بعد التشغيل التجريبى ..جولة تفصيلية فى المتحف الكبير

بعد التشغيل التجريبى ..جولة تفصيلية فى المتحف الكبير
بعد التشغيل التجريبى ..جولة تفصيلية فى المتحف الكبير

بداية الجولة
لم يكن موقع إنشاء المتحف محض صدفة، إذ جرى اختيار الموقع بعناية لتحقيق التكامل مع الأهرامات العظيمة، من خلال تحويله لجسر يعبر من خلاله الزوار، ليشاهدوا الحضارة القديمة، وكذلك مثيلتها الحديثة، المتمثلة فى المتحف الكبير، داخل حيز هو الأهم ضمن مواقع التراث الثقافى العالمى المسجلة لدى منظمة اليونسكو.  


بعد عبور البوابات الرئيسية المخصصة لزوار المتحفتجد ميدان المسلة المصرية، وهو ميدان تزينه مسلة معلقة تعود  الملك رمسيس الثانى وهى أول من يستقبل ضيوف المتحف، وهى الأولى فى العالم التى يجرى وضعها بهذا الشكل، فقد صنعت من الجرانيت، ويبلغ طولها 16 متراً ووزنها 110 طناً، وتم نقلها من منطقة صان الحجر بمحافظة الشرقية فى منتصف عام ٢٠١٨. أراد رمسيس الثانى تخليد اسمه عليها، فقام بنقش الخرطوش الخاص به ووضعه أسفل بدن المسلة، لكن ظل هذا الجزء مدفونًا فى الأرض لم يشاهده أحد، إلى أن جاءت فكرة رفع المسلة على أربعة أعمدة، ليستطيع الزائر رؤية هذا الخرطوش النادر عبر المرور أسفل المسلة. 


وأمامها على بعد أمتار قليلة تقع الواجهة المهيبة للمتحف «حائط الأهرامات» وهو بعرض 600 متر وارتفاع يصل إلى 45 مترًا، ويتكون الحائط الجدارى أو الهرمى من سبعة أهرامات، ويشمل الحائط على ضلعين فى اتجاه الشرق، وضلع فى اتجاه الشمال تسمح الواجهة الزجاجية لهذا الضلع بعكس الضوء والذى يشع منه نور كدلالة على أن الحضارة المصرية هى شعاع النور للعالم فى دلالة عن أن مصر منبع الحضارات التى بدأت من الجنوب للشمال، ومنها نحو بلاد العالم، مع استمرارية هذا الدور من خلال هذا المشروع الثقافى الكبير، وعند الاقتراب من الحائط الجدارى ناحية بوابة المتحف، يجد الزائر أسماء أبرز ملوك مصر القديمة تستقبل ضيوف المتحف، وعبر هذه البوابة عبرنا إلى داخل المبنى الذى يتألف من كتلتين رئيسيتين هما مبنى المتحف من اليسار، ومبنى الخدمات الاستثمارية إلى يمينه، ويربط بينهما بهو المدخل حيث يقبع تمثال الملك رمسيس العظيم. والملاحظ أن جدران المتحف الداخلية غير متوازية فمقاساتها تختلف عن بعضها البعض، إذ يكشف انحراف الضوء ومع مروره عبر هذه الحوائط، تنظيم صالات العرض داخل المتحف، لتوازى الخطوط المرئية للأهرامات، مما أعطى للمتحف تصميما فريدا. أما بالنسبة لسقف المتحف، فقد تم تصميمه لمحاكاة فكرة الحضارة المصرية القديمة، حيث جاء على شكل حركة مياه نهر النيل كرؤوس أسهم تنطلق من الجنوب إلى الشمال.


ما إن يعبر الزائر البوابة حتى يستقبله الملك المصرى رمسيس الثانى الذى يتوسط البهو الرئيسى للمتحف. وتم اختياره فى هذا الموقع بالتحديد نظرًا لكونه أكثر الملوك المصريين قوة وشهرة فى عهد الإمبراطورية الحديثة، إذ ينظر إليه على أنه الفرعون ملك الملوك، وقد سماه الحكام اللاحقين له بـ«الجد الأعظم»، نظرًا لامتداد الفترة التى حكم فيها مصر، والتى قاربت من الـ70 عامًا، وقد عرف حكمه بالكثير من الانتصارات العسكرية والإنجازات التنموية فى البلاد.


 تم نقل تمثال رمسيس الثانى من موقعه القديم فى ميدان رمسيس بالقاهرة عام 2006، ليوضع خارج حدود مبنى المتحف، ثم فى عام 2018 تم نقله إلى موقعه النهائى داخل المتحف المصرى الكبير، ليمثل حضوره رمز اللحضارة الفرعونية ونقطة بداية وإشارة انطلاق التاريخ من المتحف المصرى الكبير. وبالقرب منه يوجد عمود للملك «مرنبتاح»، رابع ملوك الأسرة التاسعة عشر، حيث دوّن على العمود نصًا مكونًا من أربعة أسطر، يتحدث فيه عن الانتصار التاريخى العظيم الذى حققه مرنبتاح على الليبيين فى العام الخامس من عهده، وهى معركة حربية شهيرة وخالدة خلال عصر الرعامسة، جرى تسجيلها فى العديد من آثار الملك مرنبتاح. وبالقرب من هذا التمثال يوجد آخر لملك وملكة من العصر البطلمي، كانا ضمن الآثار الغارقة وتم استخراجهما ووضعهما داخل المتحف.


 ويتكون البهو الرئيسى من جزئيين، «مبنى المتحف» والذى يقسم إلى ستة شرائح طولية، يصل إليها الزائر من خلال «الدرج العظيم»، وكذلك «مركز المؤتمرات» الذى يحتوى على الخدمات التى تُقدم للزائرين. كانت فكرة الدرج العظيم هو أن يتوسط قاعات العرض المختلفة، إذ تبلغ مساحته حوالى 6 آلاف متر مربع، وعرضه على شكل مثلث مفتوح. ويعد الدرج العظيم بمثابة متحف أيضًا، حيث يتميز بعرضه لقطع أثرية على جانبه، ويضم أكثر من 60 قطعة أثرية من أكبر القطع الأثرية الثقيلة من مختلف العصور المصرية القديمة، وهو يسرد للزوار أربعة موضوعات متميزة من مختلف المراحل التاريخية، الموضوع الأول هو عرض تماثيل لمعظم ملوك مصر منذ العصر الفرعونى إلى العصر اليونانى الروماني، فسيجد الزائر الملك خفرع، منقرع، بيبى الثانى من الدولة القديمة، سونسرت من الدولة الوسطى، تحتمس، وتماثيل أخرى للأسرة الـ19 ومنهم «سيتى ورمسيس الثالث». 


أما الموضوع الثانى فهو يمثل عرض للعناصر المعمارية الموجودة من خلال البوابات الملكية. والثالث عن علاقة الملوك بالآلهة من خلال عرض مجموعة من التماثيل. أما الجزء الأخير فهو يعرض فكرة العالم الآخر عند المصرى القديم من خلال عرض مجموعة من التوابيت الحجرية. وعند الوصول إلى نهاية الدرج يقف الزائر ليجد أمامه منظر بانورامى ساحر للأهرامات الثلاثة، دلالة على أن الأهرامات جزء لا يتجزأ ضمن تصميم المتحف المصرى الكبير. 


ولكى يعبر الزائر بين القاعات الرئيسية للمتحف عليه أن يعبر ما يسمى بـ «نفق الأهرام» وهو ممر هرمى زجاجى الشكل ثلاثى الأبعاد، يتكون هندسيًا من مجموعة أهرامات متشابكة ومتقاطعة، كى ينفد منه الضوء إلى داخل قاعات العرض الرئيسية. ويقسم الهرم الزجاجى القاعة إلى جزأين، تم ربطهما بنفق زجاجي، تمامًا كما هو متبع عند المصرى القديم فى فكرته حول الأهرامات الثلاثة، ليمر الزائر من خلال النفق ويستكمل رحلته داخل قاعة العرض الرئيسية. 


جميع المساحات الداخلية التى تشمل صالات العرض المتحفى مغلقة حتى الافتتاح الرسمي، لكن سيناريو العرض كما فهمنا يعتمد بشكل أساسى على عنصر الحكاية إذ أرادوا من خلال سيناريو العرض المتحفى تحقيق عرض قصصى مشوق، يعتمد على جذب انتباه الزوار من لحظة دخولهم صالات العرض، من حيث سرد الأحداث، والمعلومات العلمية والقصص التاريخية حول القطع الأثرية، مع وضعها فى تسلسل زمنى محدد، وعرضها بأحدث أساليب العرض التكنولوجية المستخدمة حاليًا فى المتاحف الدولية والعالمية، وتم مراعاة التكنولوجيا فى العرض المتحفي. فقد جرى تقسيم المبنى إلى ست قاعات «A,B,C,D,E,F»، وتضم قاعات العرض الدائمة 12 قاعة، بمساحة 20 آلاف متر مربع، وهى قاعات العرض الرئيسية والثابتة، والتى تتنوع موضوعاتها ما بين الحياة اليومية والحياة الملكية للمصريين القدماء ومعتقداتهم وأيضًا دياناتهم، خلال الحقب الزمنية بدءًا بالحضارة المصرية القديمة وصولًا للحضارة اليونانية والرومانية.


وتعد القاعتين A-B أحد أهم القاعات الموجودة داخل المتحف، إذ يضما مجموعة توت عنخ أمون، حيث تبلغ مساحة كل قاعة 7 آلاف متر مربع بإجمالى مساحة 14 ألف متر مربع للقاعتين، وتضم القاعة: القناع الذهبى للملك توت عنخ أمون، وكرسى العرش، ومقاصيره الضخمة، وأدواته الشخصية التى كان يستخدمها فى حياته اليومية، وأجزاء من ملابسه وأحذيته، وعرباته الحربية الستة،وأيضًا الأسرّة الجنائزية الخاصة به، وتابوته الذهبي، وأيضاً لأول مرة سيتم عرض الثلاث توابيت الخاصة بالملك الشاب مجتمعة، وإكسسواراته وقلادته، ومراكب الشمس، بالإضافة إلى مقتنياته وهو صغير، مثل كراسيه وألعابه. وتضم أيضًا خنجر وهو أحد أبرز الكنوز المهمة التى تعود الملك توت عنخ آمون ، فقد تم صنعه من الحديد، وفى عصر توت عنخ آمون كان الحديد أندر من الذهب، وقد حير هذا اللغز العلماء والخبراء، وفى عام 2016، حددت دراسة علمية أن الخنجر يحتوى على ما يقرب من 11% من النيكل وآثار الكوبالت.


أما قاعات D-E-F والتى تضم أكثر من 12 ألف قطعة أثرية، فقد حدد لها محاور رئيسية لموضوعاتها، هي: عصور ما قبل التاريخ، وما قبل الأسرات، والأسرة المبكرة، والدولة القديمة، عصر الانتقال الأول. ثم عصر الانتقال الثاني، عصر الدولة الوسطى، ثم الدولة الحديثة، ثم عصر الانتقال الثالث، الفترة المتأخرة، العصر اليونانى الروماني. بالإضافة إلى وجود قاعات عرض متغيرة أو مؤقتة، تحكى عن حضارات أخرى غير الحضارة المصرية، بهدف تعميم فكرة أن الحوار بين الحضارة المصرية والحضارات الأخرى واحترامها هو جزء أصيل من نسيج المصريين. كما اختيرت اللغة العربية واللغة الإنجليزية كلغة رئيسية على بطاقات العرض، وبعض من بطاقات العرض يتم عرضها باللغة اليابانية. 


وأخيرًا يضم المتحف قاعة الخبايا، وهى تخص خبيئة منطقة سقارة المكتشفة فى أغسطس عام 2020، والتى تعرض لأول مرة داخل المتحف، كما سيتم عرض خبيئة العساسيف، والتى اكتشفت، بمنطقة جبانة العساسيف بالبرّ الغربى بالأقصر فى عام 2019، وتضم «خبيئة العساسيف» مجموعة متميزة من 30 تابوتًا خشبيًا ملونة لكهنة وكاهنات، و٢٢ تابوتًا من بينهم توابيت أطفال فى حالة جيدة من الحفظ والألوان والنقوش كاملة، حيث تم الكشف عنهم على نفس الوضع الذى تركهم عليه المصرى القديم، مجمعين داخل خبيئة مكونة من مستويين الواحد فوق الآخر، وقد ضم المستوى الأول 18 تابوتًا والمستوى الثانى 12 تابوتًا. 


داخل المتحف يوجد مركز لترميم الآثار، وهو يقع على عمق 10 مترات تحت سطح الأرض على مساحة تبلغ 32 ألف متر مربع، كما تم إنشاء نفقا كبيرا طوله 200 متر تقريبًا، يربط المتحف بمركز الترميم؛ وذلك كى يسهل عملية نقل الآثار بطريقة آمنة وعلمية، لعرضها داخل قاعات العرض بالمتحف. ويضم مركز الترميم 17 معملًا متخصصًا ومقسمًا طبقًا للمواد الأثرية؛ لتقوم هذه المعامل بثلاث مهام رئيسية، هي: الترميم، والصيانة، والمتابعة الدورية للآثار الموجودة بالمتحف.كذلك يضم المتحف مركزًا للحفظ هو الأكبر فى الشرق الأوسط، فقد تم بناءه على مساحة تبلغ 7 آلاف متر مربع، وذلك لتخزين واستيعاب أكثر من 50 ألف قطعة أثرية تم إصلاحها وترميمها فى ستة مخازن للحفظ. وقد تم بناء المركز تحت الأرض لتحقيق أقصى قدر من التحكم فى المناخ، كما يعتبر هذا المركز أيضًا واحدًا من المشروعات الصديقة للبيئة.


راعى المتحف الكبير ذوى القدرات الخاصة، وكبار السن، والأطفال حيث يتيح لزواره كافة السبل التى تحقق لهم فكرة الإتاحة الكاملة للزيارة، فالمتحف يتبنى «كود الاتاحة» الذى يعد أحد أهم المعايير العالمية لقياس مدى نجاح المتحف فى تحقيق دوره كمركز ثقافى حضارى يخدم كافة الزوار وخاصة ذوى الهمم. فقد تم توفير سلالم كهربائية وإعداد طريق خاص للكراسى المتحركة. كما تم توفير عدد كبير من المصاعد ليتمكنوا من التجول وزيارة المتحف. كما تم مراعاة المواصفات القياسية للإتاحة فى العرض المتحفى ومنها: ارتفاع الفتارين،وبطاقات الشرح،واستخدام طريقة برايل،واستخدام الأجهزة الناطقة بأكثر من لغة، بالإضافة إلى عمل بعض المستنسخات للمعروضات فى القاعات المختلفة، لإمكانية لمسها بالأيدى واستخدامها كوسيلة لتوصيل المعلومة بطريقة تفاعلية لكافة الزوار.


وكما استقبل الملك رمسيس الثانى ضيوفه من المدخل الرئيسى للمتحف، يقف أيضًا تمثال آخر له لتوديعهم عند الخروج، إذ جرى ترميم التمثال وتقويته وتدعيم الأجزاء الضعيفة منه وإجراء أعمال التنظيف الميكانيكى والكيميائى لأجزائه، مع إعادة تركيبه بعد أن كان مقسمًا إلى 5 قطع. ويبلغ ارتفاع التمثال حوالى 8 مترات ووزنه حوالى 30 طنًا، يرتدى الملك حزاما حول خصره مزين بزخارف ويحمل اسم الملك وخلفه دعامة خلفية منقوش عليها مجموعة من النصوص الهيروغليفية.