مصطفى بكرى يكتب| الحلقة الثالثة: طعنة البرادعى.. لماذا رفض البرادعى فض اعتصام رابعة.. ولماذا قرر الاستقالة ؟

مصطفى بكرى
مصطفى بكرى

حديثه لـ «الواشنطن بوست» فى 3/8 كان تحريضاً سافراً على استمرار الاعتصام
«أسبوع الخلاص» تفاصيل الخطة الجديدة لجماعـــة الإخــــوان بعــد فــض الاعتصــام
جهود السعودية والإمارات لعرقلة الخطة الأمريكية - الغربية ضد مصر

فى الحلقة الثالثة من حلقات «اعتصام رابعة المسلح .. حقائق وشهادات» يواصل الكاتب الصحفى مصطفى بكرى كشف العديد من المعلومات والشهادات المهمة التى ترد على الادعاءات الإخوانية حول حقائق ما جرى فى فض اعتصام رابعة ودور الجماعة فى إثارة الفتنة والاعتداء على المواطنين ومؤسسات الدولة ورفض كافة المحاولات التى بذلت لفض الاعتصام سلميًا..

ويتناول الكاتب حقيقة الدور الذى قام به د. محمد البرادعى، الذى كان يتولى مسئولية منصب نائب رئيس الجمهورية للشئون الخارجية وكيف حرض على الدولة المصرية من خلال استقالته التى أعلن خلالها رفضه لفض الاعتصام ومحاولة إلصاق الاتهام بالدولة المصرية دون النظر إلى الجهود التى بذلت لإنهاء فض الاعتصام سلمياً.. كما يتعرض الكاتب لمواقف بعض الدول العربية وكيف استطاعت إجهاض الخطة التآمرية ضد مصر فى أعقاب فض الاعتصام.

قبيل فض الاعتصام المسلح بفترة وجيزة وافق القائد العام الفريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع والإنتاج الحربى على كافة مطالب وفد المشايخ ورموز الحركة السلفية للوساطة، وكان أبرز رموز هذا الوفد الشيخ محمد حسان والشيخ جمال المراكبى، حيث عقد الوفد أكثر من اجتماع مع رموز من جماعة الإخوان المعتصمين، إلا أن وفد الجماعة رفض هذه الجهود بعد الموافقة عليها من حيث المبدأ وصمم على الاستمرار فى الاعتصام ضاربًا عرض الحائط بكافة الدعاوى التى طالبت بإنهاء الاعتصام سلميًا حقنًا للدماء مع استعداد الدولة المصرية لتقديم كافة الضمانات التى تحول دون القبض على أى من المعتصمين والإفراج عن الذين لم تثبت إدانتهم.

كان د. محمد البرادعى نائب رئيس الجمهورية للشئون الخارجية على علم بهذه الجهود وموقف جماعة الإخوان منها، وهى أمور كلها تثبت أن الدولة المصرية بأجهزتها المختلفة لم تترك طريقًا ينهى هذا الاعتصام سلميًا إلا ولجأت إليه.. وكان البرادعى يدرك أن هناك اتفاقاً بين رموز الجماعة وجهات دولية على إعلان تشكيل حكومة مؤقتة من داخل الاعتصام، وأن «كاثرين آشتون» المفوض السامى للاتحاد الأوروبى أعطت وعداً باعتراف العديد من الدول بالحكومة المرتقبة حال إعلانها من ميدان رابعة.

كانت الدولة فى هذا الوقت قد اتخذت قراراً نهائياً بإنهاء الاعتصام بأقل قدر من الخسائر، ولم يكن البرادعى موافقًا على القرار الذى اتخذ بإجماع الحاضرين لاجتماعات مجلس الدفاع الوطنى عدا هو شخصيًا، ولم يكن هذا الموقف خافيًا على الرأى العام، حيث تعمد الإعلان عنه أكثر من مرة.

وفى هذا الوقت أدلى البرادعى بحديث إلى صحيفة «الواشنطن بوست» فى 3/8/2013 أكد فيه رفض فض اعتصام رابعة بالقوة، حيث قال: إن هذا ما نريد تجنبه، وإن استخدام القسوة ليس حلاً، وإننا نريد أن نتوجه نحو قبول وجهات النظر المتعددة، وأنه يجب وقف العنف، وفور القيام بذلك يجب أن نبدأ حوارًا للتأكد من أن الإخوان سيفهمون أن السيد مرسى فشل، ولكن ذلك لا يعنى إقصاء الإخوان المسلمين بأى حال من الأحوال، ويجب أن يبقوا جزءًا من المسار السياسى وأن يشاركوا فى كتابة الدستور والانتخابات البرلمانية والرئاسية.. كان موقف البرادعى الذى عبر عنه فى حديثه لـ «الواشنطن بوست» مثيرًا وغريبًا، إلا أن الانتقادات التى وجهت إليه فى هذا الوقت جاءت على استحياء شديد، حيث تعامل البعض مع هذه التصريحات على أنها تنطلق من حرص على إحداث حالة من التوافق الوطنى وحقن الدماء، غير أن الغالبية كانت ترى أن دعوة البرادعى لها أسباب سياسية ومرتبطة بالموقف الأمريكى الغربى الذى عبر عن المعانى ذاتها. كانت واشنطن منذ البداية ترفض وبشدة عزل محمد مرسى من منصبه، مارست ضغوطاً شديدة على الفريق أول عبد الفتاح السيسى إلا أنها فشلت فى إثنائه عن التغيير، خاصة بعد أن بذل كل الجهود مع الرئيس المعزول وفشل فى إقناعه بالموافقة على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

غير أن الإدارة الأمريكية أبدت قلقها من موقف الجيش والشعبية الكاسحة التى حصل عليها القائد العام الفريق أول عبد الفتاح السيسى، بما يعيد أمامها تكرار نموذج الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، فلجأت إلى البرادعى، حيث طلبت منه الاستعداد للترشح للانتخابات الرئاسية، لقطع الطريق أمام ترشيح السيسى لرئاسة الجمهورية. كان طبيعيا والحال كذلك أن تبدأ واشنطن فى رسم المخطط، طلبت من البرادعى التقارب مع جماعة الإخوان ومغازلتها عن طريق المطالبة بدمجها فى الحياة السياسية والإفراج عن قادتها، وفى مقدمتهم الرئيس المعزول محمد مرسى، وبدأ البرادعى فى القيام بالدور، فأطلق التصريحات التى أثارت الجدل بين المصريين وعندما حصل الفريق أول عبد الفتاح السيسى على تفويض أكثر من 40 مليون مصرى خرجوا استجابة لدعوته لهم بتفويضه للقضاء على الإرهاب، أصيب البرادعى بحالة من الهلع والذعر، ولذلك عندما عقد مجلس الدفاع الوطنى اجتماعا فى مساء السبت 27 يوليو، أى فى اليوم التالى للتفويض، كان البرادعى قد جعل من نفسه حجر عثرة أمام قرار متوقع بفض الاعتصام، فراح يناور ويحاور، طلب مهلة من الوقت، قال إن لديه اتصالات وإنه يبذل جهوداً وإنه تلقى مؤشرات إيجابية، وإن حل الاعتصام دون إراقة دماء سيوفر على مصر الكثير، وسيوقف المؤامرات التى تحاك ضدها من الخارج. 

كان الفريق أول السيسى يدرك أبعاد اللعبة، ويعرف أن موقف البرادعى هو لكسب الوقت وإحراج الجيش وتفريغ التفويض من مضمونه، لكنه عندما شعر بأن هناك من يرغب فى منح البرادعى هذه المهلة لإتمام اتصالاته، التزم الصمت وترك الأمور تمضى.

بعدها مباشرة بدأ البرادعى يجرى اتصالاته، اتصل بكاثرين أشتون والإدارة الأمريكية، فجاء ويليام بيرنز مساعد وزير الخارجية الأمريكى وعضوا الكونجرس جون ماكين وجراهام ووزير الخارجية الألمانى وغيرهم، كان البرادعى يصر دوماً على أن يجلس مع أعضاء هذه الوفود منفرداً، ويرفض حضور أى من المسئولين معه، بل ومنع حتى رجال السكرتارية الذين تكون مهمتهم الإلزامية  دوماً حضور هذه الاجتماعات لتسجيل المحاضر، وكان ذلك أمراً غريباً أيضا. 

كان البرادعى وراء فكرة زيارة الوفود الأجنبية لمحمد مرسى وخيرت الشاطر والكتاتنى داخل سجونهم، وكان هو الداعم والمؤيد لتشدد جون ماكين وجراهام، بل رفض حتى مجرد الاستجابة لمطلب إدانة تصريحات وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى التى وصف فيها الثورة المصرية بالانقلاب.

ظل البرادعى يراوغ لأكثر من خمسة عشر يومًا، طلب من وزير خارجية قطر أن يتوسط له للقاء رموز من جماعة الإخوان، إلا أن الجماعة رفضت وساطته ما لم يعلن عن استقالته وموافقته على عودة الرئيس المعزول إلى منصبه السابق، وفى الاجتماع الثانى لمجلس الدفاع الوطنى قدم وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم خطة الوزارة لفض الاعتصامين، إلا أن البرادعى اعترض مرة أخرى على التنفيذ، غير أن وزير الدفاع رفض جميع الحجج التى قدمها البرادعى، خاصة أن اجتماعًا لمجلس الوزراء تمت فيه الموافقة على الخطة، وصدر بيان يؤكد فشل جميع المفاوضات للوصول إلى حل سلميّ لإنهاء الاعتصام، كما أن بيانًا صدر من رئيس الجمهورية أكد المعنى ذاته.

خلال اللقاء الذى عقد برئاسة الجمهورية فى هذا الوقت وبحضور الرئيس المؤقت  ورئيس الحكومة ووزيريْ الدفاع والداخلية، تم الاتفاق على خطة التنفيذ بعد إنذارات من قوات الأمن والجيش حال رفض الاستجابة.

وفى نفس اليوم الأربعاء 14 أغسطس 2013  فاجأ الدكتور البرادعى الرأى العام باستقالته من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية للشئون الدولية، وقد جاءت الاستقالة فى وقت خطير، وتحديداً فى غمرة تنفيذ قرار الحكومة المصرية بفض اعتصاميْ «رابعة العدوية» و«النهضة» وفرض سيطرة الدولة لإعادة الأمن والاستقرار فى البلاد. 

وقد صرح البرادعى أنه استقال احتجاجا على قيام قوات الأمن بفض اعتصاميْ الإخوان بالقوة، وأنه كان يرى أن هناك خيارات سلمية لحل الأزمة قبل اللجوء إلى العنف، وقال: إن هناك حلولاً مطروحة ومقبولة لبدايات تقودنا إلى التوافق الوطنى، ولكن الأمور سارت إلى ما سارت إليه، وأضاف «لقد أصبح من الصعب علىّ أن أستمر فى تحمل مسئولية قرارات لا أتفق معها وأخشى عواقبها، وللأسف فإن المستفيد مما حدث اليوم هم دعاة العنف والإرهاب والجماعات الأشد تطرفاً»!!.

لقد فاجأ البرادعى الكثيرين باستقالته، واختار موعداً حساساً استهدف من ورائه التحريض ضد مصر، إلا أن الرأى العام رحب بهذه الاستقالة وسعد بها، لأنها كشفت البرادعى وأسقطت عنه ورقة التوت نهائيا..  كانت تلك هى حقيقة ما جرى رغم محاولات البرادعى منذ البداية تصوير الرفض الشعبى والنخبوى لمبادرته التى تسعى إلى إجهاض ثورة 30 يونيو على أنها مؤامرة تستهدفه شخصيًا. لقد هاجم البرادعى من سماهم بـ «الذيول والأذناب» الذين تجرءوا على انتقاده، وكأنه راح يكرر الألفاظ ذاتها التى أطلقها «مرسى» على معارضيه من عينة «الأذناب وفرد الكاوتش» وغير ذلك.

 كان البرادعى يظن بناء على معلومات أمريكية أن خطة الإخوان فى إحراق أقسام الشرطة وإحراق الكنائس والمنشآت سوف تفضى إلى انهيار الشرطة ومعها مؤسسات الدولة تباعًا.. كان يظن أن رجال الشرطة لن يستطيعوا فض الاعتصام بسهولة إلا أنه فوجئ بأن رجال الشرطة والجيش يقلبون جميع المعادلات حيث تم ضبط النفس والتضحية والفداء بلا حدود.

وكان البرادعى على يقين بأن الجيش لن يستطيع إدارة الملف الأمنى فى هذا اليوم، إلا أن التنسيق العسكرى - الأمنى أذهل الجميع وأكد أن الجيش والشرطة ومعهما الشعب هم الرصيد الحقيقى لهذا الوطن، وأن سيناريو سوريا الذى ظل الغرب يهدد به قد تحطم على عتبة الإرادة الوطنية المصرية.
أما جماعة الإخوان فقد سعت إلى التصعيد السياسى والإعلامى الخارجى، ساعدها على ذلك استقالة د. محمد البرادعى التى جاءت فى أعقاب بيان البيت الأبيض الأمريكى الذى انتقد فض الاعتصام الإرهابى وإعلان حالة الطوارئ، وكذلك البيان الذى أصدره الرئيس الأمريكى باراك أوباما وأعلن فيه إلغاء مناورات النجم الساطع ودعوة فرنسا وبريطانيا لمجلس الأمن لاجتماع بغرض بحث تداعيات قرار فض الاعتصام وإعلان الطوارئ فى مصر.

الدعم العربى

فى يوم الجمعة 16 أغسطس ٢٠١٣، وبعد يومين بالضبط من فض اعتصام رابعة والنهضة، وفى غمرة الحرب من الداخل والخارج ضد مصر، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بياناً بالغ الأهمية، عكس فى مضمونه معانى ودلالات محددة أكدت دعم مصر وثورتها ومسيرتها الظافرة لتحقيق الأمن والاستقرار ورفض المخططات التى تهدف إلى نشر الفوضى والإرهاب وتقويض أركان الدولة، وهو ما عبر عنه خادم الحرمين بقوله: «إن ما يجرى فى وطننا الثانى مصر من أحداث تسر كل عدو كاره لاستقرار وأمن مصر وشعبها، وتؤلم فى الوقت ذاته كل محب حريص على ثبات ووحدة الصف المصرى».

أما دولة الإمارات فعادت لتكرر موقفها الثابت والمبدئى الرافض لحكم الإخوان والإرهاب والمساند لمصر شعباً وقيادة، حيث أكد البيان عن تثمين دولة الإمارات لبيان الملك عبد الله بن عبد العزيز، معتبرة أن هذا التصريح ينم عن اهتمام خادم الحرمين بأمن مصر واستقرارها وشعبها كما يأتى فى لحظة محورية مهمة تستهدف وحدة شعب مصر الشقيقة واستقرارها، فإنه أيضًا ينبع من حرص خادم الحرمين على المنطقة ويعبر عن نظرة واعية تدرك ما يحاك ضدها.