«الحاجة زغلولة» وقعت فى شر من أحسنت إليه

الضحية
الضحية

آمال‭ ‬فؤاد‭ ‬

 »اتقي شر من احسنت اليه»، حكمة يتناقلها الناس حين يصفون شخصًا قابل الإحسان بالإساءة؛ واقعة مؤسفة تجرد فيها الجار اللص من كل مشاعر الإنسانية، وتناسى مساعدات «الضحية له لسنوات، وأقدم على قتل جارته السيدة العجوز، بعد أن تسلق منزلها مستغلا إقامتها بمفردها وبكل خسة سدد لها ضربات في كل انحاء جسدها، كيف خطط الجاني ونفذ مخططه؟ وكيف تمكن رجال المباحث بعد ساعات من وقوع الجريمة من إلقاء القبض عليه وشركائه في الجريمة، تفاصيل اكثر إثارة ترويها السطور التالية.

الحاجة»أم أحمد»وشهرتها الست «زغلوله» هكذا ينادونها بين أفراد عائلتها، في العقد السابع من عمرها، تعيش في منزلها المكون من ثلاثة طوابق والمملوك لها بمفردها، بشارع  عبده عجايب بمنطقة برطس بأوسيم، معروف عنها بين الأهالي فعل الخير والسيرة الطيبة،  ذهبت لأداء فريضة الحج اكثر من مرة في حياتها، تتقرب إلى الله بالطاعات والعبادات والصدقات، شبه «معتكفة» في منزلها، تساعد بقدر استطاعتها جيرانها وبعض البسطاء والمحتاجين من أهالي المنطقة ومن بينهم اسرة المتهم عن طريق إرسال ابنتها اليهم بما قسمه الله لهم، حريصة كل الحرص على أداء كل الصلوات في ميعادها، تغادر غرقتها البسيطة قاصدة دورة المياه للوضوء، ابنها يعيش مع اسرته وأولاده في منطقة مجاورة ولم يبق  لها سوى نجلتها التي تتردد للاطمئنان عليها باستمرار وقضاء طلباتها.

لم يخطر ببالها أي غدر أو خسة من جيرانها التي تربطها بهم علاقة طيبة، خاصة جارها الذي كانت تعطف عليه وأسرته في  أوقات الازمات وغيرها؛ خطط ودبر واقدم على قتلها دون أن يرحم  كبر سنها وجسدها الضعيف لم يفكر الشيطان في سرقتها فقط وإنما في قتلها أيضا.

ليلة الجريمة

 في  بداية ليلة مظلمة وعقب آذان المغرب، والناس يجلسون داخل منازلهم؛ عقد الجاني النية بالاتفاق مع شقيقته ونجلها، وأقدم على سرقة المجني عليها؛ بدأ مخططه بصعوده المنزل الذي يسكنه وقفزه على سلم خشبي عبر السطح المشترك بينهم وبين المجني عليها منتظرًا السيدة العجوز، ذهابها الى دورة المياه للوضوء استعدادًا لأداء صلاة المغرب كعادتها كل يوم، يترقب الشيطان وينتظر خروجها من الغرفة وهي تخطو خطواتها الضعيفة خشية أن تقع، اتمت المسكينة وضوءها وخرجت عائدة الى حجرتها وليس على لسانها سوى ذكر الله، امسكت بسجادة الصلاة، واثناء لك اسرع نحوها المتهم وهجم عليها كوحش مفترس و ضربها  على رأسها بكرسي خشبي حتى سقطت مغشيًا عليها ثم نقلها الى الحمام ظنا منه أن أهلها عندما يكتشفون الجريمة سوف يظنون أن الوفاة طبيعية نتيجة سقوطها في الحمام، بعدها استولى على مشغولاتها الذهبية «أربعة غوايش، وخاتمين وتركها جثة هامدة وفر هاربا، وكان في انتظاره شقيقته وابنها، توجهوا إلى ثلاثة صائغين لبيع الغوايش الأربع والخاتمين ظانين انهم افلتوا من العقاب، وما هي إلا ساعات قليلة بعد الحادث حتى ذهبت اليها نجلتها كعادتها  في المساء فوجدتها جثة هامدة، في البداية ظنت انها مغشي عليها نتيجة سقوطها امام الحمام بعد الوضوء لأداء الصلاة،            المجنيعليه في فرح حفيدها

ولكن سرعان ما اكتشفت اثار ضرب وكدمات وسرقة مشغولاتها الذهبية،أبلغت زوجها الذي حضر وابلغ رجال الشرط  بالواقعة.

بلاغ

يتلقى قسم شرطة أوسيم بلاغًا من زوج نجلة المجني عليها يفيد بعثوره على حماته داخل شقتها الكائنة بدائرة القسم وانه يشتبه في وفاتها جنائيًا، علي الفور انتقل رجال المباحث إلى المكان محل الواقعة، وبالفحص والمعاينة تبين وجود جثة سيدة مسنة في العقد السابع من عمرها ترتدي كافة ملابسها، مصابة بآثار تعدي وكدمات على جسدها ورأسها، وعقب المعاينة  أمرت النيابة بنقل الجثة الى المشرحة وتشريحها لمعرفة سبب الوفاة، وعلي اثر ذلك قام فريق البحث بالتحري حول الواقعة بمعاينة مداخل ومخارج المنزل، تبين عدم وجود آثار كسر أو عنف على الأبواب والنوافذ مما يشير إلى أن الجاني ليس غريبًا عن المنطقة، وأن الطريق الوحيد للتسلل إلى شقة المجني عليها هو المنازل المجاورة الملاصقة لها، في البداية تم حصر المشتبه فيهم وجمع المعلومات عنهم، ومراجعة كاميرات المراقبة المحيطة بالمنطقة وقت وقوع الجريمة، واستمعت النيابة لأقوال اسرة المجني عليها؛ ولكن سرعان ما كشفت التحريات أن وراء ارتكاب الواقعة جار المجني عليها مسجل في قضايا سرقات سابقة يدعى «عمرو. م»  سائق توك توك 40 سنة متزوج ولديه أربع أبناء، ومن خلال الاكمنة المحكمة تمكن رجال المباحث من إلقاء القبض عليه وشريكيه في الجريمة شقيقته وابنها، وتحرر محضر بالواقعة وأحيل الى النيابة، مشفوعا بأقوال الجيران المحيطين بالمجني عليها؛ حيث اكدوا انها طيبة القلب تساعد المحتاجين دائما بالمنطقة وتدخر أموالها في قطع الذهب التي تحتفظ بها خوفا من تعرضها الى مرض.

أسندت النيابة للمتهم تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، والمقترنة بالسرقة بالاكراه، بينما أسندت لشقيقته ونجلها والصائغين  الثلاثة تهمة التستر على المتهم والاشتراك معه في سرقة المجني عليها، في بداية التحقيقات أصر الجاني على الانكار وعلاقته بالجريمة، وعقب مواجهته بما اسفرت عنه التحريات وأقوال بعض شهود الواقعة أقر بارتكابه إياها معللا ذلك بمروره بضائقة مالية وانه استعان بشقيقته ونجلها قبل أيام من تنفيذه الواقعة، واتفق مع شقيقته على أن يراقبوا المكان أثناء صعوده المنزل والقفز الى بيت المجني عليها وسرقتها، بعدها تتولى شقيقته وابنها تصريف المسروقات، وبيعها لثلاثة اشخاص يتاجرون في الذهب  سيئ السمعة، وتم ضبطهم وضبط المسروقات الخاصة بالمجني عليها، قام المتهم بتمثيل جريمته عند مشاهدة المجني عليها له داخل المنزل؛ ذاكرًا انها حاولت مقاومته عند رؤيتها له لكنه انهال عليها بالضرب وقتلها وسرق مشغولاتها الذهبية وعقب اعترافه بالواقعة أمرت النيابة بحبس المتهمين أربعة أيام على ذمة التحقيقات.

فى بيت المجنى عليها

كنا في بيت المجني عليها، الأحزان تعلو الوجوه والدموع تملأ العيون، تحدثنا مع نجلة المجني عليها وهي  في حالة يرثى لها، قالت رضا أحمد 45 سنة:»قبل 4 سنوات اخويا كان عايش معاها وحدثت بعض الخلافات وترك البيت وذهب يعيش في شقة خاصة به في منطقة اخرى،  ومن الوقت ده وأمي عايشه لوحدها وأنا كل يوم بروح عندها مرتين مرة الصبح بعد ما اجيب العيش من الفرن واقعد ساعة او ساعتين وأشوفها لو محتاجه حاجة اعملها، ومرة بالليل بعد صلاة العشاء أقعد معاها ساعة نتسلى مع بعض واطمن عليها وأمشي بعدها عائدة إلى بيتي، وانا مقيمة في نفس المربع بجوارها لا يفصلني عنها سوى 10  دقائق فقط.

وتصمت رضا للحظات لم تستطع حبس دموعها في عينيها، ومضت تقول بأسى: لم أتخيل ان اللي حصل ده ممكن يحصل في يوم من الأيام؛ وانا داخله البيت حسيت في حاجه مش طبيعية لقيت نور الحمام منور وحنفية الحمام مفتوحة وامي مرميه على الأرض في حالة صعبة جروح في راسها، صرخت من هول المنظر والجيران كلهم اتجمعوا وكله شك في المسألة بعد الجروح الموجودة في جسمها، وزوجي اتصل برجال الشرطة اللي كشفت الجاني، واحد من الجيران لانه نسي السلم اللي طلع عليه وراح على سطح بيتهم وتوصلوا الى كل التفاصيل واحنا على ثقة أن القضاء سوف يقتص لنا من الجاني».

وقال حفيدها حازم محمد:»تزوجت من ثلاثة أشهر واقيم معاها في نفس البيت محل الواقعة،  جدتي الله يرحمها كانت فرحانه قوي علشان هعيش معاها وكنت انا ووالدتي واخواتي مرتبطين بيها قوي لأنها طيبه وكان ماينفعش نتركها عايشه لوحدها لكن مع الأسف يوم الواقعة، مراتي كانت تعبانه وعند اهلها من أسبوع وانا اخرج من الساعه 7 صباحا وارجع 10 بالليل، انام عند امي، لغاية في اليوم المشئوم ده اتصلت بي وقالتلي الحق ياحازم جدتك اتقتلت في حد دخل عليها وموتها وسرق الدهب اللي كان في ايدها انا مش مصدق لحد دلوتي بس اللي اعرفته بعد تحريات المباحث؛ ان المتهم مدمن مخدرات، جدتي كانت دايما في حالها مش بتعمل حاجه في حياتها غير تصلي وتذكر ربنا وتساعد الناس.

وقال» محمد المليجي شاهد عيان: المجني عليها كانت مثالا للطيبة على الجميع ومفيش حد في المنطقه مايعرفش الحاجة زغلولة إلا ويحبها لطيبة قلبها ووقوفها جنب الناس، وانا شخصيا من الناس اللي كانت بتحبني قوي وكنت ازورها من وقت للتاني،كانت رحمها الله في مقام أمي وعمرها ما قصرت في حق حد يحتاجها.

القانون

السؤال الذي يتبادر للذهن ماذا يقول القانون في هذه الواقعة؟، يجيب الخطيب محمد المحامي قائلا: في الواقعة الماثلة امامنا المتهم خطط لسرقة جارته وعند قيامه بتنفيذ مخططه قتلها حتى لا يفتضح امره؛ وبهذا يكون قد ارتكب جريمتين جناية قتل عمد وجنحة سرقة، ووفقا لقانون العقوبات المصري المتهم توجه له تهمة القتل المرتبط بجنحة والتي قد تصل عقوبتها الى الإعدام؛ حيث نصت المادة 234 من قانون العقوبات؛ على أن من قتل نفسا عمدًا من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب بالسجن المؤبد أو المشدد ومع ذلك يحكم على فاعل هذه الجناية بالإعدام إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى، وأما إذا كان القصد منها التأهب لفعل جنحة او تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة؛ فيحكم بالاعدام او السجن المؤبد.

اقرأ أيضًا : ضبط متهم بقتل عاطل فى السويس بسبب خلافات قديمة


 

;