هل تقترب أمريكا وإيران من تفاهمات نووية بعد تبادل السجناء؟

العلمان الأمريكى والإيرانى
العلمان الأمريكى والإيرانى

تريد قطر الاستفادة من اتفاق تبادل السجناء بين أمريكا وإيران الذى تم بوساطتها للعب دور أساسى فى مهمة أكبر. حيث تسعى الدوحة لإيجاد أرضية مشتركة تتعلق بقضية أكثر صعوبة بين الخصمين اللدودين وهى البرنامج النووى الإيراني.


جاء الاتفاق بعد أشهر من الاتصالات الدبلوماسية والمحادثات السرية والمناورات القانونية، حيث كانت قطر فى قلب المفاوضات، حسبما قالت مصادر ومسؤولون مطلعون على المناقشات لرويترز. استضافت الدوحة ما لا يقل عن ثمانى جولات من الاجتماعات السرية غير المباشرة بين طهران وواشنطن منذ مارس 2022. وخصصت الجولات السابقة بشكل رئيسى للنزاع النووى بين طهران وواشنطن، ولكن مع مرور الوقت تحول التركيز إلى السجناء حيث أدرك المفاوضون أن المحادثات النووية لن تؤدى إلى أى شيء بسبب تعقيدها. جاءت أول لمحة علنية عن الصفقة فى 10 أغسطس عندما سمحت إيران لأربعة مواطنين أمريكيين محتجزين بالانتقال إلى الإقامة الجبرية من سجن إيفين فى طهران. وكان خامس محتجزا بالفعل فى المنزل. وبعد شهر، تنازلت واشنطن عن العقوبات للسماح بتحويل أموال إيران إلى البنوك فى قطر، والتى سيكون لها دور مراقب لضمان إنفاق إيران  الأموال على السلع غير الخاضعة للعقوبات.


يرى محللين أمريكين إن اتفاق تبادل السجناء لن يغير علاقة العداء بين واشنطن وطهران. لطالما كان العداء للولايات المتحدة نقطة تجمع للمؤسسة الدينية الإيرانية، على الرغم من العزلة السياسية والصعوبات الاقتصادية المرتبطة بالعقوبات منذ أن قطعت واشنطن علاقاتها مع طهران بعد فترة وجيزة من الثورة الإسلامية عام 1979. ويرى مطلعون إيرانيون إن الزعيم الأعلى آية الله على خامنئى قد يتسامح مع ذوبان الجليد المحدود مع «الشيطان الأكبر» وسط غضب شعبى متزايد من التحديات الاقتصادية الشديدة ، لكن تطبيع العلاقات مع واشنطن سيعنى تجاوز الخط الأحمر للثورة الإسلامية. وأضافوا أن القيادة الدينية تخشى أن يؤدى تطبيع العلاقات مع واشنطن إلى إضعاف شرعية الجمهورية الإسلامية ونفوذها فى المنطقة فضلا عن الإضرار بسلطة خامنئى محليا.


وما زال التوصل إلى اتفاق نووى مع إيران احتمالا بعيد المنال، بعد خمس سنوات من انسحاب الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب من اتفاق خفف العقوبات المفروضة على طهران مقابل الحد من أنشطتها النووية. وستزيد الانتخابات الأمريكية عام 2024 من قتامة هذه التوقعات. فالرئيس الأمريكى جو بايدن يواجه بالفعل انتقادات من الجمهوريين بسبب إفراجه عن أصول إيران بقيمة ستة مليارات دولار فى اتفاق تبادل السجناء، غير أن قطر، التى لها طموحات دبلوماسية كبيرة، تضغط على الجانبين للمشاركة فى محادثات أخرى والتوصل إلى «تفاهمات». بحسب ثلاثة مصادر إقليمية مطلعة على المناقشات التى أجرتها الدوحة بشكل منفصل مع الجانبين، تهدف تلك التفاهمات إلى إبطاء تخصيب اليورانيوم فى طهران مع زيادة المراقبة الدولية والحد من أنشطة الميليشيات الموالية لإيران فى المنطقة ووقف تصدير إيران لطائرات مسيرة، كل ذلك مقابل بعض الإعفاءات من العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيرانية.


قال مسؤولون غربيون وإيرانيون إن فكرة التفاهمات لمنع التصعيد بدلا من الاتفاق النووى الذى يتطلب مراجعة الكونجرس الأمريكى طُرحت فى السابق. ولم يعترف المسؤولون الأمريكيون قط باتباع مثل هذا النهج.
وقال مصدران إيرانيان مطلعان إن اجتماعات غير مباشرة ستعقد بين مسؤولين أمريكيين وإيرانيين فى نيويورك قد تمهد الطريق لإجراء محادثات بشأن «تفاهم» نووي. وأضافا أن إيران لم تغلق الباب أبدا أمام الدبلوماسية النووية.
وقال مصدر إيرانى آخر مطلع على المناقشات التى جرت حتى الآن مع قطر «مع أخذ الانتخابات الأمريكية المقبلة فى الحسبان، من الممكن التوصل إلى تفاهم يتضمن إصدار إعفاءات بقطاعى البنوك والنفط تسمح لإيران بتصدير نفطها بحرية واستعادة أموالها عبر النظام المصرفي».
تعد مناقشة أى تعامل مع إيران أمرا حساسا فى الولايات المتحدة، إذ ما زال اقتحام السفارة الأمريكية فى طهران عام 1979، عندما احتُجز 52 أمريكيا رهائن لمدة 444 يوما، يلقى بظلال على علاقات واشنطن مع طهران.
وقالت المصادر الثلاثة بالمنطقة إن المسؤولين الإيرانيين أظهروا خلال المحادثات علامات على استعدادهم لتقديم تنازلات فى حالة تخفيف العقوبات الأمريكية التى أصابت اقتصاد بلدهم بالشلل.
وأضافت المصادر الثلاثة أن طهران التزمت بالفعل بخفض تخصيب اليورانيوم إلى 60 بالمئة، أى أقل من النسبة اللازمة لصنع سلاح نووى وهى 90 بالمئة تقريبا، وأبدت استعدادها لاستئناف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة والتى تراقب أنشطتها النووية.
وقال دبلوماسيون فى المنطقة إن هناك مؤشرا إيجابيا آخر هو عدم شن وكلاء إيران هجمات كبيرة على مصالح الولايات المتحدة أو مصالح حلفائها فى المنطقة فى الأشهر القليلة الماضية.


ولكن، قد يتوقف الكثير على الانتخابات الأمريكية التى تجرى فى العام المقبل عندما يتنافس الرئيس الديمقراطى بايدن مجددا مع ترامب، الذى يتصدر حاليا السباق لنيل ترشيح الحزب الجمهوري.


ومع ذلك لا يزال الغرب قلقا حيال أنشطة طهران النووية. وقال خبراء إن اتفاق عام 2015، الذى وصفه ترامب بأنه «أسوأ اتفاق على الإطلاق»، أوقف برنامج إيران النووى ما يكفى لإبعادها عاما أو نحو ذلك عن التكنولوجيا اللازمة لصنع قنبلة نووية.