من باب النوستالجيا، فمثل هذه الأفلام  لا تنفع لمشاهد اليوم، المشكلة لن تكون فى القصة (على عهدة الأستاذ الدكتور سمير فرج أسامة أنور عكاشة كتب قبل وفاته السيناريو والحوار بالفعل) ما أعظم وما أروع القصص التى تحتاج فقط إلى تحويلها الى أحداث على الشاشة، عظمة الواقع تفوق الخيال .. لا زلت أحلم بفيلم يستثمرالتكنولوجيا فى إظهار روعة ما حدث، وما حدث يحتاج إلى عشرات الأفلام ..

معرض الرياض

من تُكتب له زيارة المملكة العربية السعودية مؤخرًا، سوف يدرك بسهولة أن المملكة دخلت فى سباق مع الزمن لكى تعوض ما فاتها من سنوات كانت فيه حبيسة فكر دينى منغلق، لوى عنق الدين لغير ما أراد الله ورسوله. وفى السنوات القليلة لم تترك قيادة المملكة حقلًا إلا واقتحمته، منها مجال الثقافة والتراث، والمتابع الجيد للأحوال هناك سيجد عشرات المبادرات والفعاليات الثقافية والفنية، وما أن تنتهى فعالية حتى تبدأ الأخرى، من شرق المملكة إلى غربها ومن شمالها إلى أقصى الجنوب، ومن ذلك سلسلة معارض الكتاب  فى الرياض وفى جدة وفى المنطقة الشرقية والمدينة المنورة، والتى تقوم على تنظيمها هيئة الأدب والنشر والترجمة التى تأسست فى فبراير 2022 وعلى رأسها الأديب الشاب الدكتور محمد حسن علوان. أحدث تلك المعارض، معرض الرياض الذى يختتم أنشطته غدًا السبت، وكان قد بدأ فى استقبال جمهوره يوم 28 سبتمبر .. ما لا تخطئه عين الزائر، الإقبال الكبير على زيارة أجنحة المعرض الكبير الذى انتقل هذا العام إلى مقر جامعة الملك سعود، وسط العاصمة الرياض، وهو نفس المكان الذى شهد تنظيم أول معرض للكتاب فى السعودية فى منتصف السبعينات، الإقبال على اقتناء الكتاب، وأيضاً على حضور الندوات الثقافية، ومن الظواهر وجود طوابير لحضور تلك الندوات، وطوابير تواقيع الكتب.. معرض الرياض صورة  متكاملة للتغيير الجذرى الذى تشهده المملكة التى سبق وزرتها منذ 8 سنوات ولم أقابل يومها امرأة واحدة منذ أن دخلت إلى أن خرجت، الآن تغير كل شىء، وأصبحت الغلبة للمرأة السعودية، حاضرة بقوة فى النشاط الثقافى، تناقش وتحاور وتسأل، أغلب الندوات يشرف على تنظيمها شباب من الجنسين، الكُتب تغير العقول، واذا نجحت فى تغيير العقول، إذن فقد غيًرت كل شىء.

[email protected]