«توفيت.. ولكن!» قصة قصيرة للكاتب علاء عبدالعظيم

الكاتب علاء عبد العظيم
الكاتب علاء عبد العظيم

تذهب سعاد إلى الكتاب في القرية كل يوم لتحفظ القرآن، شأنها شأن كل من هم في عمرها من الأطفال في القرية، انتشار الكتاتيب كان سببا في حفظ معظم الناس في القرية للقرآن الكريم، وهو ما جعل التعليم في الأزهر عليهم سهلا، فأصبح الطلاب من الكتاب إلى المعهد الأزهري إلى جامعة الأزهر، وقليل فقط من يتعلمون في التعليم العام.

 

عادت سعاد من الكتاب وفي قدمها احمرارا شديدا، هرعت بها سعدية أختها – التي تدرس الشريعة في جامعة الأزهر - إلى المستشفى للاشتباه في حالة تسمم نتيجة لدغة عقرب، حيث تنتشر العقارب في الطريق المؤدية للكتاب.

رن جرس المحمول بعد ساعتين، رد سعد – ابن الثمانية أعوام - بسرعة شديدة، استمع إلى سعدية وهي تقول: سعاد توفيت، ثم انقطع الاتصال، لم يحاول سعد إعادة الاتصال باخته مرة ثانية.

صرخ سعد وهرع إلى أمه، لم تتمالك الأسرة دموعها ولا أعصابها عندما استمعت لهذا النبأ الصاعق.. توفيت سعاد الطفلة الصغيرة الجميلة.. المرحة التي لايتجاوز عمرها ٥ سنوات.

 

صرخت أمها صرخة مدوية.. حين أخبرها سعد الخبر، ردد الحي كله صداها وسقطت على الأرض في إغماءة طويلة، وجرى سعد خارج البيت وهو يلهث حتى لحق بعمه الذي يعمل بإحدى الوزارات وقال له:

عمي.. سعاد توفيت

تجمد الدم في عروق العم وشعر بطنين في رأسه ويسأل سعد: ماذا حدث؟

 

فقال له: لقد اتصلت شقيقتي الطالبة بالأزهر والحافظة للقرآن الكريم، بنا وهي المرافقة لسعاد في المستشفى.. وقالت إن سعاد توفيت، ولم يلحق أن يستمع لها حيث نفذ رصيدها..  وأنهما ينتظران أن نرسل لهما من يتسلمها من المستشفى.

 

هرول العم مسرعا بعد أن طلب من سعد العودة إلى البيت. بينما توجه هو إلى الحانوت ليتفق معه على تسلم الجثة، والقيام بإجراءات الدفن التي فكر في أن تكون بسيطة وسريعة، وذهب إلى مقرئ واتفق معه أن يقرأ بعض آيات الذكر الحكيم في المقبرة، واتفق مع فراش على أن يضع بعض المقاعد الخيزران في فناء المقبرة تكفي لأفراد الأسرة القلائل الذين سيحضرون دفن سعاد.

 

ومضى العم في طريقه إلى الام الثكلى كي يواسيها في مصابها الأليم، فقد كانت سعاد مصدر التسلية والدعابة، وكانت البراءة الوحيدة والطهارة النقية التي يحس بها، ويلمسها في هذه الحياة المليئة بالمصالح والنفاق.

 

ويتنهد العم.. آه.. آه .. لقد ماتت الملاك.

 

وما إن وصل إلى البيت رأى عجبا العشرات من الجيران، واقفين في حسرة وألم يتبادلون العزاء، البقال، وبائع الجرائد، وبائع اللبن، وفي داخل البيت الجيران من النساء وقد التففن حول الأم، واللائي أقبلن عن عاطفة صادقة مخلصة، وقد هزهن النبأ الذي ترامى إليهن أول الأمر وعندما رددت أرجاء الحي صرخات الأم الفزعة اليائسة.

 

اشتد النحيب، وعلا البكاء وارتفع صراخ النساء ولا جدوى في إسكاتهن.

 

خيم الصمت فجأة للحظات عندما تردد على الأسماع صوت الزغاريد تنطلق من خارج البيت، أسرع العم كالمجنون يحاول معرفة هذه الوقاحة، فإذا به يفاجئ بابنة أخيه الأزهرية تمسك بيد سعاد الصغيرة، وقد التف حولها الناس وهي تنظر إليهم في دهشة وبراءة، وسذاجة تسألهم عما حدث!

 

خيل إلى العم أن هالة من النور تحيط بسعاد، وأنها قد هبطت من الجنة، ولم يصدق ويفيق إلا على صوت الشقيقة تقول: لماذا لم يأت إلينا أحد

يرد العم في ذهول: ألم تقولي لسعد أنها توفيت؟

الشقيقة تنظر لسعد: أنا قلت لك يا سعد أنها توفيت؟!

لقد أبلغت سعد أنها شفيت.. لا.. توفيت..!