«الأراجوز» قصة قصيرة للكاتب سمير لوبه

صورة موضوعية
صورة موضوعية

 عم عليوة  كان هناك إلى جانب الطريق الزراعية، وعلى الطرف الآخر، بنايات من طابق أو طابقين. أبوابها دوما مغلقة بجوارها مساحات مزروعة أو نبتت فيها الأعشاب وتكومت فيها مخلفات البناء. ينام  في أي مكان، ويقتات مما يمكنه أن يملأ البطن بعد أن يكون الجسد قد أُنهك، وما أن يستيقظ حتى يحمل مسرحه على ظهره  ويمضي. 

ما عاد عم عليوة نادما على ما فات بل نادما على ذلك الطفل الذي اختفى أو ربما قد مات ولم يتبق منه سوى ذلك المسن السقيم الذي يتمنى الآن في نهاية الرحلة الشاقة أن يقابل عليوة الطفل ليبلغه أن ما اختاره ربما كان لا يستحق كل هذا العناء .

على الدكة الخشبية داخل سرادق من الخيش الملون  يجلس الطفل عليوة على الدكة بجوار أقرانه يتابع الأراجوز فتفيض روحه فرحا وسعادة  لحكايات الأراجيز التي تملأ كل ذرة في كيانه، يسير في أثر الأراجوز مجذوبا من مجاذيبه يتعلق عليوة بسرادق الخيش الملون يشده صخب الأراجيز وحكاياتها الساخرة.

وعلى ضوء مصباح هزيل يستلقي على حصيرة الخوص بجوار إخوته وبكفيه الصغيرتين  مستغلا انعكاس الظل يصنع أشكالا تتحرك على الحائط  يضع الأمانة المعدنية في فمه بمهارة  وبصوت الأراجوز الحاد  يحكي حكايات يرتجلها ويعيش فيها عالما قد اختار أن يهجر كل شيء  من أجله. 

ظلت تلك عادته اليومية بعد أن ينقضي نهاره البائس، ومن نجوع قبلي إلى كفور بحري عبر أزقة وحارات القرى المنسية سعيا مع أراجيزه  يحمل مسرحه على ظهره ويحط في أي مكان ينصب مسرحه  يقبع خلفه رافعا كفيه بالأراجيز تحكي للصغار والكبار حكايات يصفقون لها في فرح وسعادة، يحمل مسرحه لا تفارق الأراجيز كفيه.

يتوجه كل يوم لينزع ورقة عليها رقم  يقدم عروضه في الموالد والحارات حتى صارت أرقام الأوراق كلها متشابهة، خيالات كفيه في انعكاس الظل على الحائط تلهمه بالحكايات،  يداعب أراجوزه فينسيه قحط الأيام.

 يستيقظ عليوة ذات يوم يبحث عمن يناوله جرعة ماء أو لقمة يابسة يقيم بها رمقه فلا يجد سوى أراجيزه تملأ المكان يتوجه لورقة اليوم لينزعها فلا يجد ورقة لقد نفذت كل الأوراق؛ يضع في كفه الواهنة أول أراجوز صنعته يداه يقف وراء المسرح في سرادق الخيش المترهل ليقدم عرضه للدكك الخشبية الفارغة. ينتهي العرض وتصل الحكاية لنهايتها. لا ينسى عم عليوة أن أول أراجوز صنعته يداه هو من دل العمدة أبو عمة مايلة منين يروح المتولي، وأن أراجيزه هي من علمت الفلاحة الضعيفة فاطمة كيف تنتصر على طغيان العمدة عتمان؛ يتذكر أيضا حشود المتابعين وفرحتهم بعروضه.

وراء المسرح يقدم عليوة عرضا لا يشاهده أحد ثم  ينحني الأراجوز لتحية الفراغ ولا يستقيم بعدها أبدا.