عصير القلم

الوقت المناسب

أحمد الإمام
أحمد الإمام

‭..‬الوقت‭ ‬المناسب‭ .. ‬كلمتان‭ ‬خفيفتان‭ ‬على‭ ‬اللسان‭ ‬ثقيلتان‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬مصائر‭ ‬ملايين‭ ‬البشر‭.‬

كل‭ ‬قصص‭ ‬النجاح‭ ‬بدأت‭ ‬من‭ ‬اختيار‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬،‭ ‬وجميع‭ ‬قصص‭ ‬الفشل‭ ‬انتهت‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬اختيار‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭.‬

يجب‭ ‬أن‭ ‬تدرب‭ ‬نفسك‭ ‬جيدًا‭ ‬منذ‭ ‬الصغر‭ ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬قراراتك‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬،‭ ‬فكم‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬صائبة‭ ‬جاءت‭ ‬متأخرة‭ ‬وبعد‭ ‬فوات‭ ‬الآوان‭ ‬فأصبحت‭ ‬بلا‭ ‬معنى‭.‬

يجب‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬حياتنا‭ ‬كلها‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مجموعة‭ ‬قرارات‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬مصائرنا‭ .. ‬وأحيانا‭ ‬مصائر‭ ‬من‭ ‬حولنا‭.‬

اختيار‭ ‬الاصدقاء‭ ‬قرار،‭ ‬واختيار‭ ‬نوعية‭ ‬الدراسة‭ ‬قرار،‭ ‬واختيار‭ ‬مجال‭ ‬العمل‭ ‬قرار،‭ ‬واختيار‭ ‬الزوجة‭ ‬أيضا‭ ‬قرار‭.‬

ولكن‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬القرارات‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬توقيت‭ ‬إصدارها‭ ‬،‭ ‬فالقرار‭ ‬الصائب‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يصدر‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬حتى‭ ‬تحقق‭ ‬النتيجة‭ ‬التي‭ ‬تأملها‭.‬

على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬قرار‭ ‬الزواج‭ ‬،‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬يتعجل‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬بدافع‭ ‬من‭ ‬العاطفة‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬فقدان‭ ‬فرصة‭ ‬الارتباط‭ ‬بالحبيبة‭ ‬،‭ ‬ويكون‭ ‬الثمن‭ ‬فادحًا‭ ‬لأن‭ ‬ظروفه‭ ‬المادية‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬باتخاذ‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت‭ ‬فتعتصره‭ ‬الديون‭ ‬وتخنقه‭ ‬الاقساط‭ ‬والالتزامات‭ ‬حتى‭ ‬تكاد‭ ‬تزهق‭ ‬روحه‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬شخصيته‭ ‬لم‭ ‬تتجمل‭ ‬بعد‭ ‬بالنضج‭ ‬الكافي‭ ‬لتحمل‭ ‬مسئولية‭ ‬زوجة‭ ‬وبيت‭ ‬وأسرة‭ ‬فينهار‭ ‬هذا‭ ‬الزواج‭ ‬سريعًا‭ ‬بسبب‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬غير‭ ‬المناسب‭.‬

والعكس‭ ‬صحيح‭ ‬أيضا‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬ينشغل‭ ‬أولا‭ ‬ببناء‭ ‬مستقبله‭ ‬وجمع‭ ‬المال‭ ‬وتحقيق‭ ‬طموحات‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬حتى‭ ‬تجرفه‭ ‬آلة‭ ‬الزمن‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ترحم‭ ‬ويجد‭ ‬نفسه‭ ‬تجاوز‭ ‬الاربعين‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬وحقق‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يحلم‭ ‬به‭ ‬ويبدأ‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬الزواج‭ ‬،‭ ‬وهنا‭ ‬يصطدم‭ ‬بالواقع‭ ‬أن‭ ‬سنه‭ ‬المرتفع‭ ‬نسبيًا‭ ‬سيجعل‭ ‬دائرة‭ ‬الاختيار‭ ‬أمامه‭ ‬ضيقة‭ ‬،‭ ‬ويتسرب‭ ‬اليه‭ ‬الإحباط‭ ‬ويبدأ‭ ‬تدريجيًا‭ ‬في‭ ‬الزهد‭ ‬في‭ ‬فكرة‭ ‬الزواج‭ ‬نفسها‭ ‬ويكمل‭ ‬حياته‭ ‬وحيدًا‭.‬

كلاهما‭ ‬على‭ ‬خطأ‭ .. ‬من‭ ‬تسرع‭ ‬كان‭ ‬مخطئًا‭ ‬،‭ ‬ومن‭ ‬تمهل‭ ‬كثيرا‭ ‬كان‭ ‬مخطئًا‭ ‬أيضًا‭.‬

كلاهما‭ ‬عجزت‭ ‬بوصلته‭ ‬عن‭ ‬اختيار‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬للقرار‭ ‬فأصبح‭ ‬الإخفاق‭ ‬نتيجة‭ ‬حتمية‭.‬

اذن‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬هو‭ ‬كلمة‭ ‬السر‭ ‬في‭ ‬نجاح‭ ‬أي‭ ‬قرار،‭ ‬ولدينا‭ ‬مئات‭ ‬النماذج‭ ‬الناجحة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬حليفًا‭ ‬لقراراتهم‭.‬

محمد‭ ‬صلاح‭ ‬أيقونة‭ ‬الكرة‭ ‬المصرية‭ ‬اتخذ‭ ‬قرار‭ ‬الاحتراف‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬تمامًا‭ ‬وهو‭ ‬مازال‭ ‬صغيرًا‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬ويمتلك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التأقلم‭ ‬مع‭ ‬حياة‭ ‬الغربة‭ ‬ومتطلبات‭ ‬الاحتراف‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحمله‭ ‬الكلمة‭ ‬من‭ ‬التزام‭ ‬داخل‭ ‬الملعب‭ ‬وخارجه،‭ ‬فحالفه‭ ‬النجاح‭ ‬وصار‭ ‬نجمًا‭ ‬عالميًا‭ ‬لامعًا‭.‬

وعلى‭ ‬العكس‭ ‬تمامًا‭ .. ‬عشرات‭ ‬اللاعبين‭ ‬تأخروا‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬واعتادوا‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬النجومية‭ ‬والدلع‭ ‬والاستهتار‭ ‬والطبطبة‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬لذلك‭ ‬عندما‭ ‬سافروا‭ ‬للاحتراف‭ ‬عادوا‭ ‬بخيبة‭ ‬الامل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عجزوا‭ ‬عن‭ ‬التأقلم‭ ‬مع‭ ‬حياة‭ ‬الاحتراف‭ ‬الحقيقية‭ ‬في‭ ‬اوروبا‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تتطلبه‭ ‬من‭ ‬تضحيات‭ ‬والتزام‭ ‬مثل‭ ‬عمرو‭ ‬زكي‭ ‬وشيكابالا‭ ‬وعماد‭ ‬متعب‭ ‬وكهربا‭ ‬وصالح‭ ‬جمعه‭ ‬وغيرهم‭.‬

في‭ ‬النهاية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬النجاح‭ ‬لا‭ ‬يعتمد‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬المناسب‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬يعتمد‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬توقيت‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭.‬


 

;