إنها مصر

العقلانية جعلت السادات زعيماً

كرم جبر
كرم جبر

لم يكن الرئيس السادات متهوراً ولا مندفعاً وهو يتخذ قرار الحرب، ولو كان فى استطاعته أن يحرر سيناء دون حرب لفعل ذلك، وكان حريصاً على حياة كل جندى وضابط، ومهتماً بعودتهم لبيوتهم بسلام.

وعندما حدثت الثغرة، كان فى استطاعته أن يختار تصفيتها بالقوة كما عرض عليه بعض القادة العسكريين، ولكن كانت نتيجتها سقوط عشرات الآلاف من القتلى من الجانبين المصرى والإسرائيلي، نظراً لتداخل القوات وصعوبة الفصل بينهما.

كان الرئيس السادات يعلم أن موازين القوى فى العالم لن تسمح له بتصفية الثغرة عسكرياً ببحور من الدماء، لا أمريكا ولا أوروبا ولا حتى روسيا، وكان حرصه الشديد على أرواح قواتنا.

كان عبقرياً وحكيماً عندما استثمر الثغرة كورقة ضغط على أمريكا وإسرائيل لقبول فض الاشتباك والانسحاب إلى شرق القناة والدخول فى المفاوضات.
كانت فرحته الكبرى أثناء الاحتفال بالانتصار فى مجلس الشعب، وهو يسأل قادته: هل حافظتم على أرواح مقاتليكم وأسلحتهم وعادوا إلى بيوتهم .. وبلغة العسكريين كان هذا "التمام الإنساني" قمة الروعة.

لم يكن يريد سلاماً منفرداً مع إسرائيل، وأراد أن يكون العرب شركاء ومساندين، لمنحه مزيدا من القوة والإصرار على تحرير كل الأراضى العربية .. ولكن خابت مساعيه بسبب المزايدات والشعارات.

دخل الحرب من أجل السلام، وليس من أجل بطولات يدفع شعبه ثمنها، ومنحته عقلانيته الزعامة فى أعلى درجاتها، وكان يعلم أن شعار إلقاء إسرائيل فى البحر ضرب من المستحيل، ولن يسمح به أحد فى العالم.

فدافع عن قضية بلاده العادلة، عندما تخلى عنه الشركاء، رغم حرصه الشديد على أن تكون القضية الفلسطينية حاضرة فى كل مراحل التفاوض، وليتهم فعلوا وذهبوا إلى فندق سميراميس الذى شهد جولة المفاوضات الأولى، وارتفع علمهم فلسطين فوق سوارى المؤتمر، ولكن لم يحضر القادة الفلسطينيين، وظل المقعد شاغراً.

وعندما كان يكرر أن 99% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا، كان يستشرف المستقبل لصالح قضية بلاده، ويضع ملفاتها فى غرف التفاوض القادرة على تحقيق السلام، وليس تبادل الاتهامات.

وعندما قال أن حرب أكتوبر هى آخر الحروب، كان يحلل بعمق وموضوعية توازن القوى فى المنطقة وعالمياً، ويعرف أن المنطقة المزدحمة بالسكان والمكدسة بالأسلحة بكافة أنواعها، لن تقبل حروباً أًخرى وإلا كتب عليها الفناء، وأنها ستدخل منطقة "توازن القوة" الذى يمنع اندلاع حروب جديدة.
توازن القوى هو الذى يحجم وقوع الحرب، وحرصت القوات المسلحة المصرية بعد حرب أكتوبر على الحفاظ على قوتها وتفوقها وقدرتها على الردع، والتزود بأحدث الأسلحة والمعدات فى العالم، لتظل مصر طرفاً رئيسياً ومؤثراً فيما يجرى فى المنطقة من أحداث.

وظلت دروس حرب أكتوبر ماثلة ولم تغب أبداً، وأهمها الاستعداد الدائم لتلبية نداء حماية الوطن، ولا يتحقق ذلك إلا إذا امتلكت أسلحة الردع، وظلت على أهبة الاستعداد.

انهارت الدول يوم انهارت جيوشها، وصمدت مصر يوم صمد جيشها.