شهر فلسطينى بامتياز جهود بين القاهرة ونيويورك لإعادة إحياء مبادرة السلام العربية

فى اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة بمشاركة أبوالغيط وشكرى والسفير حسام زكى
فى اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة بمشاركة أبوالغيط وشكرى والسفير حسام زكى

من حيث الزمن فقد لا يتعدى الأمر أسبوعين بين ما جرى من جهد عربى فى أعمال الدورة الـ ١٦٠ لوزراء خارجية الدول العربية التى عقدت فى السابع من هذا الشهر بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية فى القاهرة وبين جدول الأعمال المزدحم لدى نفس الوزراء على هامش مشاركتهم فى أعمال الدورة القادمة الـ ٨٧ للجمعية العامة للأمم المتحدة والتى بدأت أعمالها يوم الاثنين الماضى فى نيويورك مع رصد وجود رابط مشترك يجمعهما فى القاهرة يمكننا وصف الاجتماعات سواء على مستوى المندوبين او الوزراء بأنها كانت فلسطينية بامتياز وخلالها تم التوافق فى نفس الاجتماعات على محاولة استثمار هذا التجمع الضخم من كبار المسئولين من دول العالم المشاركين فى اجتماعات نيويورك فى تحقيق هدفين الأول الحصول على دعم دولى وإقليمى للقضية الفلسطينية بكافة أبعادها سياسيا واقتصاديا خاصة أنها تراوح مكانها والثانى إعادة الاعتبار إلى مبادرة السلام العربية والتى كانت فى الأصل مقترحا سعوديا التى مر عليها أكثر من عشرين عاما حيث تم إقرارها فى قمة بيروت العربية عام ٢٠٠٢ والتى تتضمن مقاربة كاملة تقول السلام الشامل وأساسه الانسحاب من الأراضى الفلسطينية المحتلة والقبول بحل الدولتين وقيام دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧ عاصمتها القدس مقابل تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل وهى بهذا الشكل تمثل إنهاء للصراع العربى الإسرائيلى ولعل الأمر يحتاج إلى مزيد من التفاصيل.


اهتمام استثنائى
فى القاهرة كشفت الاجتماعات عن اهتمام استثنائى بالقضية الفلسطينة وقد جسد ذلك ما جاء فى كلمة أحمد أبوالغيط الأمين العام للجامعة العربية فى افتتاح أعمال الدورة عندما أكد(أن القضية الفلسطينية تواجه تحدياتٍ خطيرة على رأسها المواقف التى تتبناها حكومة اليمين المتطرف فى إسرائيل، وقال إنها حكومة برنامجها يقوم على الاستيطان لا السلام وتسعى لضم الأراضى لا لحل الدولتين، وإنه جزء من المشكلة لا الحل، وهى تخلق كل يوم بسياساتها الاستفزازية، ما يُزيد الموقف فى الأراضى المحتلة اشتعالاً).
أما اللجنة الثانية فهى المكلفة بالتحرك لمواجهة السياسات والإجراءات الإسرائيلية غير القانونية فى مدينة القدس المحتلة اجتماعها السابع والتى تم تشكيلها فى مايو من العام قبل الماضى فى تصاعد العدوان الإسرائيلى على مدينة القدس المحتلة وأهلها بما فى ذلك المسجد الاقصى المبارك وحى الشيخ جراح.
وتضم اللجنة فى عضويتها السعودية بصفتها رئيس القمة العربية الحالية ومصر والجزائر وفلسطين قطر، المغرب، تونس، الإمارات، بصفتها العضو العربى فى مجلس الأمن، والأمين العام لجامعة الدول العربية.


وطالبت اللجنة الوزارية بالتحرك على المستوى القانونى ومساءلة سلطات الاحتلال الإسرائيلى ومحاسبتها على انتهاكاتها وجرائمها فى مدينة القدس.
كما طالبت بتكليف بعثات الجامعة وسفراء الدول الأعضاء فى اللجنة بالتحرك فى الدول والمنظمات المؤثرة حول العالم لتعرية ممارسات سلطات الاحتلال الإسرائيلى غير القانونية فى مدينة القدس، ولاتخاذ مواقف دولية رادعة تجاهها.


اجتماعات نيويورك
وفى نيويورك تم ترجمة ملامح التحرك العربى المكثف خلال الأيام الماضية باستثمار أعمال الدورة الحالية للأمم المتحدة الذى كشف عنه الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط فى تصريحاته فى المؤتمر الصحفى فى نهاية أعمال الوزراء العربى ردا على سؤالى وقال (هناك اجتماع على المستوى الوزارى لبحث تنفيذ وإحياء مبادرة السلام العربية، غدا الاثنين حيث تم الدعوة إليه من قبل الجامعة العربية والاتحاد الأوروبى ومصر والمملكة العربية السعودية والأردن) وكشف أبوالغيط عن وجود الكثير من المشاورات بشأن الترتيب لهذا الاجتماع فى خلال الفترة الماضية.
وانتقل الجهد إلى نيوريوك حيث تم عقد الاجتماع الذى دعت له السعودية، وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبى، بالتعاون مصر والأردن بهدف تنشيط جهود إحياء عملية السلام. على هامش الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، بحضور نحو خمسين وزيراً للخارجية من مختلف أنحاء العالم وذلك للتوافق حول بـ»حزمة لدعم عملية السلام»، لتعظيم مكاسبه للطرفين حال التوصل إلى اتفاق للسلام عبر إطلاق برامج ومساهمات تفصيلية مشروطة بتحقيق اتفاق الوضع النهائى، وبما يدعم السلام، ويضمن أن تجنى كافة شعوب المنطقة ثمار تحقيقه.
إنهاء الجمود
وتنبع أهمية هذا التحرك من عدد من الأسباب والعوامل وهى كالتالى:
أولا: كل الشواهد تقول -كما أشار أبوالغيط- إن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين مازال بعيد المنال، فبعد عقود من إطلاق عملية السلام فى مدريد عام ١٩٩١ لا يوجد أفق حقيقى للوصول لحل الدولتين، حيث لم تُحترم الاتفاقيات الموقعة، بما فى ذلك اتفاقيات أوسلو، بشكل كامل. فلا يزال الاحتلال قائماً، بل ويصحبه عدد من التعقيدات والصعوبات التى تدفع الطرفين إلى الابتعاد عن تحقيق أى اتفاق محتمل. لقد ثبُت أن الوضع القائم لا يمكن استمراره أو القبول به.
ثانيا: بعد مرور ٢٠ عاما على طرح مبادرة السلام العربية فحقيقة الأمر أنها لم تحظ باهتمام من الجانب الإسرائيلى فى ظل الحاجة إلى التفاصيل حول بنود مقاربة السلام مقابل التطبيع، من ذلك الاستحقاقات المتبادلة من الطرفين العربى والإسرائيلى وحاجة تل ابيب لمزيد من الحوافز فيما يتعلق بالتطبيع ودورها فى المنطقة والعجيب فى الأمر أن هذا الجمود لا يتناسب مع الزخم والتأييد الذى حظيت به المبادرة حيث أقرتها منظمة التعاون الإسلامى ورحب بها كل من الاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة. تعتمد جهود يوم السلام أيضاً على مبادرة الاتحاد الأوروبى لعام ٢٠١٣ بتقديم «حزمة غير مسبوقة من الدعم السياسى، والأمنى والاقتصادى» لكلا الطرفين فى سياق اتفاق الوضع النهائى.
ثالثا: أن الولايات المتحدة لم تقدم شيئا خلال الفترة الماضية سواء فى حكم الجمهورى ترامب أو الديمقراطى بايدن حتى وعوده على صعيد القضية الفلسطينية لم يتم تنفيذ أى من بنودها.
رابعا: جاءت اتفاقيات ابرهام لتقلب المعادلة ونصوص المبادرة العربية حيث تم تطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض العواصم العربية إلا أنها لم تثمر شيئا على صعيد قبول إسرائيل بأى خطوات باتجاه عودة المباحثات مع الفلسطينيين واستمرارها فى نفس سياساتها التوسعية وإقامة المستوطنات والتهويد.. وهكذا فقد أكد الاجتماع الحاجة الملحة إلى إعادة إحياء عملية السلام للوصول إلى حل الدولتين، وفقاً للقانون الدولى، وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية لعام ٢٠٠٢ ومبادرة الاتحاد الأوروبى لدعم السلام لعام ٢٠١٣.
خطة عمل
ومن الأشياء المهمة التى يمكن رصدها على اجتماع نيويورك الاستثنائى أنه تعامل بواقعية شديدة مع حقيقة صعوبة التحرك باتجاه إحياء مبادرة السلام عبر خطوات محددة وهى كالتالى:
١- ضرورة التركيز فى المرحلة القادمة على فكرة تشجيع الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى على التوصل إلى اتفاق سلام وفق المعايير المعترف بها دولياً، حيث سيتم التفاوض على هذه التفاصيل بين الطرفين.
٢- إطلاق مجموعات عمل مكلفة بوضع عناصر «الحزمة الشاملة لدعم السلام»، كما وجهت الدعوة لجميع المشاركين للمساهمة فى مجموعات العمل مع تحديد العناصر الجوهرية لـ «حزمة دعم السلام»، وستعقد اجتماعات هذه المجموعات على مستوى المبعوثين أو السفراء، وتستعين بإسهامات خبراء متخصصين. وسيتم تنسيق عملها عبر رئاسة مشتركة من القائمين على المبادرة.
٣- عقد اجتماعات لتقييم التقدم المحرز كل ثلاثة أشهر، كما سيتم إجراء التقييم الأول فى ديسمبر القادم. ويتمثل الهدف الرئيس لمجموعات العمل فى الانتهاء من صياغة «حزمة دعم السلام» لتقديمها بحلول سبتمبر من العام الماضى. سيقوم المساهمون فى جهود يوم السلام بتقييم انتهاء مجموعات العمل من مهامها أو الحاجة للمواصلة. ولقد اتفق القائمون على المؤتمر على آليات للتشاور مع الفلسطينيين والإسرائيليين كل على حدة.
دعم اقتصادى للسلطة
لم يقتصر الأمر عند هذا الحد فهناك العديد من القواسم المشتركة بين اجتماعات القاهرة ونيويورك فعلى هامش أعمال المجلس الوزارى العربى أصبحت مشاركة المفوض العام لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين اونروا فيليب لازينى وإلقاؤه كلمة أمام الوزراء أمرا متكررا فى كل دورة وقد اجتمع الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط مع المفوض العام وبحث فى العقبات التى تواجه عمل اللجنة وقدرتها على تقديمها الدعم والمساعدة للفلسطينيين فى ضوء الفجوة التمويلية فى موازنة الوكالة والتى تبلغ ٧٠ مليون دولار.
وفى نيويورك هناك جهد عربى كبير مطلوب فى الأمم المتحدة لإنجاح مؤتمر المانحين الذى تحضره حوالى ٤٦ دولة وتعول عليه الحكومة الفلسطينية كثيرا حيث تم الاتفاق على أن يرأس الوفد الفلسطينى رئيس الوزراء محمد أشتيه وقد أعددت له الحكومة بشكلٍ جيد من خلال الإعداد لثلاثة ملفات تتعلق بحجم المعاناة الاقتصادية التى تعانى منها السلطة قد تكون هى الأصعب منذ قيامها فى عام ١٩٩٣ ووصل الأمر إلى أن السلطة تدفع رواتب موظفيها فى القطاع المدنى والعسكرى منقوصة منذ أشهر طويلة وكذلك نتيجة الاستقطاعات الإسرائيلية من أموال الجمارك والضرائب التى يتم تحصيلها لصالح السلطة وتحجبها تل ابيب ويقدرها وزير المالية الفلسطينى شكرى بشارة بأنها تبلغ ٨٠٠ مليون دولار منذ عام ٢٠١٩ فى ضوء التقرير الذى سيتقدم به صندوق النقد الدولى عن حالة الاقتصاد الفلسطينى فى ظل استمرار الأزمة المالية الناتجة على عائدات الضرائب التى تستقطعها إسرائيل كما تم إعداد ملف يتعلق بخطة الإصلاح المالية التى وضعتها الحكومة ومن بين بنودها تقليص فاتورة الرواتب كما ستقدم الحكومة رؤيتها إلى حجم احتياجاتها من الدعم المالى لتحسين الوضع الاقتصادى فى أراضى السلطة الوطنية الفلسطينية.


وهكذا فإننا نستطيع القول بأن شهر سبتمبر قد شهد العديد من الاجتماعات الماراثونية والتى نتمنى أن تثمر فى نهاية الأمر عن تحريك عملية السلام وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.