بعد الاختصار

«جولدا»… التزييف العميق

عمرو جلال
عمرو جلال

«المصريون معجبون بفيلم إسرائيلى عن حرب أكتوبر»… عنوان لإحدي الصحف الأجنبية جاء تعليقًا على فيلم «جولدا» الذى يرصد أيام من حياة «جولدا مائير» رئيس وزراء إسرائيل خلال حرب ٦ أكتوبر... لا أنكر أننى كنت من بين المعجبين بعدد من المقاطع الترويجية للفيلم ... لأول مرة نشاهد عملاً سينمائياً هوليوودياً يقدم مشاهد الرعب والعار على وجوه  قادة إسرائيل خلال حرب أكتوبر… لأول مرة يصورون  كيف أسقط المقاتل المصرى إسرائيل التى لا تُقهر…كنت أعتقد أن هوليوود ستكون منصفة ولو لمرة واحدة وتقدم عملاً تاريخياً كاملاً من واقع المعلومات الموجودة حتى فى وثائقهم التاريخية والمُعلنة... لكن هيهات... شاهدت الفيلم كاملاً واكتشفت خيبة الأمل... العمل ليس سوى تزييف عميق وبارع لتاريخ حرب 6 أكتوبر المجيدة... طبقة كبيرة من السكر تم وضعها فى الأعلى لتغرى المشاهد المصرى و العربى بالتهام هذه القطعة من الدراما التاريخية... ما أن يتم هضمها حتى تتولد لديك أفكار مسمومة تستهدف الغرس فى ذاكرة الجيل الحالى والقادم... الفيلم يختلق المبررات ويزور الوقائع لتبدو إسرائيل الحالمة مصدومة فى البداية من قوة الهجوم المصرى ولا تنكر تقصير قادتها فى البداية لكنها تنجح بعدها فى تحقيق انتصارات لم تحدث كما وصفوها... الفيلم يصور «مائير»  علي أنها هى من دفعت مصر إلى طاولة السلام … «سيدة الهزيمة» هكذا كان لقبها تحولت فى الفيلم إلى «سيدة السلام والإنسانية « وكأنها لم تكن يوماً مجرمة حرب ومغتصبة أراضٍ عربية شاركت بسياساتها فى مذابح موثقة… بمدرسة بحر البقر قتلت الأطفال الأبرياء وحدث ولا حرج عما فعلته فى أطفال فلسطين وسلب أراضيها مع الجولان .. وبعد كل ذلك يحاول الفيلم أن يركز بمبالغة درامية على إنسانيتها... فى مشهد من الفيلم نرى مائير تذرف الدموع على موت أحد أبناء موظفيها بالمعركة ثم مشهد آخر يصور الدماء تسيل من يدها وهى تجز عليها من شدة حزنها على جنودها بعد أن سمعت أصوات صراخهم فى المعركة... الحقيقة أن تلك المرأة كان يكفى أن تنظر لوجهها الدميم لتعرف معنى «رءوس الشياطين»... الفيلم إنتاج هوليوودى صناعة مجموعة من الحائزين على جوائز عالمية من بينهم : المخرج الإسرائيلى «جاى ناتيف» الحائز على جائزة الأوسكار ومن بطولة الممثلة البريطانية «هيلين ميرين» التى تقوم بدور «جولدا» وهى أيضا حائزة على الأوسكار... لا نحتاج إلى ضرب الودع لنعرف أن الفيلم سيحصد فى الفترة القادمة جوائز معظم المهرجانات السينمائية وعلى رأسها جائزة الأوسكار ليتم تخليده كعمل سينمائى متميز يقدم جزءاً من التاريخ المشوه تشاهده كل الأجيال القادمة... الهدف بالطبع هو تأكيد الرواية الإسرائيلية لحرب أكتوبر... تزييف عميق للحقائق التاريخية الموثقة بصورة يُصعب على الأجيال القادمة تمييزها والتفرقة بين ما هو حقيقى وبين ما هو مزيف... ليس غريباً عندما سألت أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعى عن المنتصر فى حرب أكتوبر 1973 فجاءت الإجابة داعمة للرواية الإسرائيلة فى الفيلم!!... بالأمس كان الناس يتحدثون إلى بعضهم البعض ثم أصبحوا يتحدثون عبر الرسائل النصية... اليوم يتحدثون إلى صديقهم الجديد الذكاء الاصطناعى... وهناك فى عالم «الميتافيرس» ينسجون أيضاً روايتهم للتاريخ... بداخله سيقولون لك ماذا تشاهد وتقرأ وتسمع… تحصين الأجيال الحالية والقادمة من فيروسات التزييف واجب وطنى... فى الماضى كنا نقول التاريخ يكتبه الأقوياء والمنتصرون... غداً سيكتبه من يمتلكون الرقائق الإليكترونية وهى عقل الذكاء الاصطناعى!