«ماكينة الصرف» قصة قصيرة للكاتب عثمان مكاوي

الكاتب عثمان مكاوي
الكاتب عثمان مكاوي

المتزوجون فقط، هم أوائل الذين يقفون طوابير أمام ماكينات الصرف الآلي مع نهاية كل شهر، وبسبب ظرف طارئ احتجت فيه نقودا ذهبت على غير ما اعتدتُ إليها، وخضت تلك التجربة المؤلمة، لا أدري من يخبر الموظفين بأن راتب الشهر قد نزل وأصبح السحب ممكنا، فوجدتُ الموظفين وقد جاءوا أفواجا يقفون خلف بعضهم، بل قل تلتصق أجسادهم ببعضها وكروشهم تضيق الخناق على ظهور الآخرين، والنساء أتَيْنْ من كل حدب وصوب يصطحبون إما أزواجهن أو أبنائهن وبناتهن الصغيرات، وكل امرأة تقبض بأصابعها على جُذلان صغير؛ لتتحكم فيه لئلا يختطفه منها لص محترف.

وقفت مندهشا وسألت نفسي بصوت خافت إذن متى سيحين دوري؟ فالساعة الآن تقترب من الواحدة والنصف صباحاً، وكلما انتشر خبر نزول الراتب في ماكينة الصرف أتى الكثير.

وبينما أبحثُ عن إجابة أعرف منها دوري في سحب راتبي، إذ بصوت يعلو عند الماكينة الثالثة، فالرجل الذي يقف الآن أمامها، يحتفظ ب سبع فيز ومصمم على سحبهن جميعا، والواقفون خلفه تملكهم الغيظ والضيق وطالبوه بأن يكتفي بالسحب من فيزتين، وليرجئ البقية للغد أو حتى ينتهي الطابور، والرجل في برود يرفض ذلك، مُتحججا أنه جاء خصيصا من قرية بعيدة ولا يمكن أن يعود براتب ثلاثة فقط دون الأربعة الآخرين!

يزمجر واحد من الواقفين خلفه دون أن ينطق بكلمة، وإذ بالثاني ينفجرُ قائلاً: "يا أستاذ، مينفعش كده اللي انت بتعمله!".

فيومئ الرجل البارد رأسه ويصمت، ولا يزال يضرب بأصابعه شاشة الماكينة، فيتدخل ثالث يقول بنبرة غاضبة "انت يا أخينا هتخلص فلوس الماكنة على فيزك انت بس!".

وللأسف لا يرد عليه صاحبنا وما زال يضرب بأصابعه الشاشة حتى وصل لسحب الفيزا السادسة.

وهنا جذبه شاب قوي البنيان وأوقعه على الأرض، فارتطمت رأسه الصلعاء،على الأسفلت وسال الدم منها، حينئذ انطلقت صرخات كعواء الذئب آتية من أول الطابور الخامس الخاص بالسيدات وهي تُلقي بجسدها المملوء لحم وشحم عليه وهي تصرخ: "هيموتوك يا جوزي يا غالي".

وهو يئن تحتها قائلاً: "انهضي من فوقي هموت هفطس يا ولية!".

 أخرجت بقية الفيز من جيبه واحتفظت بهن مع عشر فيز كُنْ معها لسحبها من الماكينة الأخرى التي تقف خلفها السيدات، وراحت تبكي عليه، في الوقت اللاتي سعدن فيها بقية النسوة وراحت كل واحدة منهن تضرب الشاشة على أرقامها الظاهرة فتخرج أوراقا فئة المئتي جنيه.