«كرسي متحرك».. قصة قصيرة للكاتب حسن عبد الرحمن

قصة قصيرة للكاتب حسن عبد الرحمن
قصة قصيرة للكاتب حسن عبد الرحمن

كلمات دالة: إبداعات – كرسي متحرك – حسن عبد الرحمن

 يجلس أمام رسمته الجديدة يراقبها عن قُرب ويضع بفرشاته اللمسة الأخيرة ثم يمرر اصبعه الخنصر بروية واهتمام للرتوش الأخيرة، يرجع إلى الوراء بكرسيه المتحرك منبهرًا بلوحته الجديدة.. التي راح يرمقها من كل جانب بدهشة وشدة إعجاب.. ثم يعطيها رَقَم ويضعها بجانب لوحات أخرى تتراص على التوالي فوق منضدة أنيقة.

يرجع إلى الوراء لمجال رؤية أوسع ليرى تحفته الفنية الجديدة. كانت لوحة لخفير قد رسمها بإتقان شديد، إذا شاهدها أحدا عجبته لتفاصيلها المتقنة. فجأة سمع من خلفه صوت نسائي هو يعرفه جيدا، ويضع كفه بلمسته الحنون على كتفه.

_ ها ماذا ستسميها؟

= عبير؟ ما رأيك انتِ؟

_ أمممممم، عويس ما رأيك؟ أطال النظر إلى اللوحة وتحسس شارب عويس جيدا وبدون أن ينظر إلى عبير، راح يمسد شعره بيديه ، وأطال التفكير.

= مناسب.. مناسب جدا لم أفكر في اسم أفضل من هذا.. _ إذاََ هيا بنا يا عزيزي. دفعته عبير من الخلف إلى التراس، بعد أن كانت قد جهزت مسبقًا منضدة حافلة وتتوسطها شمعة على إضاءة خافته وأجواء شاعرية. وكانت المفاجأة ترتيب ميعاد لأول مَعْرِض له بعد أن أتمت حجز قاعة وأردفت تقول..

_ سيأتي عمال غدا لاستلام اللوحات فكن مستعدًا.

لثم داخل كفها بقبلة حانية وابتسم فمسدت خصلات شعره بيديها وانتهى العشاء.

وفي حجرة مكتبه يقف محقق وقد امسك بآخر رسمة ووجه له السؤال.

_ أتعرف صاحب الصورة.

= نعم اعرفه إنه عويس

_ لكن ليس هذا اسمه = لا اسمه عويس فأنا من أطلقت عليه هذا الاسم

_ اذاَ أنت معترف إنك تعرفه

= أنا لم انكر ولكن ماذا جرى؟

_ وجد عبد الجبار مقتولًا صباح أمسِ بساقية البلد أقصد من تدعوه عويس.

= لكن أنا لا أعرفه

_ ألم تقل منذ قليل انك تعرفه؟

= نعم قلت هذا لأني رسمته من خيالي فهو مجرد لوحة فنية لها رَقَم واسم.

_ تمام أرجو منك عدم مغادرة البلاد حتى انتهاء التحقيق ونظرا لحالتك الصحية فلن أرد أن احتجزك عندي في القسم.. فلا تغادر البلاد

= لكن يا سيدي كنت مسافرًا فعلًا لإجراء بعض الفحوص على قدمي هذه الأيام.

- أرجو منك تأجيلها حتى يمكننا معرفة القاتل أو ظهور أدلة أخرى لا تدينك أنت.

 مرت أيام قليلة وها هي جريمة أخرى لرجل آخر وجد مقتولًا أسفل البناية التي يقطن فيها وجاء تقرير الطب الشرعي إنه تحطم بالرأس وكسور في العظام نتيجة أن أحدهم قد دفعه من الطابق السابع.

وها هو نفس المحقق يقف أمامه مرة أخرى لكن كان مضطرًا إلى أخذه للتحقيق معه في حجرة التحقيق.

_ أستاذ مازن أتعرف هذا الرجل؟

= نعم أعرفه جيداََ يدعي الأستاذ عوني.

_ عوني؟ ليس هذا اسمه ولكن اسمه الحقيقي عماد التوني.

= لكن عندما رسمته أطلقت عليه هذا الاسم

_ رسمته؟ هل ستعود إلى نفس النَّغْمَة؟

= ولكن هل لي أن أعرف ما الموضوع؟

_ أبداَ وجد الأستاذ عماد مقتولًا أسفل بنايته ألا تعرف؟

= وكيف لي أن أعرف أنا شخص عاجز كما ترى وغير مطلع على أحوال البلدة.

_ وكيف تفسر لي وجود لوحة تشبه إلى حد بعيد عبد الجبار القتيل الأول وعماد التوني القتيل الثاني وما هو ارتباطك بهم؟

= حقيقةَ لا أعرف!

تمكن المحقق من جمع باقي اللوحات وكان عددها ثلاث لوحات أخرى لأشخاص كان قد رسمهم مازن ، ثم قام بعمل بحث عنهم، وتعيين حراسة خاصة لصيقة طوال الوقت خوفا عليهم من القتل، والتحقق بمدى معرفتهم بالقاتل المشتبه به.

ومن التحقيق تبين أن الخمسة اشتركوا منذ زمن في خيانة ونهب أموال وتقسيمها فيمَا بينهم.

 

وفي إحدى المصحات النفسية يقف الدكتور مع المحقق على مقربة من القاتل ومعهم عبير خطيبة مازن.. يكمل الدكتور حديثه.

_ نعم كانت خيانة ونهبوا أمواله وشاهد الجريمة بعينيه وهو صغير. ولكن في الحقيقة ليس مازن ولكن صديق عمره سامي، هو من حدث له كل هذه الأحداث.

ظهرت على المحقق اندهاشه وقبل أن يسأل.. أكملت عبير وقالت

_ كان سامي صديق مازن المقرب وقتل بسبب هذه الخيانة. بتر الدكتور كلامها وقال.

_ ولأنه صديقه المقرب جدا فقد حدث له نوع من مرض يسمى بالفصام الذهني أو شيزوفرينيا. هز المحقق رأسه وقال بعد أن أشعل سيجارته ونفث دخانها في الهواء.

_ وعليه فإن مازن قد انتحل أو أصبح هو سامي بغية الانتقام لصديقه الحميم، ولكن ما موضوع جلوسه على كرسي متحرك؟ أكان سامي مشلول؟ قال الدكتور

_ نعم كان سامي مشلول ويجلس على كرسي متحرك. يا له من مسكين.

هنا ودعهم المحقق بعد أن أشفق على حالة مازن وأقفلت القضية على هذا، بعد أن أودع مازن في المصحة النفسية. وجاري فتح ملف قضية سامي مع المتهمين الثلاثة الباقين على قيد الحياة.