قضية ورأى

«حوكمة» الذكاء اﻵلى

د. أحمد عفيفى
د. أحمد عفيفى

اﻷسئلة تتكاثر واﻷحاديث تتابع عن»الذكاء اﻻصطناعي». إنهم يكتبون..يحللون..يتوقعون..يرتعدون..ويخشون مما صنعت أيادى البشر وابتكرت وأهدت العالم هذا»الذكاء المرعب»الذى لم يتصور أحد ما وصل إليه من «نبوغ» جعله منافساً شرساً سيتجاوز حتماً»الذكاء البشري»ويضع الحضارة والمدنية على كافة الأصعدة فى مأزق»فرانكشتيني»لن تتم مواجهته إﻻ بحشد الجهود من أطراف الدنيا إلى أطرافها لمنع تداعيات ذلك»الذكاء المصطنع» فى مختلف المجالات.
العالم عن بكرة أبيه يفكر في»عصر ما بعد الذكاء اﻻصطناعي»..الخوف يملأ القلوب والوهم يسيطر على العقول. وفى الحقيقة، أن هذه الموجة الحادة من»القلق»ﻻ تدخل فى حيز المنطق، حيث إن»سر الصنعة فى عيوبها»انطلاقاً من قوله تعالى:»صنع الله الذى أتقن كل شئ»..

وأيضا:»وهذا من صنع الله الذى أحسن كل شئ خلقه وأتقنه». فالله وحده هو المالك اﻷعظم»لقدرة اﻻتقان واكتمال الصنعة».وكل ما يصنعه الإنسان»متقن إﻻ قليلاً»أو به» عيب ما»أو»نقص معين»مما يسمح باستمرار اﻻكتشاف والتغيير والتحسين والتطوير على مدار مراحل الحضارات المتعاقبة انعكاساً»للكبد»الذى خُلق «الإنسان» فيه. إن الكمال لله وحده»الذى أحسن كل شئ خلقه ثم هدى».

ومن دواعى الدهشة، أن يكون لكل من مصطلح «الذكاء اﻻصطناعى –Artificial Intelligence «و»التلقيح الصناعي-»Artificial Insemination ذات اﻻختصار وهو»Al». وليس هذا مصادفةً ، «فالتلقيح الصناعي»يفضى دائماً إلى إخصاب كثيف وزيادة فرص الحمل وإنتاج عدد ﻻ بأس به من»التوائم». والمعنى يتجلى وضوحه، حيث إن التدخل القسرى المتعمد وباستهداف مقصود يحقق نتائج فوق التوقع وأكثر من المتصور.

وهو نفس مسار»الذكاء اﻻصطناعي»، فإن حشده بالمعلومات اللانهائية والخبرات المتنوعة على قاعدة»تعلم اﻵلة»يؤدى إلى حصيلة خارج السيطرة لقدرته الفائقة على»التعلم الذاتي»غير القابلة للتنبؤ بمآﻻتها. ومازالت المقارنة  قائمة بين المصطلحين (AI اﻷول وAI الثاني).لقد عالج «الثاني» مشاكل عسيرة وصعوبات حادة بنجاحات مشهودة. أما «اﻷول» فقد أثبت أيضاً أنه اﻷكثر فطنة واﻷوسع دهاء واﻷعمق تأثيراً مستحوذاً على جدارة الفوز والتغلب على ذلك»الذكاء الطبيعي»الذى يهتز عرشه بشدة ويتخوف الجميع من لحظة أن يتوارى أو يختفي.

إن «الذكاء اﻵلي» الذى يتغول على البشر معلناً بأعلى صوت:»أنا اﻷذكى ..هل من مبارز؟» يفتقد «الحوكمة»وتغيب عنه اﻷطر القانونية والقواعد اﻷخلاقية التى تحدد إلى أى مدى يمكن للخبراء والمتخصصين أن يقوموا بتغذية تلك التقنيات المستحدثة «بالبيانات»المتعددة التى من شأنها أن ترفع مستويات «تعلم اﻵلة» إلى أقصاها وجعلها تتفاعل مع نفسها وتخلق ذاتيا قدرات غير «محكومة»وتصل إلى إنجازات غير»منظورة».

تستطيع مصر  بقدرها واقتدارها وبما لديها من مقومات حضارية ومكانة تاريخية تضرب بالجذور عبر العصور أن تلعب دورها الريادى عربياً وإفريقياً وإقليمياً فى هذا المضمار. إنها قادرة على أن تتصدر المشهد فى «حوكمة» التحديات اﻷخلاقية التى تفرضها تقنيات»الذكاء اﻻصطناعي». وتنسج باستراتيجية شاملة «وثيقة إطارية أخلاقية» تنظم استخدام وتطوير تلك»التطبيقات»حفاظاً على الحريات الشخصية وتدعيماً لحقوق اﻹنسان وحمايةً للابتكار والإبداع وتحملاً للمسؤولية اﻷخلاقية وتحقيقاً للشفافية والمساءلة والمحاسبة.