«بصْقة».. قصة قصيرة للكاتب محمد المراكبي

 قصة قصيرة للكاتب محمد المراكبي
قصة قصيرة للكاتب محمد المراكبي

نظر إلي فزعا لما صدمته بسيارتي، لا أدري كيف تحملت منه تلك النظرة  وهو يسقط  مختفيا دونما تأوه .كانت نظرة طويلة رغم أنها كانت في حقيقتها خاطفة، نظرة لم أنسها  أبدًا،  بعدها سقط الطفل لا أدري أين،  لكن يبدو أنه بين الإطار وبين الأسفلت .

تسمرت على المقعد أخذت آكل أصابعي،  ينتابنى شعور باليأس والندم، لقد كنت متأكدا أني سأصبح يوما ما قاتلا، فلعنة المعصية تفجأني وتظل تطاردني،  وأنا لا أكف، لقد كنت أسوف وأماطل .

تجمع الخلق حولي، وتاه صياحي وسط الضوضاء واختفى الطفل وسط الزحام .

أنا لا أعلم من أين جاء كل هؤلاء، لقد أتوا كأنهم آتون ليشاهدوا فيلما في أحد دور السينما كل منهم يحتل موقعا يقف فيه على أطراف أصابعه ينظر من فوق أكتاف الآخرين، كان البعض ينظر إلي لائما والبعض الآخر ينظر مشفقا.

ناديت لا أعلم من أنادي، كنت أبتغي بذلك أحدا يطمئنني، لكن لم يرد علي أحد؛ كانوا مشغولين في اللاشيء، أحسست كأني قزم غريب فى غابة كلها من العمالقة الأشرار،  أو كأني قشة داخل دوامة مجنونة تدور معها وهي علي وشك أن تبتلعها. كنت أخشى أن يحطموا السيارة أو يتحرشوا بي، دعوت الله ألا يفعلوا، فالسحجات لم تزل تؤلمني منذ آخر مرة.

استدعى أحدهم الإسعاف لا أعلم إن كانت ستأتي سريعا أم  أنها ستتأخر كعادتها.علي إذن أن أحمله في السيارة وأن أذهب به إلى أقرب مستشفى.

ظهر الطفل تحمله أمه، تجاهلتني كأني غير موجود، لا أدري إن كان ذلك لوما لي أم اعتذارًا عن إهمالها بحق وليدها .

لم يسكن خفقان قلبي وأخذت أسترجع ما مضى من حوادث, إنها رغم تكرارها إلا أنها غير قادرة علي إرجاعي إلى الحق، على حتما أن أقاوم رغباتي بعض الشيء رأفة بالناس في الشوارع ؛ فما دمت عاصيا فكل الناس من حولي في خطر. لقد بدأت معي بفئران وقطط وجراء صغيرة، كنت أنظر في المرايا لا أعرف ما حدث لها، كنت ألمح أشباحا تحاول النهوض بهمة، ثم تواصل طريقها كأن لم يكن شيء.

 إني أقود السيارة وأنا أعلم أن ضحيتي القادمة تمشى بين هؤلاء الناس، لا يعلم أحد منهم أني أنا السفاح الذي يضرب كل يوم شخصا ما أو شيئا ما.

 كنت أنا وحدي من يعاقب على عشقي لها، أحمل عنها أوزارها فلقد كانت تقاومنى وكنت أنا من يدفعها إلى الرذيلة دفعا، لم يردعنى من الأقدار الحنان ولم يكبح جماح نفسي منها الصبر.

 

نظرت في المرآة، بصقت على صورتي فيها فعلت ذلك لأوهم نفسي باضجاري من ذنوبي، أخال أني سيغفر لي بشفاعة تلك البصقة.

حملت الطفل وأمه في السيارة، حملتهما ودموعي تسيل ليس من حال الطفل فحسب لكني كنت أبكي أيضا على حالي. وعلى قلبي الذي يقترب من قلوب الفجار، حينها أقسمت أن أنساها.

اندفعت بالطفل وأمه بأقصى سرعة أريد أن أهرب، كنت أخشى أن أصدم أحدا ما، نعم فلقد حدث ذلك معي من قبل مرات، اقتربت بعدها من الله قربي من الوتين، هكذا كنت دائما أقترب  سعيدا بطمأنينة التوبة ثم أبتعد نشوان بلذة المعصية.

نظرت إلى  الطفل وهو في حجر أمه يضحك ضحكة رائقة أكدت عليها بممازحته، نسيت كل ما حدث من الطفل ومني، تذكرت معشوقتى هاتفتها واستدرت بالسيارة لنتقابل كعادتنا عند المنعطف.