أفعال لا مجرد أقوال.. ودور معتاد يعكس قوتها بمحيطها الإقليمي

مصر تطبق مبدأ «مسافة السكة» في ليبيا والمغـرب

الرئيس عبدالفتاح السيسي
الرئيس عبدالفتاح السيسي

■ كتب: أحمد جمال

ضربت الجهود المصرية للتخفيف من حدة آثار إعصار «دانيال» الذى ضرب ليبيا وكذلك زلزال المغرب خلال الأسبوع الماضي، أمثلة عديدة على سرعة الاستجابة الإنسانية التى لاقت ترحيبًا واسعًا من الأشقاء، وهو ما يعكس حجم الدولة المصرية وريادتها فى منطقة تعج بالأزمات السياسية والاقتصادية وتعانى مؤخرًا تبعات كوارث طبيعية تفاقم صعوبة الأوضاع الإنسانية والتى تحتاج لجهود دولية فاعلة للتعامل معها.

◄ استقبال الليبيين يعكس حجم الارتباط الذى يحظى به الجيش المصري

◄ إكرام بدر الدين: النزعة الإنسانية تنعكس إيجابا على دور مصر الخارجي

وكشفت التوجيهات السريعة للرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الجهات المعنية بإرسال المساعدات والفرق الإغاثية إلى كل من ليبيا والمغرب، تطبيقًا حقيقيًا وواقعيا لمصطلح «مسافة السكة» الذى طالما استخدمه الرئيس فى التعبير عن سرعة التحرك المصري فى حال تعرض الأمن القومى العربى لأخطار داهمة، وبرهن على أن مصر لا تتردد فى أن تكون حاضرة وبأقصى سرعة إذا ارتبط الأمر بالجوانب الإنسانية التى تضمن التخفيف من حدة الكوارث والأزمات دون أن يكون لديها أى مآرب سياسية أخرى.

◄ رسالة صادقة
ويُكمل الدور المصري الحالى لمواجهة الزلازل والأعاصير منظومة متكاملة تتحرك فيها القاهرة لتقديم يد العون والمساعدة، إذ إن الدول الأفريقية لا تنسى الدور الذى قامت به فى أثناء فترة انتشار فيروس كورونا، وكذلك الوضع بالنسبة لحادث الزلزال الذى أصاب كلاً من تركيا وسوريا قبل عدة أشهر، وكان حضور القاهرة الفاعل إنسانيًا عاملاً مهمًا فى تذليل مسافات التباعد مع تركيا وتعزيز الشراكة والتقارب مع سوريا.

وتحرص مصر على أن يكون تدخلها داعمًا لأمن واستقرار دول الجوار وغيرها من دول المنطقة، وهو ما يجعل جهودها الإنسانية والسياسية تحظى بقبول وترحيب واسعين، كما أن إعلان الحداد العام وإشراف الرئيس بنفسه على كافة استعدادات إرسال المساعدات للدول الشقيقة، يمنح رسائل صادقة على أن مصر لن تتوانى فى تقديم كل ما يلزم للتخفيف من حدة آثار الكارثة، وهو ما تكون لديه انعكاساته الإيجابية على العلاقات السياسية والشعبية مع الدول التى تعانى خسائر يمكن وصفها بالمدمرة.

◄ هتافات الأشقاء
وتعكس اللقطات التي أظهرتها عدسات وسائل الإعلام المختلفة أثناء استقبال الأشقاء الليبيين للقوات المسلحة المصرية التى وصلت إلى مدينة درنة الليبية بعد ساعات من الإعصار، حجم الارتباط الذى تحظى به قواتنا المسلحة مع جميع الشعوب العربية والتى تنظر إلى الجيش المصرى باعتباره ركيزة حقيقية لأمن واستقرار المنطقة بأكملها، وهو ما يجعل المساعدات المصرية تحمل أوجه عديدة وتبعث بإشارات مختلفة على أن قوة الدولة وأجهزتها قادرة على صد كثير من المؤامرات التى تتعرض لها للمنطقة.

واصطف عشرات المواطنين الليبيين فى درنة على جانبى الطريق للترحيب بالفرق الهندسية والفنية المصرية التى ستشارك  فى عملية انتشال جثامين ضحايا الإعصار وإنقاذ المحاصرين تحت الأنقاض، مرددين هتافات «تحيا مصر وعاش الرئيس السيسي».

وأقلعت ثلاث طائرات نقل عسكرية من قاعدة شرق القاهرة الجوية متجهة إلى دولة ليبيا محملة بكميات كبيرة من المساعدات الإنسانية التى تشمل كميات من الأدوية والمستلزمات الطبية، بالإضافة إلى أعداد من أطقم للبحث والإنقاذ وعربة إغاثة ومجموعات عمل من جمعية الهلال الأحمر، وذلك تنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة بتقديم الدعم الفورى والإغاثة الإنسانية لدولة ليبيا.

◄ توجيهات الرئيس
وقد وصلت الطائرات إلى قاعدة الأبرق الجوية تمهيداً لوصولها إلى المناطق المتضررة بدولة ليبيا الشقيقة، كما تم تجهيز عدد (10) طائرات من طراز شينوك وأوجيستا مجهزة بعدد من الأطقم الطبية والمعدات لتقديم خدمات الإخلاء الطبى الجوى وتنفيذ عمليات البحث والإنقاذ، فضلاً عن استعداد عربات الإسعاف المجهزة بالأطقم الطبية لاستقبال كافة المصابين والضحايا لنقلهم للمستشفيات لتقديم الدعم الطبى اللازم.

وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي قد وجه القوات المسلحة بتقديم كافة أشكال الدعم الإنساني، من أطقم إغاثة ومعدات إنقاذ ومعسكرات إيواء للمتضررين، بالتعاون والتنسيق مع الأجهزة والمؤسسات الليبية والمغربية.

كما وجه الرئيس بتجهيز حاملة طائرات «ميسترال» للعمل كمستشفى ميدانى لدعم السلطات الليبية فى عمليات البحث والإنقاذ الجارية فى مدينة درنة، وعدم تحميل الأشقاء فى ليبيا أية أعباء، وفق ما نشرته رئاسة الجمهورية عبر حسابها على موقع «إكس» (تويتر سابقا).

◄ الشقيقة الكبرى
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إكرام بدر الدين، إن مصر تولى اهتمامًا كبيراً فى سياساتها ومواقفها المختلفة بالدول العربية وتحديداً دول الجوار والدول الصديقة وما يجعل تلك الدول تنظر إلى مصر باعتبارها الشقيقة الكبرى والتى يتم اللجوء إليها فى الكوارث والأزمات والحروب، وأن استقبال الملايين من الجنسيات العربية المختلفة على الأراضى المصرية فى أعقاب اندلاع النزاعات السياسية أكبر دليل على ذلك.

وأوضح أن النزعة الإنسانية فى الأدوار المصرية تنعكس إيجابًا على دور مصر الإقليمى والدولي، وأن ذلك يعد دوراً مكملاً للعديد من الجهود والتحركات السياسية والدبلوماسية التى تهدف إلى رأب الصدع وتقريب مسافات التقارب بين الأطراف المتصارعة، وهو ما يظهر واضحا فى قطاع غزة والذى تقوم فيه مصر بجهود إعادة الإعمار إلى جانب جهود الوساطة بين الفصائل وبعضها البعض وكذلك بين الفصائل والسلطة الفلسطينية من جانب والاحتلال الإسرائيلى على الجانب الآخر.

ولفت إلى أن العلاقة بين مصر وليبيا تأخذ أهمية كبيرة باعتبارها إحدى دول الجوار وهناك ارتباط مباشر بين الأمن القومى المصرى ونظيره الليبي، وأن القاهرة قدمت العديد من المساعدات إلى ليبيا فى مناسبات سياسية عديدة وساعدت فى الوصول إلى خارطة طريق تمهد للحل السياسى وأوقفت نفوذ وأطماع دول كانت تسعى للسيطرة على خيراتها وألقت بكل ثقلها لإنهاء الصراع السياسي، مؤكدًا أن مصر ليس لديها أى أطماع فى ليبيا وتقدم مساعداتها السخية لليبيين باعتبارهم شعبًا شقيقًا، وهناك ارتباط قبلى وشعبى وتاريخى بين البلدين، بالتالى فإن الدور المصرى يختلف عن كثير من الأدوار الأخرى التى قد تحمل أهدافا سياسية غير مباشرة.

◄ الترجمة  الحقيقة
وأكد النائب عصام هلال عضو مجلس الشيوخ، والأمين العام المساعد لحزب مستقبل وطن، إن التحركات المصرية لمواجهة أثار الكوارث الطبيعية فى ليبيا والمغرب هو ترجمة حقيقية لمبدأ «مسافة السكة» الذى تطبقه الدولة المصرية ليس فقط فى أوقات الحروب ولكن فى النكبات أيضا، وأن الأيام الماضية كانت شاهدة على تحرك مصر بكافة أجهزتها للتخفيف من الأضرار التى لحقت بالمواطنين الأبرياء.

وأشار إلى أن المردود الإيجابى من الأشقاء فى ليبيا والمغرب يعبِّر عن مكانة الدولة المصرية فى محيطها العربي، ودليل على أن الدول العربية تنظر إلى مصر باعتبارها الشقيقة التى يظهر معدنها وقت الشدائد وتقوم بنصرة أى دولة تتعرض لأى أزمات وتساعدها على التعافى وتصل لدرجة أن يطمئن المواطنون فى ليبيا حينما يرون المعدات والفرق المصرية تصل إليهم.

وشدد على أن الحسابات السياسية تغيب عن أى تحركات مصرية هنا أو هناك طالما ارتبط الأمر بالمساعدات الإنسانية، وأن ما تقوم به القاهرة فى الوقت الحالى هو أمر حتمى وطبيعى وقدر مصر كدولة تشكل ركيزة أساسية فى المنطقة، لافتًا إلى أن مصر أكبر دولة قدمت دعمًا ومعدات ومستلزمات عاجلة إلى ليبيا.

وكانت الأمم المتحدة، أعلنت - أثناء مثول المجلة للطبع - ارتفاع عدد ضحايا فيضانات ليبيا إلى 11300 فى درنة، مشيرةً إلى تسجيل أكثر من 170 وفاة فى أماكن أخرى بشرق ليبيا بسبب الفيضانات. وقال المكتب الأممى لتنسيق الشئون الإنسانية فى بيان له إن «عدد المفقودين فى درنة وحدها يصل إلى 10 آلاف مفقود على الأقل».

◄ شعب واحد
وأشار أمين اللجنة التنفيذية للحركة الوطنية الشعبية الليبية، مصطفى الزائدي، إلى أن الجهود المصرية تخفف من حدة الفاجعة بعد أن سجلت القاهرة أول تواجد حقيقى على الأراضى الليبية للمساهمة فى عمليات الإنقاذ، وأن جموع الشعب الليبى يوجهون جزيل الشكر للرئيس عبدالفتاح السيسى الذى وافق على إرسال القوى العسكرية والإغاثية واستعرضها ووجهها ببذل كل ما فى وسعها للتعامل مع آثار الكارثة وهو موقف لن ينساه الليبيون. وأكد أن موقف الرئيس السيسى ليس بغريب عن قائد عربى وقومى يشعر بآلام الناس ومعاناتهم، مشيراً إلى أن ضعف الإمكانيات الليبية جراء ما تعانيه الدولة من حالة انهيار تام للخدمات منذ عام 2011 يجعلها لا تستطيع التعامل مع كارثة بهذا الحجم، وأن وجود القوات المسلحة والخبراء وفرق الإنقاذ المصرية كان له دور كبير فى مواجهة الفاجعة بل وشجعت دول أخرى على إرسال المساعدات.

وأوضح أن الليبيين يعرفون واجب مصر ويدركون بأنهما شعب واحد وأن كارثة درنة أثبتت ذلك، كما عرف المواطنون الليبيون العدو من الصديق، مع المساعدات الشحيحة التى قدمتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، لافتًا إلى أن المساعدات الأكثر جاءت من مصر أولاً ودول الخليج وعلى رأسها الإمارات والأردن وتونس وقطر وتركيا والسعودية، وأخيراً روسيا.