آخر صفحة

حامد عزالدين يكتب: أفلا يتدبرون القرآن؟

حامد عزالدين
حامد عزالدين

اعتباراً من الآية الثانية من سورة البقرة التى هى السورة الأولى فى الترتيب المصحفى بعد فاتحة الكتاب (ألم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)). وفجأة تجد نفسك تتساءل عن استخدام ذلك وهو اسم إشارة للبعيد، وليس هذا وهو اسم إشارة لما بين يديك.

وبناءً عليه فالحديث لا يمكن أن يكون متعلقًا بالمصحف الذى بين يديك، وإنما بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم فى بداية الوحي، وتحمله فؤاده الذى كان المولى سبحانه قد أعده ليكون قادرًا على استقبال ما نزل عليه (دفعة واحدة)، فى حضرة جبريل عليه السلام، قبل أن يقول له جبريل: اقرأ.. فيأتيه الرد: ما أنا بقارئ.. فيتلو عليه سورة العلق: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ». فما نزل على قلب محمد فى تلك الليلة كان هو الكتاب المقصود الذى وصف بـ«ذلك» أى اسم الإشارة للبعيد مثلما أقول لك: أتذكر ذلك الأمر الذى حدث منذ زمن بعيد. 

وهنا لا بد أن نتوقف لمعرفة معنى لفظة كتاب المرتبطة بالشمول وعدم الحاجة إلى إضافة جديدة، لأنها كانت حكاية الكون منذ خلق الكون ثم خلق آدم، ثم قصص الأنبياء من أول أبيهم آدم مروراً بإسماعيل وإسحاق ويعقوب وانتهاء بالمسيح عيسى بن مريم إلى ما قبل لحظة نزول ذلك الكتاب على صدر محمد صلى الله عليه وسلم. ولنفهم ذلك نقرأ فى سورة البقرة: (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً). فبالحق «أنزلناه» أى أرسلناه إليك عبر وسيط هو جبريل عليه السلام. أما «وبالحق نزل» فتعنى بأمر الله نزل مباشرة على صدرك. أما التنزيل فهو التدرج فى النزول «على مهل» وهو ما جرى على مدى سنوات الرسالة المحمدية أى على مدى 23 عاما فى الآيات المدنية أى التى نزلت فى المدينة المنورة بعد الهجرة النبوية.

وهكذا يمكن فهم لفظ «الكتاب» الذى أتاه الله سبحانه وتعالى موسى «أى كذلك كل ما جرى فى الكون إلى ما قبل إتيان موسى الكتاب. وهو يختلف عن الفرقان الذى يعنى تحديد الفارق بين الحلال والحرام فى الألواح المحفوظة. «وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(53)». أو الكتاب الذى علمه المولى سبحانه وتعالى للمسيح عيسى بن مريم قبل الإنجيل: «قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِى وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (48)» من سورة آل عمران. 

أما فى سورة النساء فالأمور تكون أكثر وضوحًا وإيضاحًا حيث يقول المولى سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِى نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا».

أرجو أن أكون قد وفقت فى إيضاح المعنى المقصود، وفى الأسبوع المقبل، نواصل، إن كان فى العمر بقية، شرح مفهوم لفظة القرآن ذاتها وعلاقتها بالكتاب الذى هو جزء من القرآن وليس كل القرآن الكريم.