فرشة كتب

أثر حمدى أبو جليل الأخير

محمد سرساوى
محمد سرساوى

كنت دائما أتوقف أمام التصدير الذى كتبه الأديب الراحل حمدى أبو جليل فى الصفحات الأولى من رواية «الفاعل»، كان اقتباسا من إحدى مقولات الأديب إبراهيم منصور «بعضهم معه فكة وبعضهم ليس معه فكة..

وهكذا الحياة». بعد قراءة أعمال أبو جليل الروائية، أدركت ما يقصده أن الفكة هى التفاصيل والشخصيات والأمكنة التى يجمعها حمدى أبو جليل حتى يستطيع بناء عمل روائى مثلما فعل مع روايته «لصوص متقاعدون» حين جمع مجموعة شخصيات حولهم إلى بورتريهات إبداعية، أسكنهم فى عمارة رقم «36» فى منشية ناصر، صنع من حياتهم اليومية رواية، وهو ما حدث كذلك فى رواية «الفاعل» - الحاصلة على جائزة نجيب محفوظ الجامعة الأمريكية - التى تحكى عن عامل بناء، يرغب فى كتابة رواية، يبدأ فى تجميع الشخصيات والأماكن والتفاصيل الصغيرة، التقطها من حياته اليومية حتى يصنع منها عملا إبداعيا.

هذا ما فعله أيضا فى روايته الأخيرة «ديك أمى» الصادرة عن دار الشروق، جمع حمدى تفاصيل والدته فى حياتها اليومية، تحدث عن نشأتها وكيف كانت متمسكة بأرضها فى وقت كان سكان قريتها أبو طاحون بالفيوم، يبيعون أرضهم من أجل سد الديون وشراء الأطعمة والأدوية. يحكى حمدى عن والدته: نخل أمى الذى سمَّته على أسمائنا نخلة نخلة حتى كملنا وفاض عنا.

والعجيب أنهم طلعوا شبهنا أو شبه مصائرنا فى الحياة، وأنا أخذت عنها هذه الخصلة، وسمّيت رواياتى على أفراد أسرتى، لصوص متقاعدون روايتى الأولى هالة، والفاعل دنيا، وقيام وانهيار الصاد شين هشام، ويدى الحجرية تهانى، وهذه، ديك أمى أمى وعنها بدون غرض إلاها. كان يرى والدته أنها كمرآته، أمه عمرت أرضها صنعت عالما لها وابتكرت أسطورتها، أما هو صنع عالما من خلال خمس رواياته.

نكتشف فى الرواية، وجود نسخ عديدة من أبو جليل؛ يحاولون جمع التفاصيل لصناعة عالم كبير خاص بهم مثل الرجل جامع زجاجات الأدوية الفارغة حتى أسس غرفة مليئة بعلب الدواء جوفاء، والده ظل يبحث عن غرفة، تكون أقرب إلى أمنيته «يقعد وحيدا فى أوضة عتمة وميحقش حد». 

سؤال المقال: ما هى الشخصية التى ظهرت فى مقاطع قليلة من خلال روايات أبو جليل، كنت تتمنى أن يكتب عنه رواية مستقلة؟