أتوموبيل الفن

مدحت عبدالدايم يكتب: رالي أحمد رمزي وأيامه الحلوة

مدحت عبدالدايم
مدحت عبدالدايم

■ بقلم: مدحت عبدالدايم

"ست زنوبة .. والنبى تتبتيلى على الزرار ده" كانت هذه الكلمات أول ما نطق به لسان الفنان أحمد رمزى حين دارت كاميرا التصوير لتسجل وقائع المشهد الأول فى حياته السينمائية، خلال فيلم "أيامنا الحلوة" الذى تم تصويره فى الربع الأخير من عام 1954 وعرض للمرة الأولى بسينما ديانا فى السابع من مارس 1955، وعلى الرغم من البروفات العديدة التى سبقت ذلك المشهد الذى يجمعه بالفنانة زينات صدقي، إلا أنه لاحظ عدم التزامها بالنص المكتوب، ما جعله يتهيب التمثيل أمامها ويخشى ردود أفعالها المباغتة، وحين توقف التصوير انفردت به وراحت تشرح له مضمون المشهد، وطلبت منه مجاراتها فيما تقوله، وأن يستثمر عفويتها فى التمثيل ليبدو ممثلًا عفويًا، لا يتكلف فى أدائه، وهو ما فطن إليه سريعًا، وحين دارت الكاميرا لإعادة المشهد وقف أمامها مجددًا قائلًا: "ست زنوبة .. والنبى تتبتيلى على الزرار ده" لكنه يفاجأ بها تقول بعفوية مطلقة: "هات، طول النهار هرية ونَكتة" فأخذته نوبة ضحك، سرعان ما تغلب عليها ليجاريها بأداء عفوى بسيط نال استحسان طاقم العمل والمخرج حلمي حليم الذى رآه بإحدى صالات البلياردو رفقة الفنان عمر الشريف الذى امتدح موهبته التمثيلية، فاختاره بدلًا من الفنان يوسف فخر الدين لأداء ذلك الدور، وليمنحه اسمًا فنيًا هو أحمد رمزي، و40 جنيهًا أجرًا عن ذلك الفيلم الذى لاقى نجاحًا كبيرًا، ويعد واحدًا من أهم مئة فيلم فى تاريخ السينما المصرية .

اسمه رمزى محمود بيومى مسعود، ولد بالقاهرة فى 23 مارس عام 1930، لعائلة من أعرق عائلات "نجد" استوطنت القاهرة، ونظرًا لثراء جده أرسل والده إلى انجلترا لدراسة الطب عام 1901، ليكون أول مصرى يُدخل جراحة العظام ويجعلها علمًا يدرس فى جامعة القاهرة، وأول أستاذ شغل كرسى هذا العلم، وعلى الرغم من تخرجه بقى فى إنجلترا لسنوات طويلة تزوج خلالها "هيلين مكاي" اسكتلندية الأصل، وبعد عودته إلى مصر ضارب فى البورصة، وبلغت ثروته 250 ألف جنيه، وحين هبطت الأسهم أعلن إفلاسه، وتوفى بالسكتة القلبية عام 1939، فيما عملت زوجته بالإشراف على طالبات كلية الطب لتنفق على ولديها، حسن الابن الأكبر الذى خلف والده بنفس التخصص، ورمزى الذى انخرط فى دراسة الطب لثلاثة أعوام، قبل أن يلتحق بكلية التجارة، ويعرف طريقه إلى الفن، حين وقف على مسرح كلية فيكتوريا كوليدج، ليلعب دور الخادمة "لوكا" فى مسرحية "الأسلحة والرجل" لبرنارد شو، حيث تنبأ له مخرج العرض الإنجليزى الأصل بمستقبل واعد، ونظرًا لحبه للفن عمل مساعدًا ثالثًا بفيلم "شيطان فى الصحراء" بطولة عمر الشريف، ليتاح له الإطلاع على كواليس العمل السينمائى قبل ممارسته. 

انهالت العروض السينمائية على أحمد رمزى بعد نجاح فيلمه الأول، الذى كان سببًا فى ارتباطه بصداقة عميقة مع عبد الحليم حافظ فضلًا عن صديقى طفولته عمر الشريف والمايسترو صالح سليم الذى شاركه لعب كرة القدم قبل أن يمارس لعب كرة الماء ويصبح أحد نجومها، وشارك فى عام 1955 بفيلم "حب ودموع" أمام فاتن حمامة، وفيلم "دموع فى الليل" أمام المطربة صباح، ويروى أن محمود المليجى سمعه يردد مقطعًا لم يكتب بعناية، فنصحه بعدم حفظه، ثم أعاد صياغته بنفسه، وعرضه على المخرج، ليقر الصياغة الجديدة، يقول أحمد رمزي: "كنت أنظر فى عينى المليجي، فألتقط إحساسى من إحساسه العالي، فهو ممثل لا يمكن تكراره"، أما فيلم "أيام وليالي" فجمعه بالعندليب مجددًا، بعد سطوع نجم حليم بسرعة البرق، ولكنه قبل تصوير الفيلم لمح سيارة "رالي" مكشوفة موديل 1954 وجن جنونه بها فسارع إلى المخرج هنرى بركات وطلب أجره مقدمًا، لشراء السيارة وكان ثمنها 400 جنيه وهو نفس أجره بالفيلم، ووقع له شيكًا بالمبلغ كاملًا، ولفرط فرحته بتلك السيارة كان يسافر بها يوميًا من القاهرة إلى الإسكندرية ليجمع بين تصوير فيلمى "أيام وليالي" بالقاهرة، و"صراع فى المينا" بالإسكندرية، ويروى أنه حين نفدت نقوده لم يجد سوى عبد الحليم ليقترض منه 80 جنيهًا، ولأنه لا فرق بينه وبين صديقه لم يكلف نفسه عناء رد ذلك المبلغ.

لقب رمزى بالولد الشقى ودنجوان السينما العربية وبلغت أعماله نحو 110 فيلمًا، أشهرها فى حقبة الخمسينات: "ودعت حبك، صوت من الماضي، القلب له أحكام، بنات اليوم، أين عمري، إسماعيل يس فى الأسطول، الوسادة الخالية، تمر حنة، ابن حميدو، علمونى الحب، الأخ الكبير، غريبة، حب إلى الأبد" وفى حقبة الستينات: " السبع بنات، لا تطفيء الشمس، لن أعترف، عائلة زيزي، النظارة السوداء، الخروج من الجنة، شباب مجنون جدًا، حكاية العمر كله، هى والشياطين" وفى حقبة السبعينات: " ثرثرة فوق النيل، أضواء المدينة، البحث عن فضيحة، الأبطال، الأحضان الدافئة، الحب تحت المطر"، فيما قرر اعتزال التمثيل فى منتصف السبعينات وعاد لاحقًا بفضل فاتن حمامة من خلال سباعية "حكاية وراء كل باب"، ثم اختفى طويلًا ليظهر بفيلمى "قط الصحراء، الوردة الحمراء" ومسلسل "وجه القمر".

فضل أحمد رمزى العيش فى منطقة سيدى عبد الرحمن بالساحل الشمالي، حيث الهدوء والطبيعة الساحرة، والجو الأسرى الحميم، ومن أشهر أقواله: " أنا إنسان قدري، اترك كل شيء على الله، ومقولة محمد عبد الوهاب بأن "الأشياء العظيمة الكبيرة سقطت فى النيل ولم يطفُ منها غير الفقاعات" من أجمل ما سمعت فى حياتي، وأحب أدوارى إلى نفسى دورى فى فيلم "ثرثرة فوق النيل"، ولا أحب ركوب الطائرات، ولا الأماكن المغلقة، ولم ألبس خواتم ولا أحجار كريمة ولا أهوى الذهب، ولا أتردد فى الاعتذار حين الخطأ، ولا أطيق رباط العنق وأرتدى ملابسى بعفوية ولا أعترف بالموضة، فقط أهتم بتنسيق الألوان، وأحب الملابس القديمة، وأجيد الطبخ، وخاصة اللحوم والخضار المسلوق، والفيليه هوايتى ومتعتي، ومن أساسيات حرية الرجل إجادة الطبخ حتى لا يعيش ذليلًا لامرأة، وعادة ما أصحو مع الفجر وأرى شروق الشمس، وأستمع للأخبار، وأقرأ، وأستمع للمزيكا، ويرى رمزى أن الرومانسية اختفت من حياتنا واختفى الخيال، وأن الإيرادات ليست مقياسًا لنجاح الأفلام، ويشهد بأن عبد الحليم كان رفيقه فى غرفة واحدة أثناء تصوير "أيامنا الحلوة" ويؤكد: "رأيته ينزف، وحكاية إدعائه المرض كانت سخيفة، وحكاية زواجه بسعاد حسنى غير حقيقية، و"يا قلبى خبي" أحب أغنياته إلى قلبي، ويعتز بصداقته القوية مع رشدى أباظة وعادل أدهم، يبقى أن وفاة رمزى جاءت على إثر جلطة دماغية بعد سقوطه أثناء توجهه للوضوء لصلاة عصر الجمعة 28 سبتمبر 2012.