أوراق شخصية

آمال عثمان تكتب: انسحاب حضرة المحترم

آمال عثمان
آمال عثمان

تناولتُ فى مقالى السابق حالة التدهور السلوكى والانهيار الأخلاقى فى المجتمع، وأشرتُ للتجاوزات والمخالفات، والعشوائية والغوغائية، التى باتت تضرب الشارع المصري، وفوضى المرور وعدم احترام القانون، الذى أضحى أمراً لا يمكن تجاهله أو الصمت حياله، فما تعانيه الشخصية المصرية منذ سنوات من تصدع وعطب وتشوهات، وخلط والتباس ما بين الحرية والفوضى، والإهمال والتسيب، وعدم إدراك الحدود الفاصلة بين التحرر والتحضر، والبذاءة والصفاقة، والتجاهل المتعمد للقانون، كفيل بأن يهدم أعتى وأكبر الأمم.

ولا أغالى إذا قلتُ إن المواطن يخوض معركة يومية حامية الوطيس، لكى يصل إلى مقر عمله، ويصارع وسط حالة الفوضى المرورية لكى يقضى أمور حياته الضرورية، سيارات وميكروباصات لا تحترم إشارات أو علامات مرورية، وغيرها تسير بأقصى سرعة عكس الطريق جهاراً نهاراً دون خوف أو حياء، وأخرى تقف صفوفاً ثانية وثالثة ورابعة وتسد الطريق، ضاربة بقوانين المرور عرض الحائط، وشاحنات عملاقة تقف بعرض الطريق لتنزيل بضائعها للمحلات، دون أدنى شعور بالأسف أو الخشية من تعطيل المرور، أما الموتوسيكلات فحدث ولا حرج!! ومن يرتكبون ذلك يدافعون دفاعاً مريراً عن الخطأ المتعمد تحت مقولات حمقاء مثل: «إيه يعنى وهى جت عليَّ؟».. «وإيه المشكلة أنتى فاكرة نفسك فين؟ إنتى فى مصر»، ناهيك عن المارة الذين يتقاسمون مع السيارات الشوارع، ولا يحترمون إشارة أو خطوط مشاة، والانتحاريون الذين يحلو لهم العبور من وسط الميادين، وعند منازل ومطالع الكباري!!

إن العشوائية صارت أسلوب حياة، وأعداد المصابين بالاكتئاب والغربة داخل المجتمع باتوا فى تزايد مستمر، لأنهم غير قادرين على الاندماج والتعايش والتأقلم مع تلك الأوضاع الحالية فى الشارع المصري، أولئك الذين آثروا الانسحاب والانزواء والتقوقع، حفاظاً على ما تبقى من كرامتهم فى غياب الأخلاق والقيم والسلوك والانضباط، وتشبثوا بأهداب حافة الانهيار والإحباط التى وصلوا إليها وسط حالة الغوغائية، وانسحاب حضرة المحترم المدعو القانون!!

يا سادة إن الأمن الأخلاقى والسلوكى فى المجتمع، هو قضية أمن قومي، لا تنعكس آثارها السلبية وعواقبها ومخاطرها على العلاقات الاجتماعية والتأثيرات النفسية فحسب، وإنما هى كارثة حقيقية تنعكس على مختلف مناحى الحياة فى مصرنا المحروسة، لذا نحن بحاجة إلى ثورة على الشخصية المصرية.