..مهلا عزيزي القارئ .. لا تظن أن عنوان المقال يمثل معلومة حقيقية، بل يمثل حلمًا مستحيلا وأمنية صعبة المنال لجميع الأجهزة الأمنية حول العالم.
فهل هناك مجد لأي جهاز أمني يساوي القضاء على الجريمة بنسبة 100 % .
للأسف ما يجعل هذا الحلم مستحيلا لا يتعلق بكفاءة الأجهزة الأمنية بقدر ما يتعلق بطبيعة النفس البشرية الأمارة بالسوء والتي تمتلئ بكل الصفات السيئة مثل الغيرة والحقد والكراهية والطمع وغيرها من النقائص التي تجعلها بيئة خصبة لارتكاب كافة أنواع الجرائم بداية من السرقة والنصب والاختلاس وصولا الى القتل والاغتصاب والتشويه.
بالعودة إلى المعلومة الحقيقية بعيدًا عن الامنيات المستحيلة فهي تؤكد أن معدلات ضبط الجريمة في مصر تدعو للفخر وتضع المنظومة الامنية المصرية في مرتبة متقدمة بين أقوى الاجهزة الأمنية في العالم مثل سكوتلانديارد البريطانية والشرطة الفيدرالية في الولايات المتحدة وغيرهما.
ولكن كفاءة الاجهزة الامنية وحدها مهما كانت براعتها لن تكفي للقضاء على الجريمة أو حتى تحجيمها ، ويجب أن تكون هناك مساعدة حقيقية من جميع مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسات الدينية مثل الازهر والكنيسة ، والمؤسسات التعليمية مثل المدارس والجامعات ، والمؤسسات الاعلامية سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية.
لو أدت هذه المؤسسات دورها على النحو المطلوب ستنخفض معدلات الجريمة بشكل واضح بعد تجفيف منابعها وروافدها.
لنبدأ من الأسرة ، فالزواج المتكافئ الناجح ينتج عنه أطفال أسوياء يخدمون بلدهم وينفعون أنفسهم، والعكس صحيح فالزواج الفاشل تنجم عنه مشكلات بالجملة بداية من المشادات الكلامية بين الزوجين مرورًا بالضرب والاهانة وانتهاءً بالقضايا المتبادلة وأحيانا الجرائم الجنائية مثل القتل والتشويه ، والنتيجة النهائية بعد كل هذا أطفال معقدين نفسيًا كارهين للمجتمع وللحياة بأكملها وقنابل موقوتة منزوعة الفتيل قابلة للتفجير في أي لحظة.
نترك الاسرة وننتقل إلى الدائرة الأوسع وهي المجتمع ، فالبطالة وسوء الأحوال المعيشية تؤدي إلى ارتفاع معدلات الجرائم المتعلقة بالمال مثل السرقة والاختلاس والنصب والتزييف وغيرها.
وهذه النوعية من الجرائم يمكن مكافحتها بتحسين الاوضاع المعيشية وتوفير فرص عمل ، وهو ما بدأت فيه الدولة بالفعل من خلال حزمة الإجراءات التي اتخذتها في السنوات الأخيرة مثل القضاء على العشوائيات وإخلاء المناطق الخطرة وبرنامج حياة كريمة ومعاش تكافل وكرامة وغيرها من برامج الحماية المجتمعية.
ونأتي إلى خطوة اخرى في طريق مكافحة الجريمة وهو العدالة الناجزة التي تمثل عنصر الردع الحقيقي لكل من تسول له نفسه بالخروج على القانون، فبطء الإجراءات القضائية وألاعيب المحامين في إطالة أمد القضايا تشجع المجرمين على التمادي في جرائمهم ، وتوغر صدور الضحايا وتدفعهم لاسترداد حقوقهم خارج اطار القانون.
هذه الجهود المجتمعية لمؤسسات المجتمع المدني لن تمنع الجرائم بنسبة 100 % ولكنها ستعمل على تقليل معدلاتها بنسبة كبيرة والتخفيف من حجم الضغوط الملقاة على عاتق الاجهزة الامنية التي تتحمل وحدها عبء مكافحة الجريمة بكافة صورها وأشكالها.