«اللعب» على عقول الشباب !!

د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد

يهتم كثيرون حول العالم بقضية المشاركة السياسية وعدد المصوتين فى أية استحقاقات انتخابية، باعتباره مؤشرا على رضا أو عدم رضا الجمهور العام عن تلك الاستحقاقات.

والواقع أن ذلك الرأى يغفل العديد من الحقائق العلمية فى هذا الشأن، والتى تشير إلى أن معدلات المشاركة السياسية، والتصويت فى الانتخابات تتراجع عالميا بصورة مطردة منذ سنوات التسعينيات وحتى اليوم، والدليل على ذلك ما أورده التقرير البرلمانى العالمى الصادر عام 2022 عن الاتحاد البرلمانى الدولى وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى، والذى يشير إلى انخفاض متوسط عدد المصوتين على مستوى العالم منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين.

وتوضح الدراسة أنه فيما بين عامى 1940 و1980، تراوح متوسط عدد المصوتين فى العالم بين 76 و78 فى المائة، وانخفض إلى 70 فى المائة فى تسعينيات القرن العشرين وإلى 66 فى المائة بحلول عام 2015، وسُجِّل عدد أقل من المصوتين فى صفوف الناخبين الشباب، حيث صوت 43 فى المائة فقط من الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 25 عاما أو أقل فى انتخاباتهم الوطنية فى عام 2016، ولا ينتمى سوى 4.1 فى المائة من الشباب عامة حول العالم إلى حزب سياسى، وتنخفض هذه النسبة إلى 3.1 فى المائة بالنسبة للشابات. 

هذه الحقائق العالمية تضعنا أمام مجموعة من الأسئلة، ونحن مقبلون على واحد من أهم الاستحقاقات الدستورية، وهو الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتى أتوقع أن يحاول «أهل الشر» اللعب خلالها على عقول الشباب، وأظنهم بدأوا بالفعل!!

أول تلك الأسئلة يتعلق بأساليب جذب الشباب للمشاركة السياسية والانخراط بجدية فى الشأن العام، وهنا تجدر الإشارة إلى أهمية الدور الذى تلعبه وسائل التواصل الاجتماعى فى تشكيل وعى قطاعات واسعة من أولئك الشباب، باعتبارها نافذتهم الأهم ليس فقط على العالم.

وقد كان لى مؤخرا شرف المشاركة كمتحدث فى الملتقى العربى الأول للإعلام البرلمانى، والذى نظمته المنظمة العربية للتنمية الإدارية التابعة لجامعة الدول العربية، واستضافته مملكة البحرين الشقيقة، وضم نخبة من البرلمانيين والأكاديميين والخبراء من مختلف الدول العربية، وكان من أبرز نقاط اتفاق المشاركين فى الملتقى، ذلك الدور المحورى الذى باتت تمثله منصات التواصل الاجتماعى، كأداة لصياغة العقول فى منطقتنا، وبخاصة لدى أجيال الشباب.

المشكلة الحقيقية كما أراها ويتفق بشأنها كثيرون، أن الخطاب السياسى التقليدى المقدم فى بلداننا العربية، لم يعد يناسب تلك الشريحة العريضة من الشباب، التى تمثل اليوم غالبية سكان المنطقة، ولم تعد العديد من أدوات الإقناع صالحة للاستخدام على منصات التواصل الاجتماعى، وبالتالى علينا أن نعيد التفكير فيما يُقدم من محتوى لهذه الفئة المجتمعية الغالبة، وألا نتركهم نهباً لسماسرة تزييف العقول، وتجار الدين والسياسة، ومحترفى تشويه الحقائق، الذين يجيدون استخدام تلك المنصات لـ»تسويد» نظرة هؤلاء الشباب للواقع، وتزييف وعيهم.

ولعل نجاح الدولة المصرية على مدى السنوات الماضية فى تقديم تجارب جادة فى احتواء الشباب والتحاور معهم مباشرة بدعم شخصى من جانب الرئيس عبد الفتاح السيسى، سواء عبر المؤتمرات الوطنية والدولية للشباب، وإتاحة فرص التدريب، وتفعيل مبادرات التطوع وتوسيع نطاق مشاركتهم فى الشأن العام، وحرص الرئيس على لقاء ودعم الشباب فى كل مكان مثلما شهدنا فى ذلك المشهد المشرق خلال حفل تكريم أوائل خريجى الجامعات المصرية مؤخرا، مما يجعلنا نتفاءل بإمكانية أن تحظى  قضية تعزيز حضور الدولة بأساليب وأدوات تناسب العصر على منصات التواصل الاجتماعى بأولوية أكبر، لأن الصراع فى ذلك الميدان، لا يقل أهمية وخطورة عن الصراع مع «أهل الشر» على أرض الواقع.