«أبله عفاف».. قصة قصيرة للكاتبة نجوى عبد الجواد

«أبله عفاف» قصة قصيرة للكاتبة نجوى عبد الجواد
«أبله عفاف» قصة قصيرة للكاتبة نجوى عبد الجواد

على جنب يا بنت، تفزع من صوت السائق وتهرع إلى الرصيف وتحتمي بحائط المدرسة وتعود لتفتيش حقيبتها من جديد.

مفيش الجنب ده اللي فيه الكتب هشوف في جنب السندوتشات، تخرج يدها ممسكة بشيكولاته بجوز الهند تضعها في فمها متلذذة بطعمها وتبتسم" أبلة عفاف". تتحول الابتسامة إلى تجهم، لا حركة، لا نفس، العصا لمن عصى ومن يقدم على عصيان هذا الِكشِر.

يعيدها طعم الحلوى للتبسم والبحث في الحقيبة مرة أخرى. أخيرا خرجت بكنزها وأحكمت قبضتها عليه وواصلت السير. تقترب، وتقترب تركز نظرها على السعر تضع الرقم داخل رأسها وتثني أصابع يديها وتحرك شفتيها بأرقام، تظهر الفرحة على وجهها وبخطوات مترددة تقترب: عاوزه إيه يا ماما.

صوتها يتغلب على خجلها: اتنين كيلو برتقال.

: معاكي تمنهم؟!

: أيوه.

أصغر الأحجام توضع لها في الكيس، يضعها ابن البائع، يظهر غضبها الصامت، ينتصر عمو الكبير لها "نقِّي كويس. حضنت كيسها سعيدة". البرتقال مفيد جدا وخصوصا في الشتاء لازم تاكلوه وتشربوه عصير "يبقى هتعجبها الهدية. تشارك الطيور تحليقها ولا يأخذها من بينهم إلا الزحام.

زحام زحام، تنظر إلى الناس حولها بريبة، تعود وتطمئن نفسها" لسه أذان الظهر "كان زماني في البيت بعد شوية، هيقلقوا ويزعلوا لو أتأخرت. هشوفها من ع الباب وأرجع جري.

تهاب البيت لكنها تقدم وتصعد السلم بقلب تزداد نبضاته ووجه يزداد خجله. 

على أطراف أصابعها تقف وتنجح في رن الجرس. رنة بسيطة. لا إجابة. تهبط السلم وتعود لترن مرة أخرى يأتيها صوت ضعيف لكنه كزقزقة العصافير بالنسبة لها، صوت جميل مثل صاحبته. ابتسامتها تتسع وتتسع: نوجة حبيبتي أنت جايه لوحدك!؟

أمد يدي بالبرتقال فتفتح ذراعيها وتحتضني وكيسي. نسيم، نسيم تعالي سَلِّم على نوجه تلميذتي.

أهلا نوجه مشرفانا، عفاف بتحبك أوي ودايما تكلمني عنك.

يكاد قلبي يقفز من صدري: وأنا كمان بحبها زي ماما. مش عارفه ليه حسيت إنه زعل، أنا مقلتش حاجة تزعله. أتت ومعها الحلوى والعصير وعروسة! وورقة كبيرة.

: خدي يا نوجة اشربي العصير وحطي الشيكولاته والعروسة في الشنطة.

 : أيوه بس ؟

: مفيش بس، أنا لازم أهاديكي أنا كمان، والورقة دي سر بيني وبينك.

: سر؟!

: آه

أنت دلوقتي بدالي، كل يوم تقولي للفصل يكتبوا الدرس ويحلوا الأسئلة زي ما مكتوب في الورقة بالضبط.

ملأني الفخر والزهو، أنا مكانها في الفصل! أنا أبلة!

تضع العروسة بجوارها في السرير، أنا عملت الواجب قبل العيال وبكره هبقي الأستاذة اللي تقولهم على الواجب وهم يسألوني كام مرة وكام سؤال ومش عارفين نحل السؤال ده....

وأنت كمان تسمعي كلامي زييهم يا عفاف علشان مزعلش منك.

احتضنت العروسة وهي تحلم بالغد، هي أسعد من أطفال أبلة فضيلة وعمو فؤاد وجدو عبدو وماما نجوى هي أسعدهم جميعا لأن عندها أبلة عفاف وهم لا.