«إليك عنقي».. قصة قصيرة للكاتبة نجوى عبد الجواد

قصة قصيرة للكاتبة نجوى عبد الجواد
قصة قصيرة للكاتبة نجوى عبد الجواد

اليوم نقرأ الفاتحة ونتفق على الشبكة، سوف أطلب لك مهرا كبيرا يتناسب وجمالك وحسبك ونسبك.  لم أحاول إخفاء سعادتي البادية على وجهي لأن أمي ألقت إليّ بالخبر وخرجت. محمود قريبنا الوسيم الذى تتمناه جميع الفتيات، ما أسعدني.

نظرتُ لأمي وأنا أحاول أن أداري حزني: لماذا فسختِ الخطبة يا أمي؟ محمود شاب مهذب كان سعيدا بي، وهو قريبنا.

هذا المهذب تجرأ وقال مالم يقله أحد قبله.

ماذا قال؟!

انتقد والدك وتَرْكه زمام الأمور لي كما يقول، ودعاني أن أترك له الدفة وأعود إلى مكاني.!

: لا يقصد، سوف أجعله يعتذر لك.

: لن أقبل.

: لقد تحداني، يظن أن العرسان سيبتعدون بسببي، كيف قالها هذا الوقح؟!

: لكن يا أمي.

: انتهينا.

صوت حاد يخترق أذني، اعتدت عليه مع كرهي له، يزورنا كثيرا عم حمدي قريبنا، ويقطع سعاله المتواصل شكواه من زوجه التى كبرت وأولاده الجاحدين. كان صوت أمي عاليا ربما ليغطي على السعال ويصل إلى أذنيه، إنها ترغب في تزويجي قبل أن يخطب هذا المغرور- كما تقول عنه-، يهدأ السعال قليلا وبصوت مازح يقول عمي حمدي: خلاص أتزوجها أنا.

لم تمر لحظات وسمعتها تعطي الموافقة!

وجهه يعلوه الدهشة، وربما غاب بذهنه عن المجلس لدرجة أنه لم يسمع صوت ارتطام جسدي بالأرض.

: أتوسل إليك يا أبي إنه أكبر منك، أقبِّل قدميك يا أمي لا أريده .

: أنتِ صغيرة وأنا أدري بمصلحتك.

: أمي، أرجوكِ....

: زوجتك ابنتي

: وأنا قبلت.

أري في نظرات عمي حمدي شفقة وندم، سمعت أنه ذهب للشيخ يسأله هل ينفع أن أتزوج بابنه بعد العقد الذى تم، وكان النفي.

 

تعاطفت معي زوجه الأولي وأنا أدخل بيتهم قطة خائفة ترتجف يصاحبها سعال عم حمدي، أخذتني في حضنها، ولم أبرح هذا الحضن الدافيء شهورا عدة. لم يعجب هذا أمي خاصة بعد انتشار الخبر، وأجابها عم حمدي لما أرادت، فرحت بالتخلص من هذا القيد، وحزنت لأنني فارقت أبوي: حمدي وزوجه!

 

الآن بعد أن بلغت العشرين يخرج زوجي حسن- الذى قبلت به أمي بعد ثلاثة أعوام من طلاقي ورأته عريسا جيدا - لمن في مثل ظروفي - إلى عمله ويحسن إغلاق الباب بالمفتاح بعد أن حلف يمينا ألا أنظر من شباك ولا أدخل بلكونة، بعد أن سمع شباب عائلته يمتدحون جمالي ويغنون أغنية الغراب واليمامة. من البداية قال لي إما السمع والطاعة وإما جوار أمك الحاكم بأمره. تباعدت زيارات أهلي حتى كادت تنقطع وساءت علاقته بهم ولزمت البيت وانضمت إليّ ابنتاي! لاخروح بعد المدرسة مطلقا ولا اختلاط بأهل ولا جيران. أما ابني فهو الحارس الأمين على تنفيذ أوامر والده!

 

ظن الجميع أنني أبكيها، والحقيقة أنني أبكي حالي، ولم أجد كلمة رثاء أودِّعها بها! قبل أن أعود مع حارسي إلى سجني الأبدي الذى ضم معي خريجتي جامعة هما سر بقائي في هذه الحياة . وذات صباح انكسر القفل وفُتح الباب علي مصراعيه؛ ليخرج سجاني منه للمرة الأخيرة إلى حيث يسأله ربه عما جنت يداه. أحملق في الجمع ، أكاد لا أعرف الغالبية، وهم كذلك يبحثون عن فاطمة فلا يجدونها، ذهول يسيطر على كل من يتعرف على صاحبة هذا

الهيكل! إنها فاطمة، معقول هذا!

 

أدس قدمي في الحذاء، لا يطاوعني، نسيت كيف يلبس وكيف أمشي به وقعت مرة ومرات وأنا أهرع إلى الخارج مع شروق الشمس ونسمات الصباح الأول بلا متاريس ولا أقفال! انطلقت أتلفت حولي، القرية تغيرت، لمن هذه البيوت؟ هل سأعرف طريق بيوت أهلي! ؟

بمن سأبدأ؟ والدىّ ماتا والبيت مغلق، أعمامي ماتوا ولا أعرف الأجيال الجديدة، أخي سكن القاهرة منذ سنوات، أختي، هي أختي، معذورة، لم تأت العزاء، زوجها السبب، أحفظ الطريق لبيتها هممت مسرعة، عيناي أظنهما تلمعان بالسعادة ثم، ثم توقفت ،... ماذا لو غضب زوجها من زيارتي المبكرة هذه،؟ وماذا يقولون: تركت عزاء زوجها وجاءت تزورنا.! . سوف أعود.. وجوه كثيرة بدأت أراها من تحت النقاب، اليوم سوق وبدأ توافد الجميع عليه، كان المرحوم يذهب للسوق مبكرا.. المرحوم! إنه اليوم الثاني ربما أقبل أهله الآن إلى البيت، بالتأكيد استيقظ الدكتور، لابد من العودة، أين الطريق؟ هل تهت؟! من فضلك بيت المرحوم حسن مفضل. أشار يمينا فيسارا.

 أمامي واقفا يقفز الغضب من عينيه: أين كنتِ؟ ولم خرجتِ في هذا التوقيت ولوحدك ودون علمي؟! .

: اخفض صوتك الناس تسمعنا.

: يهم بضربها، تصرخ :ليس لك سلطة عليّ، لقد خرجت وأختي من هذا السجن. تدخلت: اهدأ يا بني أرجوك اهدأ.

 صرخ: لن يتغير شيء بموت أبي، ليكن هذا مفهوما للجميع. خلعت حذائي، ألقيت به بعيدا، أغلقت الشباك كما كان من قبل، والتفتُ إليه معتذرة: لا تغضب، كلامك فوق رأسي، لن أخرج قبل إخبارك هذا إن خرجت يوما، فقط أتوسل إليك إن كان لي عندك خاطر يا بني،

لا تحكم غلق الباب عليّ، واسمح لي أن أتنفس.