«محاكمة زويس» قصة قصيرة للكاتب سيد جعيتم

 قصة قصيرة للكاتب سيد جعيتم
قصة قصيرة للكاتب سيد جعيتم

صوت يتردد صداه في أُذن كريستينا التي تعد رسالتها في الدراسات العليا في الميثولوجيا الإغريقية.

ـ خلصيني.

ظنت أن انكبابها على أبحاثها جعلها تعيش بين أبطالها، عادت تراجع الملزمة ثقل جفناها وداعب النوم عيونها، أغلقت الميثولوجيا طامعة في قسط من النوم.

كل أساطير وصور أبطال الميثولوجيا تمر أمامها، المخلوقات الخرافية زويس كبير الآلهة الأسطورية وهيراكليس وملاحم هوميروس والإلياذة والأوديسة وحصار طروادة، كلها عبرت سريعًا واختفت إلا صورة سيزيف احتلت عقلها ممسكة بتلابيبه وأبت المغادرة.

عاد الصوت يطن، هذه المرة واضحا جليا.

ـ خلصيني.

أمسك الصوت بناصيتها واحتل كل حواسها.

فركت عينيها، اعتدلت جالسه، سألت نفسها:

هل ما سمعته حلم؟.

حاولت أن تنام أغمضت عينيها، لكن النوم عاندها ظلت مغمضة العينين، حتى أخذتها سنة منه.

ـ خلصيني.

الصوت هذه المرة واضح وقريب، سمعت أنفاس لاهثة متلاحقة كأنها تخرج من شخص يعدو بكل قوة، إحساسا طاغيا تملكها بوجود أحد ما بالحجرة، ملئها الخوف، حاولت التكلم، لسانها ملتصق بحلقها، جاهدت حتى نطقت:

ـ مَن أنت؟.

ـ أنا سيزيف سجين العذاب الأبدي!!!، رُوَيْدًا رُوَيْدًا بدت لها صورته واضحة، ممشوق القوام مفتول العضلات عاري الصدر، ينحني من ثقل صخرة كبيرة يحملها فوق كتفيه، وسامته بادية رغم الآلام الواضحة على وجهه، عرفته هو رمز المكر والدهاء والخديعة في الميثولوجيا، قرأ أفكارها:

ـ لا يا سيدتي ما كُتب عني كله تلفيق وكذب، من كتبوا حرصوا على ألا يخالفوا الإله زويس فيغضبونه فكل مقادير الآلهة والبشر في يد هذا العربيد النهم المفتون بنساء الآلهة والبشر.

سكت سيزيف وظهر على وجهه علامات الغضب ممزوجة بالحسرة، استجمع فكره:

ـ اغتصب زوجتي الجميلة وقتلتها زوجته هيرا التي كانت لا تجرأ علي معارضة زوجها في مغامراته النسائية، لكنها تنتقم لنفسها بقتل ضحاياه لأن قلبه مالا نحوهم.

كرهتهُ وملأتني الرغبة في الانتقام، راقبته حتى شاهدته يغتصب لايجينا ابنة أسوبوس إله النهر، أخبرت أباها لينقذها ويشكو زويس في محكمة الإلهة.

سكت يلتقطت أنفاسه:

ـ تم تبرئة زويس واتهامي بإفشاء سرًا من أسرار الآلهة، ولفقوا لي تهمة سرقة مواشي من جاري أوتوليكوس.

سلمني هاديس إله العالم السفلي لإله الموت هرمس (ثاناتوس)، احتار ثاناتوس فلم يكن أجلي قد حان قرر تقيدي لحين البت فى أمري، تحايلت عليه وقيدته وهربت، طاردني آريس إله الحرب وسلمني لزويس فأصدر حكمه بأن أكون عامل جحيم ورمزًا للعذاب الأبدي في تارتاروس مركز العذاب بالعالم السفلي، والصق بي هذه الصخرة الثقيلة اصعد بها تل مرتفع فتسقط مني متدحرجة فأعاود الصعود بها وتعاود الهبوط، وظللت أنفذ هذا الحكم القاسي من العصر الخامس قبل الميلاد حتى الآن.

هزت كريستينا رأسها بشدة، مدت يدها تتحسس جسدها لتتأكد أن ما تراه ليس حلم، سألته:

ـ كيف دخلت لعالم الآلهة وحادثتهم وأنت بشر.

ـ أنا يا سيدتي نصف إله نتيجة لزواج الآلهة بالبشر وكنت ملكًا على كورنثوس.

ـ كيف أخلصك؟.

تنطقين بكلمات مرصودة عليك تخلصيني بها من عذابي الأبدي، هذه الكلمات تعويذة رصدها عليك الإله بروميثيوس خالق البشر ومحبهم عدو زويس والمحبوس ظلما بالعالم السفلي.

ـولماذا أنا مخلصتك من دون جميع البشر!.

أخبرني بروميثيوس أنه في القرن الواحد والعشرون بعد الميلاد ستبلغ فتاة من نسله عامها الخامس والعشرين

وببلوغها هذه السن يكون قد مضى علي عقاب زويس لي خمسة وعشرون قرنًا من الزمان ويسقط الحكم، لكنني لا أستطيع الخلاص ألا بعد ترديدك لكلمات التعويذة.

 

تعجبت كريستينا مما قاله سيزيف، نظرت إليه مندهشة!:

ـ كلامك هذا يعني أنني من نسل الإله بروميثيوس.

ـ ألم أقل لك إنه كانت هناك زيجات كثيرة بين الآلهة والبشر.

علم سيزيف كريستينا الكلمات باللغة الإغريقية التي كانت مستخدمة في عصر اليونان العتيق والعصر الكلاسيكي في القرن الرابع والخامس قبل الميلاد وهي ليست غريبة على كريستينا التي درست تاريخ الإغريق ولغتهم، رددت كريستينا الكلمات:

ـ(لتصعيد روح سيزيف لمكانها، وينضم بسلام لعالم الأموات)ـ.

في الصباح قامت كريستينا، مشوشة، مع فنجان القهوة السوداء تأكدت أنها في عالم الإدراك، جلست على مكتبها وضعت يدها فوق ملزمة الميثولوجيا، راحت تكتب:

(الأساطير المأسوية تعيش وتستمر لأننا نغذيها بالخيال)-، توقفت عن الكتابة فقد لفت نظرها قطعة صغيرة من صخرة فوق الملزمة، أكملت كتابتها:

– (يجب محاكمة زويس)-