يوميات الاخبار

تكليف جديد من الشعب للرئيس

علاء عبدالهادى
علاء عبدالهادى

التاريخ ملىء بالعبر والدروس، ومن دروسه أن نصف الطريق إلى النصر يبدأ بقائد يخترق الصفوف، ويتقدم المترددين ليقول كلمته، ويحشد الناس ليكونوا على قلب رجل واحد، ويكونوا أشبه بصخرة تتفتت عليها كل محاولات الأعداء.

هذا ما يقوله التاريخ منذ مينا موحد القطرين، وانتهاء بعبدالفتاح السيسى الذى فزع إليه كل مصرى غيور على بلده، وكلفوه تكليفا بإنقاذ المركب قبل أن تبتلعها الأمواج بغير رجعة.

القادة العظام لا يلتفون على التكليف.. ينصاعون لإجماع شعوبهم.. ولا يحنثون بقسم حماية التراب الوطني.. وبالفعل لبى السيسى النداء وتصدى لمهمة الانقاذ، وبفضل الله، بقيت مصر قوية عزيزة متماسكة وسط محيط إقليمى تداعت أغلب أركانه، وبقيت راية مصر خفاقة.. وانتقل السيسى من ميدان إلى ميدان يبنى، ويعمر على أسس قواعد سليمة تستهدف جمهورية جديدة تليق بمصر حاضرها، وحضارتها، وتليق  بطموحات وأمانى المصريين.

الآن نحن فى مفترق طرق ولازالت المعركة- معركة البناء والتنمية- مستمرة وقائمة.. فهل يترك السيسى ميدان المعركة، ويكتفى بما حقق من انجازات فى شتى المجالات، أم يستجيب لرغبة من استصرخوه قبل عشر سنوات؟!.

فى تقديرى أن الرئيس السيسى من نوعية القادة الذين يتميزون بالجلد والصبر، والقدرة على مواجهة الصعاب والأهم من كل هذا وذاك ادراكه ووعيه أنه لا يزال فى ميدان المعركة، يخوض كل يوم معركة جديدة، قد تختلف أشكالها وصورها، ولكن فى أعماقه لا يهدأ ولا ينام، ولا يجنح إلى السكون والرتابة.

الآن نحن على أعتاب انتخابات رئاسية جديدة.. ولم يعلن الرئيس السيسى رسميا حتى الآن أنه سيخوضها، ما أنجزه يكفيه شرفا، بل يكفيه فقط انقاذ مصر من احتراب أهلى وشيك كان سيعقبه انهيار اركان الدولة، شرف لايدانيه شرف.

ولكن كما قلت نحن فى مفترق طرق، ولازالت كثير من الملفات والتحديات الصعاب التى خاضها السيسى تحتاج إلى رؤيته، وهمته لكى يستكملها.

أسس للجمهورية الجديدة، والآن من حقنا عليه ،بعد أن وضع لبناتها، أن يستكمل أركانها حتى نراها ونعيشها ونبدأ فى جنى ثمار ما وعدنا به.. وهو لم يحنث يوما بوعد وعده لنا.

التحديات الاقتصادية الصعبة التى نمر بها- ويمر بها العالم- أدعى لأن نطلب من الرئيس السيسى أن يستمر فى أداء مهمته.. ولا يكتفى بما حقق من انجازات.. السيسى عندما جاء أول مرة، لم يأت لهوى أو لرغبة خاصة.. فمنتهى أمل كل القادة العسكريين العظام أمثاله هو أن يكون على رأس المؤسسة العسكرية، وهو ما تحقق له بالفعل قبل أكثر من عشر سنوات. ولكنه تقدم فقط من أجل انقاذ الوطن.. فهذه هى المهمة المقدسة الأولى للجيش.. سواء كان التهديد من الخارج أو من الداخل.

اذا كان الرئيس لم يأت فى المرة الأولى إلا استجابة لرغبة شعبية طاغية، فى رأيى أن هذه الرغبة لاتزال قائمة.. وإذا كانت التهديدات - تهديدات البقاء والأمن - قد تراجعت أو اختفت فهناك تحديات أخرى لا تقل إلحاحا لكى يتصدى لها الرئيس السيسى بنفس العزيمة والجلد والمقدرة اللا محدودة.

السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى ظنى أننا فى أوج معركة البقاء، ولا زلنا نرى قدح سنابك الخيل فى معارك نخوضها كل يوم..  معركة بناء الجمهورية الجديدة لازالت مستمرة.. دعنا نصل معك، وبك إلى داخلها لا تتركنا على أعتابها.. وتكتفى بشرف ما انجزت.

السيد الرئيس ادعوك باسمى واسم أبنائى وأحفادى أن تستكمل مهمتك التى كلفناك بها وبدأتها فى ٢٠١٣ وتقدم لخوض معركة انتخابية نزيهة، أتمنى أن تفوز بها حبا فى بلدى.

الغيطانى وأصلان والعبد لله

قال الغيطانى لأصلان الذى يتأبط ذراعه من ناحية، وذراعى من ناحية أخرى: اترك لى نفسك وسوف أدعوك لجلسة تشرب فيها أفضل شيشة يمكن أن تتذوقها فى حياتك فى مقهى أثرى عمره مئات السنين.

كان ذلك فى نوفمبر من عام 2011، عندما اختارت الحكومة التركية مصر لكى تكون ضيف شرف معرض اسطنبول الدولى للكتاب فى أول دورة له بعد أن اكتسب الصفة الدولية.. وذهبت مصر بوفد ثقافى رفيع كان على رأسه د. عماد الدين أبو غازى وزير الثقافة فى ذلك الوقت وشارك فيه د. أحمد مجاهد عندما كان على رأس الهيئة المصرية العامة للكتاب.. وكان هناك وفد ثقافى رفيع أتذكر من بينهم الأديب الكبير جمال الغيطانى والروائى والقاص ابراهيم اصلان.

اكتشفت فى هذه الرحلة وجهاً لقوة مصر الناعمة لم أكن أعرف عنه شيئاً، يتمثل فى صناعة السينما المصرية التى كانت فى وقت سابق رائجة لدى الاتراك وكان فريد شوقى مثلاً ملك "الترسو"أيضاً فى تركيا كما كان فى مصر والعالم العربى، قبل أن "تنقلب الآية" ويقع العرب أسرى الدراما التركية التى تقوم فى جوهرها على توظيف جماليات الصورة، سواء فى اختيار أماكن التصوير أو فى اختيار الأبطال.

أعود لما أريد أن أتحدث عنه.. أعود إلى الصحبة الثلاثية − الغيطانى وأصلان والعبد لله − والتى أصبحت رباعية بانضمام د. أبوغازى إلى هذا المقهى الأثرى الذى صعدنا إليه عبر طريق ضيق معبد ببلاط أسود من البازلت يشبه حوارى الإسكندرية القديمة، صعدنا إليه بعد زيارة إلى البازار أو السوق المصرى الأثرى الذى يعد أحد أهم الأماكن التى يجب أن تزورها وتتسوق منها إذا كتبت لك زيارة اسطنبول القديمة التى تشبه الدجاجة التى تبيض ذهباً للأتراك.

أخيرا صعدنا بعد أن اشترى ثلاثتنا فى طريق الصعود بعض الهدايا ذات الطابع التراثى والمرتبطة بالمكان: الغيطانى اشترى خاتماً من الفضة الخالصة بحجر حر لونه أحمر لا أتذكر اسمه دخل فى نقاش تفصيلى مع بائعه عن نوعه واصلان شنطة جلد طبيعى استوقفنى غلاء سعرها ، واكتفيت أنا بشراء كوز ذرة مشوى كانوا ينادون عليه ب "مصر" نعم كوز الذرة اسمه مصر، كما اشتريت أبو فروة، أو كستناى مشوى .

قام الأستاذ الغيطانى بدور المرشد السياحى من هذا  المكان الأثرى، وفى الخلفية مقابر أثرية.. هنا يتعايش الناس مع الآثار.. هى جزء من حياتهم.. والحفاظ عليها هو فى الوقت نفسه.. حفاظ على أكل عيشهم اسمها "على باشا مدرسة" ، إذا لم تخوننى الذاكرة.. هناك تجد التاريخ حيا يسير على قدميه.. يتنفس ويمتلك أسباب البقاء.

كان الجو بارداً لكن حديث الحضور أشاع الدفء فى المكان.. وتحدث الأديب الكبير إبراهيم أصلان بروح الدعابة عن ذكرياته مع الشيشة، والمصنع الذى كان يصنعها من قشر البطاطس.. وضحكنا كثيرا ولكن دفة الحديث اتجهت إلى منحى جديد عندما قررت أن أقوم بدور المشاغب، و"انكش"، أستاذى جمال الغيطانى عن سر اعجابه بما فعله الأتراك فى الحفاظ على آثارهم وابقائها حية متداخله مع النسيج العمراني، وليكون كل منهما سببا من أسباب بقاء الآخر فى الوقت الذى وقف فيه هو وآخرون على رأسهم الراحلة نعمان الزيات ضد تنفيذ مشروع تطوير منطقة باب العزب الأثرية بالقرب من قلعة صلاح الدين الأيوبي.

لماذا هذه الحكاية الآن؟ ولماذا اتحدث عن زيارة لمقهى أثرى عمره مئات السنين فى دولة أخري.

الحديث عن التراث بمعناه الحقيقى والشامل حاضر وحى فى الدول ذات الحضارات مثل مصر التى هى مهد الحضارة الإنسانية، الآخر يعرف ذلك ويعيه ويدركه، ربما أكثر مننا، لذلك لم يكن غريبا أننا الدولة الوحيدة التى لها علم يحمل اسمها وهو علم الايجبتولجى أو علم المصريات.. وكل متر مربع من هذه الأرض يحمل تحت ثناياه تراكما حضاريا يمتد عبر آلاف السنين.. لذلك فيجب أن نكون على دراية كاملة بالنقطة التى سيضرب فيها أى ممول.

الدولة مدركة، لهذا تماما، ومصر من الدول المؤسسة والفاعلة فى منظمة اليونسكو ولم يكن افتتاح وزارة الثقافة مؤخرا لبيت التراث إلا تعبيرا عن اهتمام الدولة والحكومة بهذا التراث بكافة أشكاله: مادية كانت أو غير مادية.

ولكن...

ولأن مصر غنية ثرية بتراثها كما قلت ولديها ما ليس لدى غيرها، فيجب أن نحسب ونتأنى فى كل خطوة نخطوها للتطوير، والتحديث والأخذ بأسباب العصر.

التحدى صعب، وليس مستحيلا.

هذا الجدل الدائر، وبقوة فى عالم التواصل الاجتماعى حول الحدود الفاصلة بين حالة قيمة تراثية تستوجب الحفاظ عليه وبين ما هو ركام، وحجارة غشيمة لا قيمة لها.. هذا الجدل − إذا ما خلصت النوايا واستبعدنا المندسين من الطابور الخامس −، أراه ايجابيا فى أحد جوانبه. لأنه يعكس اهتماماً عاماً بقضايا التراث والحضارة فيجب أن نسمع ونعى، ونتبادل الآراء.

من السهل لأى دولة أن تبنى برجا بأحدث المواصفات القياسية، متى توافرت لديها أسباب البناء: أرض، ومهندسين، وتمويل ولكن من أين تشترى تراثا عمره آلاف السنين ضارب فى أعماق التاريخ؟!

فى ميزان الحضارة:

أثر من آثار شارع المعز ترجح كفته أمام كفة أمريكا بجلالة قدرها!!

زيارة  لـ" الكالت نت"

اعترف بالتقصير لأننى أعمل فى مجال الصحافة الثقافية منذ أواخر التسعينيات، وهذه أول مرة أزور فيها "الكالت نت"  هذه المنشأة الثقافية الحديثة التابعة لمكتبة الإسكندرية، وعلى رأسها أستاذ علم الاجتماع الدكتور أحمد زايد.. ما رأيته وسمعته من الدكتور أيمن سليمان فى مقرها بالقرية الذكية بالشيخ زايد أسعدنى وشرح صدرى وطمأننى على التراث− الذى نحن بصدد الحديث عنه− فالكالت نت معنية ببساطة بتوثيق التراث الحضارى والطبيعى المصرى باستخدام أحدث تقنيات العصر التى تخاطب الصغير والكبير منها استخدام الواقع المعزز، الذى يتيح لطفل صغير أن يزور مثلاً مقبرة توت عنخ آمون بل ويمسك بيده −الافتراضية− القطعة الأثرية ويتعرف عليها من كل الجوانب، ويسمع عنها معلومة متكاملة، بل ويلتقط معها صورة للذكرى.

خبراء الكالت نت، ابتكروا "كالتشراما"، وهى شاشة تفاعلية فريدة تتيح تتبع التاريخ والحضارة المصرية عبر الصور بطريقة مبهرة فريدة ،"الكالتشراما"، مثلت مصر فى عدة معارض دولية وتم انشاء نماذج لها فى عدة أماكن منها مثلاً شاشة خاصة بقصر البارون.

خبراء "الكالت نت"، كما فهمت من د.محمد سليمان رئيس قطاع التواصل بمكتبة الإسكندرية لديهم العديد من المشروعات التى ينفذونها مع السياحة والآثار، وحتى مع وزارة الزراعة تبلورت فى توثيق فريد لحديقة الحيوانات ولحديقة الأورمان، وأيضا فى تنفيذ بانوراما لتراسها العسكرية المصرية على مر العصور.. ليس هذا فحسب فكل المواقع القبطية تخضع لهذا العمل العلمى الفريد تماما كما نجحوا فى انجاز ذاكرة الأزهر الشريف.

شكرا لمكتبة الإسكندرية هذه الإنجازات التى لا تحظى بما تستحق من تسليط الضوء رغم أهميتها لذاكرة هذا الوطن.