المشير أحمد إسماعيل.. قائد أكتوبر الواثق في النصر

الرئيس أنور السادات يمنح الفريق أول أحمد إسماعيل رتبة المشير
الرئيس أنور السادات يمنح الفريق أول أحمد إسماعيل رتبة المشير

«إن الواجب يقتضينا أن نسجل من هنا.. وباسم هذا الشعب وباسم هذه الأمة.. ثقتنا المطلقة في قواتنا المسلحة.. ثقتنا في قيادتها التي خططت».. هكذا بعزة وكبرياء خلال خطاب نصر أكتوبر التاريخي أمام مجلس الشعب، أشار الرئيس الراحل محمد أنور السادات بسبابته إلى المشير أحمد إسماعيل، الذي وقف في مهابة وتواضع شديدين ليحيي شعب مصر ممثلاً في نوابه، ولم لا والشعب كان أحد صناع النصر بوقوفه خلف قواته المسلحة.

وكأي قائد منتصر في حرب كبرى، عاش المشير أحمد إسماعيل من أجل هذه اللحظة التي تسجل اسمه وتاريخه بحروف من نور، لتبقى ذكراه عالقة في الوجدان بتاريخه العسكري العريق وتحمله مسؤولية القيادة في حرب أكتوبر 1973 ليكون أحد صناع النصر المجيد، وهو الرجل الذي عشق العسكرية المصرية، وجاهد من أجل أن يكون عضواً فاعلاً فيها، وتحقق له ما أراد.

بداية حياته العسكرية

ولد المشير أحمد إسماعيل في حي عابدين بالقاهرة عام 1917 في أسرة عسكرية منضبطة، حصل على البكالوريا "الثانوية العامة حالياً" عام 1934، وتقدم للالتحاق بالكلية الحربية لكنه لم يوّفق، ليلتحق بعدها بكلية التجارة، وكرر المحاولة مرتين بعد ذلك حتى تم قبوله بالكلية الحربية الملكية عام 1937، وتوطدت العلاقة بينه وبين الطالب محمد أنور السادات الذي سبقه للالتحاق بعد عام واحد، كذلك مع الطالب جمال عبدالناصر زميل الدفعة.

تخرج الملازم أحمد إسماعيل عام 1938 وانضم لسلاح المشاة وبدأ حياته ضابطاً في الكتيبة الرابعة في منطقة منقباد، حيث كانت بداية تعرفه على القائد المصري العظيم عزيز المصري، ثم تدرج في المناصب القيادية وحصل وهو برتبة رائد على بعثة تدريبية أوائل عام 1948 في دير ياسين بفلسطين، والتي كان الاحتلال البريطاني قد أنشأ فيها مدرسة عسكرية، ثم في بعثة إلى إنجلترا عاد منها ليشارك في حرب فلسطين، ثم التحق بكلية أركان الحرب وتخرج فيها عام 1950 وترتيبه الأول على دفعته ليعمل مدرساً بها حتى قيام ثورة يوليو عام 1952، ليتولى بعدها قيادة إحدى كتائب المشاة.

ونظراً لانضباطه ومعلوماته العسكرية المتميزة، فقد اُختير عضواً في مفاوضات الجلاء عام 1954، ثم عضواً في إتمام صفقة الأسلحة الشرقية عام 1955، كما كان أحد القادة الذين وضعوا أسساً لبناء قوات الصاعقة المصرية بنهاية عام 1955، كما شارك في حرب العدوان الثلاثي على مصر كقائد لكتيبة المشاة وأبلى فيها بلاءً حسناً.

تطوير القوات المسلحة

ومع إجراء عمليات تطوير القوات المسلحة في أعقاب العدوان الثلاثي، سافر العقيد أحمد إسماعيل للالتحاق بالأكاديمية العسكرية في الاتحاد السوفيتي ليعود عام 1958 ليتم اختياره كبيراً للمعلمين في الكلية الحربية عام 1959، من أجل تطوير الدراسات العسكرية لكي تتناسب مع العقيدة العسكرية الجديدة، واستمر حتى عام 1962 عند ترقيه إلى رتبة اللواء وتعيينه قائداً لإحدى تشكيلات المشاة، ثم إلى قيادة القوات البرية عام 1964 والتي ظل بها حتى حرب يونيو 67.

أُحيل "إسماعيل" للتقاعد ضمن قائمة لقيادات كبيرة في أعقاب يونيو 67، وفي ظرف 48 ساعة فقط أُعيد للخدمة كرئيس لهيئة التدريب، ثم قائداً للجبهة اعتباراً من أول يوليو 1967، لكي تظهر كفاءة هذا القائد في تحقيق المعادلة الصعبة في إعادة بناء القوات المسلحة ورفع الروح المعنوية لها والحفاظ على الأراضي غرب القناة ومنع العدو من الاقتراب منها، كذلك بناء مسرح العمليات على أسس علمية وتدريب القوات انتظاراً لتحقيق النصر، وفي نفس السياق الحفاظ على أمن الشعب في منطقة القناة، وتنظيم عملية نقل مليوني فرد من مدن القناة إلى داخل الوادي.

ولم تمضِ أيام قليلة على مسؤوليته كقائد للجبهة حتى اندلعت معارك "رأس العش"، فكانت توجيهاته قاطعة بمنع العدو من نيل أي حبة رمل جديدة، كذلك معارك 14 و15 يوليو، حيث كان إصراره على الدفع بالطيران المصري لمساندة القوات البرية، لكي يتم إزالة الحاجز النفسي للقوات المسلحة تجاه العدو، وكان له ما أراد.

وفي أبريل عام 1968 تولى اللواء أحمد إسماعيل رئاسة هيئة عمليات القوات المسلحة ليعمل مع الفريق عبدالمنعم رياض رئيس الأركان -آنذاك- للتخطيط لتنشيط الجبهة ومنع العدو من إقامة حصون على الضفة الشرقية للقناة، وهي العمليات التي بدأت في 8 مارس عام 1969، حيث استشهد الفريق عبدالمنعم رياض في اليوم التالي.

تولى الفريق أحمد إسماعيل مسؤوليته الجديدة كرئيس لهيئة أركان حرب القوات المسلحة ليكمل المسيرة، إلا أن نجاح العدو في تنفيذ إغارة على منطقة الزعفرانة على البحر الأحمر وخطف رادار، أدى إلى إحالته مرة أخرى للتقاعد، وتحمل الرجل المسؤولية بشجاعة.

الإعداد والتخطيط لنصر أكتوبر

كان لديه الإحساس أنه سيعود يوماً لاستكمال مسؤوليته في تحرير تراب مصر الغالية، وحدث هذا حين استدعاه الرئيس محمد أنور السادات في مايو عام 1971 بعد ثورة التصحيح ليكلفه بمهام مدير المخابرات العامة، وهي مسؤولية تعادل مسؤوليات القيادة الكبرى في القوات المسلحة، كما كانت خطوة رئيسية ليكلفه الرئيس السادات في 24 أكتوبر 1972 بتولي مسؤولية القائد العام وزير الحربية من أجل الإعداد لنصر أكتوبر المجيد.

 

وهنا كانت سمات القائد وبصماته ظاهرة تماماً في الإعداد والتخطيط للحرب، والذي اتسم بالسرية المطلقة والجهد من أجل الحفاظ على كل قطرة دم من أبناء مصر، والفكر المتقد لكي تنفذ المهام بفاعلية وحسم، إلى جانب مسؤولية التنسيق مع الشريك الرئيسي في الحرب وهي سوريا الشقيقة.

ثقة في النصر

كان "إسماعيل" لديه ثقة في النصر، حين وقف أمام مجلس الوزراء بحضور الرئيس السادات في آخر سبتمبر ليقول: "سوف نخوض حرباً واثقين فيها من النصر"، وعندما كان يكثف زياراته للجبهة يذكر للضباط والجنود أن "العسكرية المصرية لم تعرف يوماً الهزيمة ونحن قادرون على تحرير الأرض المغتصبة".

أطلق الفريق أول أحمد إسماعيل نظرية التطوير الذاتي وشجع كل فكرة تؤدي إلى تحقيق الهدف، فهو صاحب نظرية تحرير الأرض على مراحل وفقاً لإمكانيات القوات المسلحة، خاصة مع حجب الاتحاد السوفيتي معظم الأسلحة المتقدمة، وكان حريصاً على تحقيق المفاجأة باعتبارها الوسيلة الوحيدة في هذا الوقت التي تؤثر تأثيراً مباشراً على إدارة الطرف الآخر للحرب؛ خاصة في بدايتها، حيث كنا نحتاج إلى تعطيل العدو لساعات حتى نثبّت أقدامنا شرق القناة، ثم ندير حرباً متكافئة وهو ما حدث فعلاً، فقد التزم القادة بما وضعوه من خطط وتدربوا عليه لذلك كان النصر المبين.

 

المشير أحمد إسماعيل.. عاش ورحل بطلاً

ومع الجهد الهائل وبعد تحقيق النصر، فقد داهمه المرض القاتل، وتحامل القائد على نفسه، ولكنها مشيئة المولى سبحانه وتعالى، أن تصعد روحه الطاهرة إلى باريها في 25 ديسمبر عام 1974 عن عمر يناهز 57 عاماً، حيث ودعته الجماهير في جنازة مهيبة، فقد عاش بطلاً وضحى من أجل مصر، وقاد أشرف معركة في العصر الحديث، وترك لنا آثاراً علمية ونظماً قيادية تفخر بها القوات المسلحة، والأهم من ذلك فقد اقترن اسمه بنصر أكتوبر المجيد.