«قُتِل مَشْرُوعٌ» قصة قصيرة للكاتبة فاطمة مندي

 فاطمة مندي
فاطمة مندي

 

عَاش مَعِي فِي تَنَاقُضٌ تام، قَتَلَنِي بِنَصْل بَارِد، حِينَمَا أَخْبَرَنِي بمكنون نَفْسِه الدَّنِيئَة، أنه أَحَبّ سِوَاي، جَاءَنِي يُبَشِّرُنِي، بَعْدَ سِنِينَ أَخَذت مَعَهَا شَبَاب وَصِحَّة. 

ذاكرتي أحيطت بِخُيُوط غَلِيظَة، تسْلَمت حَافِلَة مقتنياتي وَأَعْلَنت رَايِه الِانْكِسَار، الْآلَام تصطحبها نِزَاع بقايا أنثى. 

ارتدّت عَلَامَات الْحَيَاة تَصَارَع نَفْسِي الضَّائِعَة الصامتة، أرْتَدِي رِدَاء الْحَدَّاد حَالُك السَّوَاد فِي لَحْظَةِ خَادِعَةٌ، تنتابني بُحُور النَّدَم الْقَاتِل، أنتقدُ نَفْسِي، تَتْلُون الدُّنْيَا أَمَامِي بأشباه وُجُوه تَحْت بُنُود الْبَشَر، أَشْتَهِي نَقّاش الأوردة الدَّامِيَة وَالضَّمِير وَهُو يُجَدِّد لِسَعَة لِي فِي صَقِيع قَلْب تَائِه يَبْحَثُ عَنْ الصِّدْق. 

 ورِيَاح النَّفْس المهترئة عَبَّر سَنَوَات عُمْرِي المنصرم، تَمْضِي تقلبُ الْحِكَايَة برمتها، وَالشَّكْوَى حَائِرَة متمردة، تَبْحَثُ عَنْ إجَابَةِ لنعيها . 

 

كُنَّا زملاء فِي الجَامِعَةِ، وَكَانَ يُجَالِسُنَا بَيْن الْمُحَاضَرَات، كنا نَنْظُرُ إلَيْهِ بتعالي، تَوَدَّد لِي مَرَّات عَدِيدَة، عَجِبْت لِجُرْأَتِه، اسْتَجَبْت لملاحقته لِي فِي نِهَايَةِ دراستنا، تَقَدَّم لي ورفضته أُسْرَتِي بِإِصْرَار، شَتَّان بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، هَكَذَا عَلَّل لِي أَبِي سَبَبٌ رَفْضِه. 

صَمَّمْت عَلِيّ مَوْقِفِي بَعْد إلْحَاح. 

اُضْطُرّ أَبِي أَنَّ يذعن لرغبتي بَعْدَ أَنْ حَذَّرَنِي كَثِيرًا. 

كَانَت أُسْرَتِي تغدق فِي الْإِنْفَاقِ عَلِيّ، بَل وتغدق عَلِيّ الْأَمْوَال، كُلٍّ مِنْ يَرَانِي يُعْطِينِي أَمْوَالًا كَثِيرَةً، أَجَدْت ونجحت فِي تَدْوِيرِ هَذِه الثَّرْوَة، وتضخمت ثروتي وكبر مشروعي، وَصِرْنَا مِن الأثرياء كأسرتي. 

تَرَكْت لِزَوْجِي الدَّفَّة كَي يبحر هُوَ فِي بِحَار التِّجَارَة وَتَفَرَّغْت لِرِعَايَة أَبْنَائِي. 

لَقَدِ امْتَلأْتُ أَمْعَاؤُه بِأَمْوَالِنَا. وَأَصْبَحَ مِنْ كِبَارِ رِجَالٌ المال والْأَعْمَال، وَأَصْبَحَت لَا أُمَثِّلُ لَهُ سِوَى نُقْطَةٍ فِي سُطُورُهَ الْبَلْهَاء.

 لَقَد هرمت بَعْدَ سَمَاعِ كَلِمَاتِه لِي: سأتزوج بِغَيْرِك شَابَه صَغِيرَة. 

آلْمَنِيّ الْجُرْح، وانتفتني وِسَادَتِي، وَاشْتَعَل فِرَاشِي والتهبت حواسي، تلفني الْأَيَّام وتصفعني، بأَلَم يجتث أمعائي. 

أَسْأَل نَفْسِي عَنْ قلبّ يحتضني، كَي تخفت نيراني بِدَاخِلِي، لَا أُرِيدُ سَمَاع صَوْتِي، لَا أُرِيدُ لعَقْلِيٌّ ان يُفَكِّر فَهُوَ مَا قادني نَحْوَه، لَا أُرِيدُ نَفْسِي الْعَقِيمَة الَّتِي تَنَفَّسَت هواءه، وَلَا قَلْبِي الَّذِي أَسْكَنَهُ بِدَاخِلِي، كُرِهَت نَفْسِي، أَبْنَائِي، مَنْزِلِي، فِرَاشِي، كُلُّ مَا لَهُ صِلَة بِه كَرِهْته، بَحَثْت عَنْ كَرَامَتِي الْمَذْبُوحَة، وقررت النيل منه، وأخيرا جَعَلَتْه ينوح مِثْل أنثي، أصبح لا يصلح لا لي ولا لغيري،  

لَقَد نِلْت مِنْ رجولته بِأَشْيَاء مَشْرُوعَة.