«سقوط أوراق التوت».. كتاب نقدي يناقش محظورات الكتابة الروائية

غلاف كتاب «سقوط أوراق التوت»
غلاف كتاب «سقوط أوراق التوت»

 تبدو لغة الناقد د. أحمد كريّم بلال أقرب إلى الإبداع الأدبي منها إلى منطقية النقد الأدبي ومصطلحاته الصعبة؛ فهو في لغته النقدية يُبرز الجوانب الجمالية والإبداعية في العمل المنقود بصورة تُضاهيه وربما تتفوّق عليه؛ وكل هذا يأتي في لغة عربية متماسكة، أصيلة ومعاصرة، تراثية ومتجددة، عميقة وبسيطة؛ بحيث يستطيع القارئ العادي أن يُطالعها ويستمتع بها ويفهم معطياتها دون إجهاد أو ملال؛ وتلك- في رأيي- الوسيلة الأبرز لتبيان الناقد الحقيقي من ذاك الذي يتخفّى وراء أكوام المصطلحات الغربية المترجمة.  

كتاب: (سقوط أوراق التوت- المحظورات في الكتابة الروائية- دراسة نقدية تطبيقية)، للدكتور: (أحمد كُريّم بلال) هو الكتاب الفائز بجائزة كتارا في النقد الروائي سنة 2019م ، وقد صدر عن دار نشر كتارا بالدوحة سنة 2020م، وقد تناول الكتاب قضية: (المحظورات الجنسية)، وما يتعلق بتبعاتها الدلالية في الكتابات الروائية من تعبير عن الجوانب السياسية والدينية، وهي قضيّة مهمة مسكوت عنها مع بروزها وأهميتها في كثير من الأعمال الأدبية؛ لاسيما الرواية.
وقد بدأ الكتاب برصد الدوافع والبواعث التي تقود الأديب نحو هذا التوجه، بدايةً من الإيمان بحرية التعبير بشكل مطلق، ومرورًا بالبواعث النفسية، والتأثر بالكتابات العربية القديمة، أو الكتابات الغربية التي تشايع هذا التوجه، وانتهاءً إلى الانقياد الفكري والتبعية للغرب، فضلاً عن وجود دوافع فنيّة فعليّة قد تدفع الكاتب إلى الخوض في هذا المضمار.
ثمّ تناول الكتاب الحيز النصي الذي تشغله (المحظورات الجنسية) من الرواية، من حيث كونها في المتن أو على الهامش منها، أو كونها تشغل المتن والهامش معًا في بعض الكتابات التي يمكن وصفها بأنها روايات جنسية كاملة.
وناقشت الدراسة المداخل الاجتماعية التي تعبر عن هذه الظاهرة، وبينت الموقف الفني من (الدين)؛ حيث تباينت وجهات النظر التي تقدمها تلكم الروايات تجاه الدين ما بين القبول والامتثال وتقديم المحظورات الجنسية باعتبارها تجاوزًا دينيًّا، أو تجاهل الدين بشكل تام، واعتبار تلك المحظورات حريةً وحقًّا شخصيًّا لأبطال الروايات! وفي كل من ذلك رصدت الدراسة خطًّا بارزًا في كثير من الأعمال الروائية يعبّر عن تمرد ديني ينعكس بشكل فني من خلال هذه الروايات؛ وإن لم يُعبّر عنه بشكل صريح ومباشر.
وعطفت الدراسة على رصد المستويات اللغوية المتعددة التي تُقدم من خلالها المحظورات الجنسية، ما بين التعبير الفضائحي المكشوف، واستخدام المجاز، أو التعبير عن القضية بشكل مضمر، وإشارات مبهمة غير محددة، وتتبعت الدراسة أعمالا متعددة لبعض الكتاب في هذا الصدد لبيان مستويات الجدّة والتنميط في التعبير اللغوي عن هذه القضية.
وأخيرًا: تناولت الدراسة مستويات التأويل الدلالي، حيث يمكن قراءة جانب كبير من جوانب تلك الظاهرة باعتبارها معادلًا رمزيًّا لقضايا سياسية، أو تعبيرًا عن أزمات حضاريّة، أو انعكاسًا لأبعاد روحيّة وعقائدية. 

وتقوم الدراسة على جانب النقد التطبيقي، فهي تفتح المجال واسعًا للقراءة والرصد والتأويل، فترصد الأدوات الفنية والتقنيات الجمالية التي تُبرز من خلالها هذه الظاهرة، وتبين فاعليتها واشتغالها الدلالي والجمالي، من خلال ما يزيد على ثلاثين رواية من دول عربية متعددة.