«خلف أسوار الندم» قصة قصيرة للكاتب الهادي نصيرة | تونس

 الهادي نصيرة
 الهادي نصيرة

 التقت نظراتهما فجأة أمام مدخل الجامعة. لم يكن باستطاعة "بسمة"، يومئذ، مقاومة ابتسامة "ماهر" الجميلة، ووسامته الفائقة، وتعامله الراقي.. نظرة، فابتسامة، فانبهار، فعلاقة حب توطدت، وتعمقت، ثم ما لبثت أن انتهت بهما الى تحقيق حلمهما السعيد...

: سعيدة جدا بزواجنا يا "ماهر"، وسعادتي، في هذا اليوم، بحجم الكون!...

: وأخيرا، يا عزيزتي ...ها قد تأكد ما انتظرناه طويلا وصارت أمانينا حقيقة! “

تتقبل "بسمة" أولى التهاني من صديقتها المقربة "سوسن" التي عانقتها طويلا، وفي داخلها أمنية بأن ترى نفسها، أيضا، عروسا يغمرها الفرح، ويغبطها الحبور والانشراح. ولم لا؟ ف"سوسن" فتاة، جميلة، ذات قوام رشيق، وشعر طويل قاطم، وعينين جذابتين، ووجه مشرق إشراقة شمس الربيع الدافئة.

تتالى الأيام، وتستمر علاقة "بسمة" و"سوسن"، صافية، نقية، لا تشوبها شائبة. وتزداد أركان تلك العلاقة رسوخا، عندما تنتدب "سوسن" للعمل بالمؤسسة الصحية، حيث تعمل "بسمة" وزوجها "ماهر".    

تمر الايام، وتتغير بمرورها أوضاع وتتبدل أحوال. تجلس "بسمة"، ذات مساء، وحيدة في غرفتها، وقد بدت قلقة جدا، ويتزامن ذلك مع قدوم "سوسن" التي جاءت لزيارتها كالعادة. كان القلق قد أضفى على ملامح "بسمة" مسحة من الضيق والتوتر، وانتزع منها ابتسامتها، وأطفأ ذلك البريق الملتمع من نظراتها، الذي لم يكن ليفارقها أبدا.

تتساءل "سوسن"، فيقابل تساؤلها بصمت لم يدم طويلا، ثم تنبري "بسمة"، إثره، في التحدث لتكشف حقيقة ما شاب علاقتها بزوجها "ماهر" من فتور، في المدة الأخيرة. كانت "سوسن" تنصت لصديقتها باهتمام، غير أنها لم تتفاجأ كثيرا بما روته "بسمة"؛ إذ ما زال صدى كلمات "ماهر"، طوال الفترة الماضية، يشنف سمعها؛ إفصاحه عن حبه الآسر لها، عبارات الثناء المتدفقة، عبر الهاتف، صباح مساء، حتى بدا من الصعب عليها التصدي لإيقاف ذلك السيل الجارف

من بوح متواصل بالعشق والهيام.. تضاءلت قدرة "سوسن" على الصمود، وتشتتت أفكارها، وتضاربت في قلبها المشاعر، وتعمقت الحيرة، واضطرم في داخلها صراع عنيف، رمى بها بين كماشتي خيارين لا ثالث لهما : إما أن تحافظ على علاقتها المثالية بصديقتها "بسمة"، وإما أن تنساق وراء لحن الكلام المعسول، الذي بات لسان ماهر لا يتوقف عن عزفه لها كل يوم....

مضى وقت سارت فيه الحياة كما شاءت لها الظروف أن تسير، إلى أن جاء اليوم الذي لم تصدق فيه "بسمة" عينيها، وهي تشاهد على شاشة هاتف زوجها تفاصيل محادثة غرامية مصورة جمعته بصديقتها المقربة "سوسن".

 لم تكن مهيأة أبدا لاستيعاب ما حدث... صعقتها المفاجأة القاسية، لكن ذلك قادها، في النهاية، إلى إزاحة الستار عن الغموض الذي بات مخيما على حياتها الزوجية، وقد انطفأت فيها كل شموع السعادة والبهجة، وتغير مسارها الى منزلق النصب والخديعة ...

لامت نفسها كثيرًا، وأيقنت أنها خسرت كل تلك السنوات من عمرها من أجل اللاشيء، وأن لا أحد يستحق كل تلك التضحيات التي بذلتها، فما كان منها إلا أن وقفت تتجرع مرارة الغدر، تائهة، تنظر من خلف أسوار الندم ...