"يوميات خمسة جنيه"| مجموعة قصصية تنتقد العادات الاجتماعية السلبية 

صورة موضوعية
صورة موضوعية

يواصل الشاعر والقاص "مصطفى حبيب" إخراج مجموعاته القصصية التي تحمل روحًا فكاهية مصرية؛ وإذا تجاوزنا عن الخطأ النحوي في العنوان، باعتبار العنوان بالعامية؛ فإن المجموعة القصصية التي تأتي في خمسة عشر فصلًا قصيرًا تتناول العديد من قصص وأحداث مرت على نماذج بشرية عدة من طوائف المجتمع المختلفة تروى من خلال ورقة بنكنوت فئة الخمسة جنيهات، وهي فكرة تخيلية لم تسبقها سوى تجارب قليلة مشابهة، وتهدف هذه المجموعة القصصية إلى تقديم العظة والنصح والتعلم من تجارب الآخرين، حيث إن التجربة الإنسانية واحدة عبر العصور والإنسان الذكي هو الذي يستفيد من تجارب الآخرين.

وإذا كنا نعيب على هذه المجموعة مباشرتها الفجة وإغراقها في التوجيه الأخلاقي الذي تجاوزه الواقع القصصي منذ زمن طويل، فإننا لا نغفل الحمولات السابقة التي قد تشير إليها من خلال الفيلم السينمائي القديم (الخمسة جنيه) بطولة محسن سرحان وزوزو نبيل وعبد الفتاح القصري، وهو من إنتاج عام 1946م، وإخراج حسم حلمي؛ إذ تتشابه المجموعة مع الفيلم في الإغراق في التوجيه الأخلاقي، وإن كان التناول مختلفًا.

يبدو المكان بطلًا في هذه المجموعة، حيث تتناول صفحات هذه المجموعة القصصية ما عاصرته هذه الورقة النقدية برؤية أو سماع لأحداث ووقائع حدثت في منازلنا ومنازل الآخرين والتي تشمل لحظات من السعادة أو التعاسة وأجواء من النجاح أو الفشل أو إثارة الاضطرابات وغيرها. في فصلها الأول (من الحوامدية إلى عابدين) نموذج لبيت مصري أصيل، فالأب الأستاذ نبيل، مدير الشئون القانونية بمصنع سكر الحوامدية، يجهز ابنته ليتم زفافها ويشجع ابنه طالب الثانوية العامة ويدلل صغيرته مدبرًا لهم الأموال والاحتياجات قدر استطاعته كأي أب في بيوتنا جميعًا.

وفي فصلها الثاني (القاهرة/ أسيوط) سنجد الفتاة عزة ونموذجا لأسرة بسيطة مكافحة فقدت عائلها مبكرًا فكان على الأم الاجتهاد في تربية الابنة عزة بائعة الملابس والابن أيمن الذي يكد عملًا وعلمًا في آن واحد وتتناول قصتهم عادة الأخذ بالثأر بالصعيد ورفض غالبية الأسر المحترمة هذه العادة وتمسك البعض الآخر بها، كما ألقت الضوء على حوادث القطارات ومعاناة الركاب معها. 

وفي فصلها الثالث (فتاوى وأحكام) نجد الشيخ محمود أبو الرجال وقصته في السكن والعمل بدار الإفتاء وحياة الأئمة المغتربين، كما تناولت بالطبع بعضًا من الفتاوى والرد عليها. وفي الرابع (الثانوية العامة) نجد الطالب المجتهد "علي" وأجواء الثانوية العامة من خوف وقلق ورهبة واضطراب حتى الوصول إلى الفرح والتهاني ونيل الأماني، ستعيش هذه الأجواء مع هذه الأسرة والمحيطين بها. وفي الخامس (الشرطة في خدمة الشعب) سنجد العسكري جمال ونموذجا لشهامة وجدعنة رجل الشرطة المخلص في عمله ليساعد أفراد الشعب ويحافظ على الأمن العام، مع تقدير القيادات له لتفانيه في أداء مهام عمله. وفي السادس (كرامة ابنتي) نجد نادية الفتاة عزيزة النفس التي تسعى للحفاظ على كرامتها حتى وإن كان والدها بستانيًا بسيطًا يعمل لدى أحد رجال القضاء، كما نجد هذا البستاني مسايرًا لأفكار ابنته وأن للبسطاء كرامة وسط الأثرياء.

◄ اقرأ أيضًا | عبد الفتاح القصري.. «ابن ذوات» هدده والده بالحرمان من الميراث بسبب التمثيل

في الفصل السابع (نجار ابن بلد) يبدو الأسطى فتحي النجار نموذجا لابن البلد الذي يساعد الفقراء قدر استطاعته، من خلال عرض لأجواء الحارات الشعبية وما يحدث في البعض منها من بلطجة وإدمان للمخدرات. والثامن (حقيبة مريبة) ستجد السائق أشرف المصري الذي يعمل على سيارة ميكروباص تعمل بالأجرة وكيف قادته حقيبة وجدها أسفل مقاعد عربته إلى طريق أقسام الشرطة وكيف كانت ستدفع به خلف القضبان، وفي قصته الصعوبات التي تقابل أبناء هذه المهنة، مع عرض نماذج مشرفة لضباط الشرطة المخلصين في أداء عملهم وكيفية معاملتهم الحسنة لأبناء الشعب. وفي التاسع (العلم والإيمان) نتابع كيف استجاب الله لدعاء الحاج جابر مع كثرة تصدقه بالأموال محققًا له أمنيته هو وزوجته بشفاء ابنتهم علياء هذا الشفاء الذي حير الأطباء المعالجين لها وهو ما يؤكد أيضًا قيمة الصدقة والدعاء في رفع البلاء والقيمة الأكبر وهي قدرة الله عزوجل.

في الفصل العاشر (القاهرة/ الغردقة) نجد الشاب سالم وصديقه كمال وأحلام الشباب في تحسين أوضاعهم وصعوبات التنقل بين الوظائف والخروج بحكمة أن الرضا بالواقع قد يكون أفضل من المغامرة، خاصة إن كانت غير مضمونة النتائج وهذا لا ينفي أهمية أن يخوض الإنسان العديد من التجارب حتى يصل إلى الأفضل وهذا ما حدث مع بطلي هذه القصة. وفي الحادي عشر (حادثة!.. حادثة!) سائق التاكسي عطية وأثر التعجل في وقوع الحوادث وإلقاء الضوء على بلطجة الشوارع وفوضى الميكروباص، كما نجد ما يدور في بعض المستشفيات الحكومية من إهمال نحو المرضى، إضافة إلى جشع بعض الأطباء من ذوي الشهرة في عياداتهم الخاصة والمغالاة في أثمان كشوفاتهم. وفي الثاني عشر (الأشقياء الثلاثة) الشاب المراهق تامر وأثر الصحبة الفاسدة ومشكلات الإدمان وغياب الرقابة الأسرية، إضافة إلى التدليل الزائد في السن الحرجة وكيف تكون النهاية مأساوية.

في الثالث عشر (أحلام نابولي) الشاب الريفي كامل وحلم الثراء السريع من خلال الهجرة غير الشرعية وإلقاء الضوء على مخاطرها وأهمية توعية الشباب بالتراجع عنها ومحاولة الحصول على وظائف بطرق قانونية تجنبًا لضياع الشباب مع غرق أحلامهم. وفي الرابع عشر (الصياد) نجد مرسي الصياد وزملاءه ومدى معاناتهم مع حرفتهم المهمشة ونتائج ذلك، مع تناول ما يجري بمزارع تربية الأسماك وما يحدث بها من مخالفات. وفي الخامس عشر (من دمياط إلى مطروح) نجد عامل الأوقاف عبد النعيم وكيف تغلب مع زميله حسان على مشكلة ضعف الرواتب الحكومية ولو من خلال العمل الإضافي لتحسين أوضاعهم المالية محاولة منهما  لمجابهة موجات ارتفاع الأسعار العالمية، كما ستختتم قراءة هذه المجموعة القصصية عندما تخبرك راويتها ورقة البنكنوت فئة الخمسة جنيهات كيف سكنت أريكة قديمة لتنتظر مصيرها القادم.
عبد الهادي عباس