أوراق شخصية

عشوائية الزيادة السكانية

أمال عثمان
أمال عثمان

طالبتُ الحكومة فى مقالى السابق بالتحرك بمنتهى الجدية والسرعة، لمواجهة معضلة الزيادة السكانية الرهيبة، وإيجاد حلول حاسمة وجادة لتلك القضية المصيرية المعقدة، إذا كنا حقاً نريد إنقاذ بلدنا من ذلك الوحش الكاسر، فلا يمكن لبلد يعيش نصف سكانه حول خط الفقر أو تحته، أن يتقدم وينمو وهو يستقبل مولوداً كل 14 ثانية، و256 مولوداً جديداً كل ساعة، وهذه المعدلات تعنى أن يصل تعداد السكان بعد أقل من 29 عاماً إلى 193.3 مليون نسمة، أى زيادة تساوى عدد سكان كندا والسعودية والبرتغال مجتمعين!! 

الأمر الغريب حقاً أن الطبقات الأوفر حظاً فى التعليم ومستوى المعيشة تكتفى بطفل أو اثنين على الأكثر، بينما تتسابق الطبقات الفقيرة والمعدمة على الإنجاب، دون أن تمتلك الحد الأدنى الذى يمكنها من توفير حياة كريمة لأطفالهم، ظناً منهم -وبعض الظن إثم- أن كل «عيل» يأتى برزقه، وأن الطفل استثمار أو يدٌ عاملة، وينتهى الحال بأولئك الأطفال فى الشوارع، متسولين أو بلطجية ومجرمين! ولا يقتصر الأمر على الطبقات الفقيرة فحسب، بل تدخل الطبقات الجاهلة التى تتمتع بالثراء على خط السباق، بما لديها من معتقد أن الأبناء العزوة والسند، دون اهتمام بمستوى التعليم والثقافة والأخلاق، وبذلك نجد أن ميزان الزيادة المختل يميل لصالح الطبقات العشوائية والفاسدة.

إن مصر تحتل المرتبة الثامنة عالمياً من حيث عدد المواليد سنوياً، والأولى عربياً فى عدد السكان، ونصف تعداد سكانها تحت 25 سنة، أى أنهم يحتاجون إلى أربعة أضعاف القدرات الحالية لتوفير التعليم المجاني، و9 أضعاف الخدمات الصحية، وأكثر من 5.6 مليار دولار لتوفير فرص عمل لـ900 ألف شخص سنوياً، ونحو تريليون دولار لتحسين الحالة المعيشية، ورغم كل ذلك نجد الحكومة تكتفى على مدى عقود بالتحذيرات من تبعات تلك الزيادة الكارثية، والتلويح بالاكتفاء بطفلين فقط من خلال الحملات الإعلامية، بداية من «حسنين ومحمدين» إلى «اتنين كفاية»، معتبرة أن تلك الحملات والبرامج قادرة على «التصدى» لسباق المواليد الرهيب الذى ينهش موارد الدولة، ويلتهم الأخضر واليابس بلا رحمة.

أعلم أن أسباب تلك المعضلة الكارثية لا تقتصر على تدهور مستوى التعليم، وإنما تأتى التفسيرات الدينية المغلوطة على رأس قائمة الأسباب، وفى هذا حديث آخر..