محمد قناوي يكتب: الأفلام القصيرة.. مستقبل السينما السعودية الجديدة

الكاتب الصحفي محمد قناوي
الكاتب الصحفي محمد قناوي

البلد التي تريد بناء صناعة سينما حقيقية، لابد أن تهتم أولا بصناعة الفيلم القصيرة لأنه البوابة الحقيقية  التي يدخلها من خلالها صُناع الفن السابع نحو تأسيس هذه الصناعة والتي ستكون سببا في تخرج جيل من الموهبين يقودون حركة البناء لهذه الصناعة المهمة، فالأخوة "لوميير" الآباء المؤسسين لصناعة السينما في العالم قيل أكثر من مائة وخمسة وعشرون عاما عندما صنعوا أول آلة عرض سينمائي عام 1895، وقاموا بعرض 10 أفلام قصيرة في باريس، مدة الفيلم  50 ثانية، لم يتخيلوا قط أن صناعة السينما ستصل إلى ما وصلت إليه الآن.

والأفلام القصيرة كانت ولا زالت بوابة الموهوبين إلى عالم محترفي صناعة السينما، حيث يمكنهم من خلالها إبراز موهبتهم وإظهار قدراتهم وجذب الأنظار والدليل أن نجوم الاخراج السينمائي في العالم كانت بدايتهم مع الفيلم القصير، وتكمن أهمية التجربة الأولي لأي شاب يقرر خوض تجربة الإخراج من خلال فيلم قصير أنه تحميه من الإسراف في الإنفاق بمرحلة مبكرة جداً من مسيرته الفنية، فيتعلم كيف ينفق ميزانية الفيلم في اوجهها الصحيحة، كما انها تتيح له أن تستكشف قدراته الإبداعية،عكس الأفلام الروائية الطويلة التي تستدعي منه أن يتبع القواعد التقليدية في البناء والسرد والترابط، وفوق كل هذا الأفلام القصيرة توفر للمخرج الشاب تجربة قيمة مع المهرجانات السينمائية، بعيدا عن ضغوط التسويق والبيع للفيلم الروائي الطويل وبمناسبة المهرجانات السينمائية، وعندما بدأت المملكة العربية السعودية خطوات جادة نحو صناعة سينما طبقا لرؤية 2030 التي تنتهجها المملكة في كافة المجالات ، كانت الأفلام القصيرة محل اهتمام من اجل بناء جيل جديد من المخرجين والكتاب يكونوا نواة لصناعة السينما الروائية والطويلة.

ومنذ انطلقه قبل عامين خصص مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي  ومؤسسة البحر الأحمر السينمائية برنامجا خاصا لهذه النوعية من الأفلام أطلق عليه برنامج "سينما السعودية الجديدة" ويواصل في الدورة الثالثة التي تنطلق في جدة نهاية نوفمبر القادم تقديم هذه الافلام والاحتفاء بها ودعم صُناع الأفلام السعوديين الذين حققوا نجاحات عالمية؛ حيث يستمر البرنامج في تمكين المواهب الصاعدة وتعزيز الفرص لتحقيق المزيد من النجاح من خلال توفير منصة لعرض إبداعات صناع الأفلام.

وقد تم اختيار 19 فيلما لتضمها الدورة الجديدة من المهرجان وتترواح مدة هذه الأفلام المختارة للمشاركة بالبرنامج بين 5 دقائق إلى 44 دقيقة، وتطرح مجموعة واسعة من المواضيع المتعلقة بمواجهة التطرف والتكيف الاجتماعي ووصولا للتغلب على الصراعات الشخصية. وقد تم إنتاج جميع الأفلام من قبل كوادر سعودية قامت بمعظم عمليات الإنتاج أو التصوير داخل المملكة العربية السعودية.

وتشمل الأفلام المختارة ضمن فئة الأفلام القصيرة لهذا العام كلاً من: فيلم "خالد الشيخ: بين أشواك الفن والسياسة"  للمخرج جمال كتبي فيلم وثائقي يستكشف رحلة الفنان البحريني خالد الشيخ بعد عزوفه عن عالم السياسة ليسعى وراء تعلّم الموسيقى، وفيلم "الشتاء الأخير" للمخرج حيدر داوود فيلم وثائقي مؤثر يتتبع المخرج وصديقه محسن وهم يعانون من الحنين إلى الوطن في الشتاء الاسكندنافي القاسي ويتذكرون وطنهم المملكة العربية السعودية، فيلم "شارع 105" للمخرج عبد الرحمن الجندل المستوحى من قصة حقيقية حول شرطيان سعوديان، مروان وناصر، حيث يواجهان خلية من مجموعة داعش في مدينة الرياض، فيلم "تحويلة" للمخرج ظافر الشهري تدور أحداثه حول حياة موظف يعمل عن بعد، و تتلاشى أحلامه ببطء بسبب العزلة، وفيلم "الرحلة" للمخرجة هانية باخشوين  يروي الفيلم قصة عالية، وهي أم عازبة وسائقة أوبر، حيث تواجه تحديات مجتمعية مع أعباء ومسؤوليات الحياة الملقاة على كاهلها، وفيلم"حوض" للمخرجة ريما الماجد  تدور أحداث الفيلم حول قصة علياء التي تواجه مخاوفها الداخلية بينما تشرع في تحقيق شغفها الدفين في أن تصبح كاتبة سيناريو وفيلم" أنا بخير" للمخرج فيصل الزهراني يروي الفيلم قصة آسرة عن الصبي الأبكم خير وصديقته الدمية "زعتر"، حيث يستكشفان تجارب عن الفقد والموت وفيلم "شدة ممتدة " للمخرج سلطان ربيع، وتدور أحداثه محاولات سامر للحصول على قسط من النوم بعد قضاء ليلة في الخارج، رغم المقاطعات المستمرة من عائلته التي تحول دون ذلك وفيلم "كم كم" للمخرجة دُّر جمجوم  يدور الفيلم حول دانة الفتاة المدللة التي تبلغ 17 عاماً، أثناء تعلمها كيفية التحكم في إدارة عواطفها من خلال لعبها وقضاء إجازتها على الشاطئ برفقة صديقاتها وفيلم "سليق" للمخرجة أفنان باويان يروي مغامرة هاجر أثناء طبخها للسليق وتحولها لتجربة خاصة لاتنس شاركها فيها جيرانها، وفيلم "وحش من السماء" للمخرجة مريم خياط يروي قصة مغامرة لسمكة مرحة تذهب في مهمة لإنقاذ زملائها من الكائنات البحرية الأخرى من وحش قاتل وفيلم "في شيء" للمخرج العباس حميدالدين يروي قصة مؤثرة لشقيقين أثناء بحثهما عن السعادة وسط الفوضى في منطقة مزقتها الحرب وفيلم "ترياق" للمخرج حسن سعيد وتدور أحداث الفيلم حول علي، شاب من محبي الموسيقى الشعبية، يهدي مطربه المفضل آخر تسجيل له، بعد أن فقد المغني صوته وفيلم "المدرسة القديمة" للمخرج عبد الله الخميس، يسرد الفيلم معاناة بطل ومحاولاته للتكيف مع بيئة عمله الجديدة بعد غيابه الطويل وفيلم "آرت بلوك" للمخرج عبد الرحمن بتاوي، تدور أحداث الفيلم حول عبود المصمم المبدع، والذي يواجه ضغوط انجاز مشروع بفترة زمنية محددة وفيلم "الخيط الأخير" للمخرجة جوانا الزهراني، ويتناول الفيلم قصة حياة ومحاولاتها الحثيثة للتغلب على القيود التي تحد من مستوى إبداعتها وفيلم "سيقان سالم" للمخرج طلال المساعد، يروي الفيلم قصة صديقين تأخذ حياتهما منعطفاً غير متوقع عندما يخوضان تجربة جديدة، و"جميل السعيد" للمخرج أسامة خليفة يستعرض الفيلم قصة ملهمة عن تصميم جميل "الأبكم" للحصول على منصب اخصائي في السعادة بشركة مرموقة، وفيلم "حادي العيس" للمخرج عبدالله سحرتي فيلم وثائقي يستعرض جمالية النياق بالتوازي مع سرد يسلط الضوء على عادات وتقاليد الثقافة السعودية، ويربط الماضي بالحاضر، ويربط الشعب السعودي تاريخيًا وجغرافيًا وعاطفيًا والاربعة أفلام الأخيرة كانت جزء من تحدي الـ 48 ساعة، الذي تم تنظيمه من قبل مؤسسة البحر الأحمر السينمائية في أغسطس الماضي حيث شجّعت المشاركين على انتاج فيلم قصير في 48 ساعة فقط. وقد  فاز "الخيط الأخير"و" آرت بلوك" بالتحدّي، فيما حاز فيلم "جميل السعيد" على جائزة الجمهور، وحصل فيلم "سيقان سالم"  على تقدير من قبل لجنة التحكيم.