..الجشع والطمع صارا اسلوب حياة لدى بعض ضعاف النفوس الذين اقسموا على ملء خزائنهم بالمال بقدر ما يستطيعون بغض النظر عن المعاناة التي تسببوا فيها لآلاف البشر الذين تحولت حياتهم إلى جحيم بسبب موجة الغلاء الشرسة والمفتعلة التي طالت كل جوانب الحياة.
ولكنني لم أتصور أن يمتد الطمع والجشع إلى الفن ويحوله إلى سلعة تباع وتشترى.
كنت شاهدا عيان على واقعة مؤسفة أو بمعنى أدق جريمة نصب تتعلق بأرقى انواع الفنون وواحد من أعظم الموسيقيين في الوقت الراهن وهو الموسيقار عمر خيرت
دعوني أبدأ من البداية التي كانت منذ شهر تقريبًا وتحديدًا في يوم 28 يوليو الماضي عندما تم الاعلان عن إقامة حفل للموسيقار الكبير عمر خيرت في أحد الفنادق الكبرى بالتجمع الأول.
سارعت بحجز تذكرتين وخاصة أن حضور حفلة للموسيقار عمر خيرت كانت تمثل رغبة قديمة لزوجتي ولي أيضا.
وفي اليوم المحدد اصطحبت زوجتي وتوجهنا إلى مكان الحفل الذي كان مقررًا انطلاقه في السادسة والنصف مساءً.
وهنا تعددت الصدمات واحدة تلو الأخرى بصورة مفزعة أفسدت استمتاعي بالحفل الذي كنت انتظره بشغف واترقب موعده بفارغ الصبر ممنيًا النفس بوجبة موسيقية دسمة تغسل آذاننا وأرواحنا من التلوث السمعي اليومي الذي نعيشه ونكتوي بناره في صورة أغاني مهرجانات وموسيقى «الخبط والرزع».
الصدمة الأولى التي تلقيتها كانت في عدم استيعاب ساحة الانتظار لعدد السيارات الكبير وهو امر متوقع في أي حفل لعمر خيرت ولكن الشركة المنظمة للحفل لم تدرك ذلك أو لم تهتم اساسًا.
وكان مقدرًا ان انتظر داخل سيارتي في طابور طويل يمتد الى كيلو مترين تقريبا حتى نجحت في النهاية في الوصول إلى ساحة الانتظار المواجهة لبوابة الفندق مباشرة ، وركنت سيارتي في ساحة الانتظار ولكنني فوجئت بالسايس يطالبني بدفع ١٠٠ جنيه دفعة واحدة مقابل السماح لي بركن سيارتي في ساحة الانتظار.
وعندما سألته عن سبب المبالغة في تعريفة الانتظار أجاب ببجاحه في استغلال واضح للظروف «عشان الحفلة يابيه» !
وكانت الصدمة الثانية في مشهد تكدس الجمهور أمام البوابة المؤدية للقاعة في طوابير طويلة بدون أدنى احترام لآدمية البشر الذين جاءوا بحثًا عن متعة راقية على الرغم من أن الحل كان بسيطًا للغاية وهو زيادة عدد المداخل المخصصة لدخول الجمهور!
المهم.. بعد معاناة شديدة دخلنا إلى القاعة وهنا كانت الصدمة الثالثة حيث فوجئنا بأن القاعة التي لاتستوعب أكثر من 1٠٠٠ شخص تم حشر ما يقرب من 4٠٠٠ أو يزيدون بداخلها وأضيف إليها مئات الكراسي المتلاصقة بشكل أثار استياء الحضور الذين وجدوا صعوبة شديدة في الوصول لمقاعدهم ، فضلا عن أن أرضية القاعة كانت مستوية بخلاف ما تم الاعلان عنه عند حجز التذاكر أن المقاعد المخصصة للجمهور ستكون متدرجة حتى يستطيع الجالسون في الصفوف الخلفية مشاهدة المسرح بوضوح.
وزاد من حجم المأساة تأخر انطلاق الحفل لأكثر من ساعتين وهو الأمر الذي أخرج الحضور عن شعورهم وصبوا غضبهم على منظمي الحفل الذين أفسدوا كل شيء بطمعهم وجشعهم ورغبتهم في مضاعفة أرباحهم على حساب راحة الجمهور وسمعة موسيقار كبير بحجم وقيمة عمر خيرت الذي أعلن انسحابه من الحفل بسبب سوء التنظيم وأصدر بيانًا على صفحته الرسمية جاء فيه «يعلن الموسيقار عمر خيرت عن انسحابه من الحفل الذى كان مزمع اقامته اليوم في فندق كمبنسكى نظرًا لسوء تنظيم الحفل من قبل الشركة المنظمة وعدم احترامها له ولجمهوره.. ذلك ويعتذر الموسيقار لجمهوره عما حدث ويعتبر ذلك غير لائق بالجمهور أو به والفرقة الموسيقية.
وما أن تم الاعلان عن انسحاب الموسيقار عمر خيرت وفرقته من الحفل حتى تفجر بركان الغضب بين الحضور وخاصة أن بعضهم كان يمني النفس بانطلاق الحفل رغم كل السلبيات السابقة، وبدأوا في صب غضبهم على موظفي الشركة المسئولة عن التنظيم وبدأت معركة جديدة مع الشركة المنظمة لاسترداد أموالهم.
وتم اقتياد أحد مسئولي الشركة إلى قسم شرطة التجمع الأول لتحرير محضر بالواقعة وحفظ حقوق الجمهور في استرداد قيمة تذاكرهم.
وبدأ بعض الحضور في توجيه اللوم الى الموسيقار عمر خيرت نفسه ومطالبته بالتدخل شخصيًا لإعادة قيمة تذاكرهم أو تنظيم حفل آخر بنفس التذاكر، وخاصة انهم جاءوا خصيصًا من أجله وليس لهم ذنب في سوء اختياره للشركة المنظمة للحفل.
وأمام هذه الضغوط الجماهيرية اضطر الموسيقار عمر خيرت لاصدار بيان آخر جاء فيه « جمهورنا الغالي .. نقدّر محبتكم وتقديركم ونتفهم تمامًا التجربة السيئة التي مررتم بها وهى اول وآخر مرة تحدث.. لذا نُطمئن حضراتكم فنحن الآن بصدد اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة ضد الشركة المنظمة والتي أساءت للحفل ولجمهورنا والمطالبة برد قيمة التذاكر لكافة الحضور.
وبدأت النيابة تحقيقاتها بالفعل في البلاغات المقدمة من جانب كبير من الحضور وتم استدعاء رئيس الشركة المنظمة للحفل لتحديد الأسباب التي أدت إلى إلغاء الحفل وكيف سيتم استرداد حقوق الجمهور الذي اشترى تذاكر في الحفلة الملغاة.
وغادرت الفندق مع زوجتي حزينًا وآسفا .. ليس فقط من أجل المبلغ الكبير الذي دفعته في مقابل التذاكر ولكن بسبب حالنا السيئ وكيف تسبب الجشع في إفساد حياتنا بالكامل .. حتى لحظات استمتاعنا بالفن الراقي حرمنا منها حفنة من الطماعين الذين أصبحوا يتعاملون مع الفن أيضا باعتباره سلعة تباع وتشترى شأنها شأن آلاف السلع الأخرى التي طالها الجشع والاستغلال.
هل أصبحنا عاجزين عن تنظيم حفل موسيقي ونحن أهل الفن والحضارة وبجوارنا دول أخرى كانت تحبو للحاق بركب الحضارة وصارت تنظم احتفالات عالمية مبهرة بمنتهى الاحترافية لا تشوبها شائبة ولا تشهد أي أخطاء تنظيمية.