إنها مصـر

«كانت الدنيا ظلاماً حولنا !»

كرم جبر
كرم جبر

 فى مثل هذا اليوم، تمكنت العمليات الخاصة من ضبط "الغول" وشقيقه وأربعة مسجلين خطر المتهمين فى مذبحة قسم كرداسة.. كان ذلك يوم 28 سبتمبر 2013 .

وهى مذبحة ارتكبها ارهابيون بآر بى جى وبنادق آلية، وهاجموا ضباط وأفراد مركز شرطة كرداسة وأشعلوا به النيران وقتلوا لواءين وعقيداً ونقيبين و7 آخرين من الأمناء والأفراد،وسبقه سحل وتعذيب وتقطيع بالسنج والأسلحة البيضاء، ثم قتل بالرصاص فى أعمال العنف التى أعقبت فض اعتصامى رابعة والنهضة.

وفى مثل هذا اليوم ولكن منذ 11 سنة، كان الرئيس الاخوانى يقف فى ميدان التحرير، فاتحاً الجاكيت، ويقول للمتظاهرين من اهله وعشيرته: وأنا أهو واقف بينكم بدون قميص واقى.

سنوات مريرة ولم يكن أحد يتصور أن مصر يمكن أن تقف من عثرتها قبل ثلاثين سنة على الأقل، إذا توقف الإخوان عن سياسة الأرض المحروقة، واستهدافهم لمؤسسات الدولة لهدمها واستبدالها بكيانات إخوانية.

فالدولة عندهم هى الخلافة، ورئيسهم هو المرشد، وجيشهم هو الميليشيات المُسلحة والقضاء عرفى، والشعب إما إخوان أو رويبضة.

قالوها بالفم المليان: يمكن أن يحكم مصر ماليزى أو سيرلانكى طالما ينتمى لهم، والأرض أرض للمسلمين جميعاً، فيمكن أن يتركوا أجزاء فيها لأشقائهم فى الدين، والحرب فريضة مُقدسة ضد من يخالفهم المذهب والعقيدة، والنشيد هو "صليل الصوارم"، والعلم قطعة قماش سوداء عليها سيفان، والاقتصاد هو "طائر النهضة" .

لم يجيئوا ليحكموا فقط، وإنما لتغيير هوية الدولة والدماء التى تجرى فى عروقها، ومحو تاريخها وثقافتها وحضارتها، واستبدالها بمكونات إخوانية.
الديمقراطية بالنسبة لهم هى عربة الشيطان، يركبونها للوصول إلى الحكم، ثم يقفزون منها ويحرقونها بمن فيها، والأحزاب هى الإسلامية، أما العلمانية فهى رجس من عمل الشيطان، والإعلام خطيئة والإعلاميون سحرة فرعون.

سنوات صعبة ولم يكن أشد المتفائلين يحلم بأن تعبر مصر من الفوضى إلى الاستقرار قبل ثلاثين عاماً، وقالوا إنهم سيحكمون لمدة نصف القرن على غرار الاستعمار العثمانى .

«لو» استمروا فى الحكم، ما كنا نجد مصر التى نعرفها ونعيش فيها، وإنما بلد غريب وغير مألوف، فى ظل صراع غير متكافئ بين الأحزاب الدينية المسلحة والتيارات السياسية المهمشة، وبين الفصائل الدينية بعضها البعض، ومع المسيحيين والقوى الكامنة تحت الأرض ترقباً لما يحدث.

فرح بعض الناس فى البداية بالمظاهرات والمليونيات و"الشعب يريد" والشعارات المستوردة من الثورات البرتقالية والاعتصامات والإضرابات، ولكن المصريين جميعا استيقظوا على أصوات الرصاص والقنابل والمتفجرات تقتل وتروّع، وأدرك الجميع أن "مصر تصعد بسرعة إلى الهاوية".

وبدأت عملية الإنقاذ بعد خسائر وصلت إلى مئات المليارات من الدولارات، كان يمكن أن تنعش اقتصاد الدولة، وتنقله إلى حالة التعافى الكامل، ولكن قدر الله وما شاء فعل، فلا يمكن البكاء على اللبن المسكوب . 

وإذا كان المثل يقول "لا يٌلدَغ المؤمن من جُحر مرتين" فالأكاذيب التى يحاولون استرجاعها الآن، مضمونها لم يتغير مع تبديل الشكل والشعارات .
هناك من يحلم بعودة "الغول" وأشقائه والمسجلين خطر، للسيطرة على الشوارع والميادين، وإحياء الإضرابات والاعتصامات، فالهدم هو الذى يخلف أنقاضاً يقفون عليها لتعلو قامتهم فوق الخراب والدمار. 

صحيح "الاختلاف فى الرأى" هو سُنة الحياة، ولكن "القتل بالرأى" يقضى على الحياة، فقد عشنا بأنفسنا وشاهدنا بأعيننا، ويمضى أمامنا شريط الذكريات المريرة.. حتى وصلنا الى شاطئ الاستقرار بعد أن كانت الدنيا ظلاماً حولنا.