غيرة الصنايعية .. مقتل ميكانيكى على يد بائع وقود

المجنى عليه
المجنى عليه

حبيبة‭ ‬جمال

«..ما عدوك إلا ابن كارك»، مثل شعبي عرفناه منذ نعومة أظافرنا، لكننا  لم نكن نعلم أن العداوة ستصل حد القتل، حينما تجرد شخص من كل مشاعر الإنسانية والرحمة، وقرر تطبيق هذا المثل بكل معانيه، وأقبل على قتل جاره حرقًا دون أدنى شفقة أو رحمة منه؛ لمجرد أنه افتتح ورشة ميكانيكا وأصبحت الناس تتعامل معه، وظن أنه سينافسه في عمله، وتناسى أن الرزق بيد الله وحده، ولكنه لا يعلم أن جريمته تلك ستلقي به في غياهب السجن، وسينهي حياة أب تاركًا خلفه طفلين سيعيشان في ظلمة اليتم بلا أب يسند أو يحمي، وأرملة بلا زوج يشاركها أيامها، وأم بلا ابن يعطف عليها، تفاصيل تلك الجريمة البشعة ترويها السطور التالية.

محمود عبدالله القصبي، شاب على مشارف الثلاثين من العمر، يسكن في قرية ميت الكرماء التابعة لمحافظة الدقهلية، معروف بين أهالي قريته بالطيبة وحسن الخلق، دائما ما يبتعد عن المشكلات والخلافات، ولا أحد يعرفه إلا ويحبه، كان شهمًا ويقف بجوار الجميع في الحزن قبل الفرح، عرف محمود الشقاء منذ صغره، متزوج ولديه طفلين؛ أكبرهما يبلغ من العمر ٥ سنوات، كان يعمل سائق باليومية، مرة يقود ميكروباص، وأخرى توك توك؛ حسب ما يأتيه الرزق، كان قنوعا لأبعد حد، ولم يكن ساخطًا على حياته ولو للحظة واحدة، وفي يوم قرر أن يفتتح ورشة ميكانيكا لتصليح التكاتك؛ فهذا هو المجال الذي يعرفه ويحبه، حتى يستطيع أن ينفق على أسرته؛ ويؤمن مستقبل طفليه، حلمه كان بسيطا، لكنه لم يكن يعرف أنه بذلك سيكتب السطور الأخيرة في حياته؛ فجاره حماده الذي يبعد عنه مترات قليلة لديه ورشة هو الآخر لكنه يبيع فيها البنزين، بمجرد أن عرف بما ينوي له محمود، اشتعلت الغيرة في قلبه، وظن أنه سينافسه في مصدر رزقه، فذهب إليه وهدده بأن يتراجع عن فكرته وإلا سيشعل فيه النيران، ولكن لم يهتم محمود بتهديده، لم يتخيل لحظة أنه سينفذ هذا التهديد، افتتح محمود ورشته الجديدة، ولم تمر سوى أربعة أيام فقط على افتتاحها، والمتهم يغلي وشرار الحقد يتطاير من عينيه والدم يغلي في عروقه، فاتصل بشقيق محمود الذي يعمل بالخارج وهدده أيضا بحرق شقيقه إذا لم يغلق تلك الورشة، ولكن لم يعطه أحد أي اهتمام، وسيطر عليه الشيطان، فقرر الانتقام وتنفيذ تهديده، فأعد كل شيء وانتظر التنفيذ.

يوم الواقعة

دقت عقارب الساعة كنبضات القلب المضطرب تعلن قدوم الثانية ظهرا يوم الاثنين، الموافق ٧ أغسطس، وبينما الناس نيام في هدوء داخل منازلهم وقت الظهيرة، وأثناء عودة محمود وهو مستقل مركبة التوك توك حاملًا بضاعته للورشة الجديدة، استوقفه المتهم وظل يتحدث معه لدقائق معدودة، ودار بينهما الحوار التالي:

المتهم: أنت مرجعتش عن اللي في دماغكّ!

الضحية: يابني أنا مش شغال في نفس مجالك، انا فقط أصلح التكاتك وليس لي أي علاقة ببيع البنزين، ودي أرزاق.. 

محاولا بكل الطرق إقناعه أنه لم يفتتح الورشة لينافسه كما يعتقد، ولكن لم يمهله المتهم للحديث طويلًا وسكب عليه البنزين ثم أشعل فيه النيران وفر هاربا، وسط ذهول من المارة، وفجأة تعالت أصوات النسوة والأطفال، وتسارعت دقات قلوبهم من الذعر عندما شاهدوا الضحية والنيران مشتعلة بجسده، حاولوا إخماد تلك النيران، فهناك من ألقت عليه ملاءة وأخرى جردل من المياه، وأسرعوا به للمستشفى في محاولة لإنقاذ حياته، اتصل محمود بأحد أصدقائه أثناء نقله في سيارة الإسعاف: «الحقني حمادة ولع فيا»، تلك الكلمات الأخيرة التي نطق بها، عدة ثوان كانت هي الحد الفاصل بين حياته وموته.

مر شريط حياته أمام عينيه وكأنه يشاهد فيلمًا قصيرًا، ثم دخل في غيبوبة، ورحلت الشمس عن القرية وكأنها تعلن عن غضبها عن جريمة ارتكبت دون أي ذنب اقترفه الضحية.

ظل محمود داخل المستشفى ٤ أيام كاملة يصارع الموت، تحيط به دعوات الأهل بأن يخرج بالسلامة ويعود لأحضانهم من جديد، ولكن لفظ محمود أنفاسه الأخيرة، مات دون أن يمهله القدر لوداع أسرته، مات دون أي ذنب.

بلاغ

تلقى اللواء مروان حبيب مدير أمن الدقهلية، إخطارًا من اللواء محمد عبدالهادي مدير المباحث الجنائية، يفيد بورود بلاغ لعميد أحمد الجميلي، مأمور مركز شرطة طلخا، بإصابة شخص بحروق متفرقة بالجسم، بعد أن سكب شخص آخر عليه بنزين، وأضرم فيه النيران، بقرية ميت الكرماء التابعة لدائرة المركز.

انتقل ضباط وحدة مباحث مركز شرطة طلخا برئاسة المقدم محمد فوزي زيدان، إلى مكان البلاغ، وبالفحص تبين أن مشادة نشبت بين المجني عليه «محمود ع. ا، ٣٢ عاما، ميكانيكي، والمتهم «حمادة خ، ٢٨ عاما.

وتطورت المشادة بسبب الخلاف على بيع بنزين إلى مشاجرة، قام على إثرها المتهم بسكب البنزين على المجني عليه، وأضرم فيه النيران، ما تسبب في إصابته بحروق  وإصابات بالغة.                                                                                                                                                                                                 اللواء مروان حبيب مدير أمن الدقهلية

نقل المصاب في حالة خطرة إلى المستشفى العام بالمنصورة لتلقي العلاج اللازم، وتوفى متأثرًا بإصابته بعد 4 أيام من محاولات إنقاذه.

وتمكنت قوة من ضباط وحدة مباحث طلخا من ضبط المتهم، الذي فر هاربا إلى أحد أقاربه بالمحلة عقب ارتكاب الواقعة، واعترف بجريمته وأمرت النيابة بحبسه ٤ أيام ومازالت التحقيقات مستمرة.

سيطرت حالة كبيرة من الحزن والصدمة على أسرة محمود، أثناء تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير في مقابر العائلة، عقب أداء صلاة الجنازة على جثمانه في مسجد المحطة بالدقهلية.

مشهد جنائزي مهيب حضره الكبير والصغير، الكل يتذكر مواقفه معهم وشهامته، الجميع يطالب بالقصاص العادل حتى يعود حقه، وظهرت معالم الحزن والانهيار على والدته، التي ظلت تبكي بحرقة وهي تردد: مع السلامة يا قلب أمك.. يا رب ينور قبرك يا قلب أمك، وزوجته التي كانت في حالة يرثى لها.. أصبحت مطالبهم بسيطة وهي القصاص حتى يرتاحوا قليلًا.

اقرأ أيضًا : يذبح جاره لسرقة الموتوسيكل الخاص به


 

 

 

;