عصير القلم

معدلات الجريمة «صفر»

أحمد الإمام
أحمد الإمام

‭..‬مهلا‭ ‬عزيزي‭ ‬القارئ‭ .. ‬لا‭ ‬تظن‭ ‬أن‭ ‬عنوان‭ ‬المقال‭ ‬يمثل‭ ‬معلومة‭ ‬حقيقية،‭ ‬بل‭ ‬يمثل‭ ‬حلمًا‭ ‬مستحيلا‭ ‬وأمنية‭ ‬صعبة‭ ‬المنال‭ ‬لجميع‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬حول‭ ‬العالم‭.‬

فهل‭ ‬هناك‭ ‬مجد‭ ‬لأي‭ ‬جهاز‭ ‬أمني‭ ‬يساوي‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الجريمة‭ ‬بنسبة‭ ‬100‭ % . ‬

للأسف‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬هذا‭ ‬الحلم‭ ‬مستحيلا‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬بكفاءة‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بطبيعة‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬الأمارة‭ ‬بالسوء‭ ‬والتي‭ ‬تمتلئ‭ ‬بكل‭ ‬الصفات‭ ‬السيئة‭ ‬مثل‭ ‬الغيرة‭ ‬والحقد‭ ‬والكراهية‭ ‬والطمع‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬النقائص‭ ‬التي‭ ‬تجعلها‭ ‬بيئة‭ ‬خصبة‭ ‬لارتكاب‭ ‬كافة‭ ‬أنواع‭ ‬الجرائم‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬السرقة‭ ‬والنصب‭ ‬والاختلاس‭ ‬وصولا‭ ‬الى‭ ‬القتل‭ ‬والاغتصاب‭ ‬والتشويه‭.‬

بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬المعلومة‭ ‬الحقيقية‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الامنيات‭ ‬المستحيلة‭ ‬فهي‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬معدلات‭ ‬ضبط‭ ‬الجريمة‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬تدعو‭ ‬للفخر‭ ‬وتضع‭ ‬المنظومة‭ ‬الامنية‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬مرتبة‭ ‬متقدمة‭ ‬بين‭ ‬أقوى‭ ‬الاجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬مثل‭ ‬سكوتلانديارد‭ ‬البريطانية‭ ‬والشرطة‭ ‬الفيدرالية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وغيرهما‭.‬

ولكن‭ ‬كفاءة‭ ‬الاجهزة‭ ‬الامنية‭ ‬وحدها‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬براعتها‭ ‬لن‭ ‬تكفي‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬الجريمة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تحجيمها‭ ‬،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬مساعدة‭ ‬حقيقية‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدينية‭ ‬مثل‭ ‬الازهر‭ ‬والكنيسة‭ ‬،‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬مثل‭ ‬المدارس‭ ‬والجامعات‭ ‬،‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الاعلامية‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬مقروءة‭ ‬أو‭ ‬مسموعة‭ ‬أو‭ ‬مرئية‭.‬

لو‭ ‬أدت‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬دورها‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬المطلوب‭ ‬ستنخفض‭ ‬معدلات‭ ‬الجريمة‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬بعد‭ ‬تجفيف‭ ‬منابعها‭ ‬وروافدها‭.‬

لنبدأ‭ ‬من‭ ‬الأسرة‭ ‬،‭ ‬فالزواج‭ ‬المتكافئ‭ ‬الناجح‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬أطفال‭ ‬أسوياء‭ ‬يخدمون‭ ‬بلدهم‭ ‬وينفعون‭ ‬أنفسهم،‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح‭ ‬فالزواج‭ ‬الفاشل‭ ‬تنجم‭ ‬عنه‭ ‬مشكلات‭ ‬بالجملة‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬المشادات‭ ‬الكلامية‭ ‬بين‭ ‬الزوجين‭ ‬مرورًا‭ ‬بالضرب‭ ‬والاهانة‭ ‬وانتهاءً‭ ‬بالقضايا‭ ‬المتبادلة‭ ‬وأحيانا‭ ‬الجرائم‭ ‬الجنائية‭ ‬مثل‭ ‬القتل‭ ‬والتشويه‭ ‬،‭ ‬والنتيجة‭ ‬النهائية‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬أطفال‭ ‬معقدين‭ ‬نفسيًا‭ ‬كارهين‭ ‬للمجتمع‭ ‬وللحياة‭ ‬بأكملها‭ ‬وقنابل‭ ‬موقوتة‭ ‬منزوعة‭ ‬الفتيل‭ ‬قابلة‭ ‬للتفجير‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة‭.‬

نترك‭ ‬الاسرة‭ ‬وننتقل‭ ‬إلى‭ ‬الدائرة‭ ‬الأوسع‭ ‬وهي‭ ‬المجتمع‭ ‬،‭ ‬فالبطالة‭ ‬وسوء‭ ‬الأحوال‭ ‬المعيشية‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬الجرائم‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالمال‭ ‬مثل‭ ‬السرقة‭ ‬والاختلاس‭ ‬والنصب‭ ‬والتزييف‭ ‬وغيرها‭.‬

وهذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬يمكن‭ ‬مكافحتها‭ ‬بتحسين‭ ‬الاوضاع‭ ‬المعيشية‭ ‬وتوفير‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬بدأت‭ ‬فيه‭ ‬الدولة‭ ‬بالفعل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حزمة‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬اتخذتها‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬مثل‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬العشوائيات‭ ‬وإخلاء‭ ‬المناطق‭ ‬الخطرة‭ ‬وبرنامج‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭ ‬ومعاش‭ ‬تكافل‭ ‬وكرامة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬برامج‭ ‬الحماية‭ ‬المجتمعية‭.‬

ونأتي‭ ‬إلى‭ ‬خطوة‭ ‬اخرى‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬مكافحة‭ ‬الجريمة‭ ‬وهو‭ ‬العدالة‭ ‬الناجزة‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬عنصر‭ ‬الردع‭ ‬الحقيقي‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬تسول‭ ‬له‭ ‬نفسه‭ ‬بالخروج‭ ‬على‭ ‬القانون،‭ ‬فبطء‭ ‬الإجراءات‭ ‬القضائية‭ ‬وألاعيب‭ ‬المحامين‭ ‬في‭ ‬إطالة‭ ‬أمد‭ ‬القضايا‭ ‬تشجع‭ ‬المجرمين‭ ‬على‭ ‬التمادي‭ ‬في‭ ‬جرائمهم‭ ‬،‭ ‬وتوغر‭ ‬صدور‭ ‬الضحايا‭ ‬وتدفعهم‭ ‬لاسترداد‭ ‬حقوقهم‭ ‬خارج‭ ‬اطار‭ ‬القانون‭.‬

هذه‭ ‬الجهود‭ ‬المجتمعية‭ ‬لمؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬لن‭ ‬تمنع‭ ‬الجرائم‭ ‬بنسبة‭ ‬100‭ % ‬ولكنها‭ ‬ستعمل‭ ‬على‭ ‬تقليل‭ ‬معدلاتها‭ ‬بنسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬والتخفيف‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬الضغوط‭ ‬الملقاة‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الاجهزة‭ ‬الامنية‭ ‬التي‭ ‬تتحمل‭ ‬وحدها‭ ‬عبء‭ ‬مكافحة‭ ‬الجريمة‭ ‬بكافة‭ ‬صورها‭ ‬وأشكالها‭.‬


 

;