بمحطات عالمية للمـُعالجة والتحلية| مصر تحاصر الفقر المائي

الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال افتتاحه محطة بحر البقر - صورة أرشيفية
الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال افتتاحه محطة بحر البقر - صورة أرشيفية

بينما كان الجميع ينظر بقلق وترقب للتحديات التى تواجه أمننا المائى، كانت الدولة المصرية، تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تضع استراتيجيتها سعيًا نحو تحقيق أهداف التنمية المُستدامة ورؤية مصر 2030، والتى تضمنت بنودًا واضحة المعالم لإدارة ملف الموارد المائية فى ظل التحديات التى تواجه هذا القطاع، وأبرزها الفقر المائى الذى تواجهه مصر، والعمل على ابتكار طرق جديدة لتوفير المياه العذبة الصالحة للشرب، والمياه المُعالجة الصالحة للاستخدام فى الزراعة، فى ظل زيادة الاحتياج المائى لقطاعات الزراعة والصناعة ومياه الشرب.

◄ الإسكان: طاقة محطات تحلية المياه ارتفعت منذ 2014 من 80 ألفا لـ1.02 مليون م3 يومياً

◄ مياه محطات التحلية صالحة تماما للشرب.. ولا اختلاف بينها وبين النيل

◄ 865 محطة معالجة منفذة وجار تنفيذها بطاقة 22.5 مليون م3 يومياً

◄ تضيف نصف مليون فدان سنويا للأراضى الزراعية

البحث عن الحلول المبتكرة يأتى فى ظل ثبات حصتنا من مياه النيل - 55.5 مليار م3/سنويًا - وانخفاض نصيب الفرد من المياه لـ600 م3/سنويًا، رغم أن المعدل العالمى للفرد 1000 م3/سنويًا، حيث تبلغ احتياجات مصر المائية 114 مليار م3/سنويًا، وسط موارد مائية لا تتجاوز 60 مليار م3/سنويًا، وعجز يقترب من ٥٠ مليار م3/سنويًا، ويتم سد هذه الفجوة من خلال إعادة تدوير المياه، واستيراد محاصيل زراعية تحتاج زراعتها لـ34 مليار م3/سنويًا، ووفقًا للخبراء، فإن مُعالجة المياه أو تحليتها هى الحل المثالى لمواجهة مشكلة المياه، خصوصًا أن مصر تطل على سواحل البحر الأحمر والمتوسط، وخليجى العقبة والسويس، وهى مناطق تضم العديد من المُدن والتجمعات السكانية والسياحية، وبها مساحات شاسعة من الأراضى الزراعية.

وخلال تفقده اصطفاف المُعدات المُشاركة فى تنفيذ خطة الدولة لتنمية وإعمار سيناء، طالب الرئيس عبد الفتاح السيسى، الشركات المُنفذة لمحطات تحلية المياه، ومحطات معالجة الصرف الصحى والزراعى، بزيادة حجم المكون المحلى، مؤكدًا أن خطة مصر المُستقبلية فى المياه، قائمة على أن تصبح كل المدن الساحلية على البحرين المتوسط والأحمر، مُعتمدة على المياه المُحلاة.
ووضعت مصر خطة لإنشاء العديد من محطات تحلية مياه البحر ومحطات معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعى والصحى، والتوسع فى استخدام المياه الجوفية، من أجل تعظيم الاستفادة من الموارد المائية المُتاحة، وتقليل الفاقد من المياه، وأنشئت الهيئة المصرية العامة لمشروعات الصرف، إحدى الهيئات التابعة لوزارة الموارد المائية والرى، بهدف حماية الرقعة الزراعية والحفاظ عليها من ارتفاع مناسيب المياه، إضافة إلى دورها فى الحفاظ على شبكة المصارف، التى تم إنشاؤها لتصريف المياه الزائدة عن الحاجة.

من جانبه، كشف الدكتور سيد إسماعيل، نائب وزير الإسكان لشئون البنية الأساسية، عن زيادة طاقة محطات تحلية المياه منذ 2014 من 80 ألفا إلى 1.02 مليون م3/يوم حاليًا، موضحًا أن هناك خطة للتوسع فى إنشاء محطات تحلية مياه البحر مُقسمة لـ6 خطط خمسية من 2020 إلى 2050، وتُنفذ بالتعاون مع جميع الجهات والوزارات المعنية لتوفير 8.85 مليون م3/يوم بمحافظات «شمال وجنوب سيناء - البحر الأحمر - مطروح - السويس - الإسماعيلية - بورسعيد - الدقهلية - كفر الشيخ - البحيرة - الإسكندرية» وتشمل الخطة 4 محاور هى توفير الاحتياجات المائية لحل المشكلات الحالية والزيادة السكانية الطبيعية المُستقبلية للمجتمعات القائمة، وتوفير الاحتياجات لإيقاف نقل مياه الشرب لـ«مطروح - البحر الأحمر - سيناء»، وتوفير الاحتياجات للمياه السطحية «توسعات - محطات قائمة» و«الترع الحرجة»، وتوفير الاحتياجات المطلوبة للتنمية العمرانية، مُشيرًا إلى أن الخطة الخمسية الأولى للتحلية من 2020 لـ2025 تتضمن تنفيذ محطات تحلية بطاقة 3.487 مليون م3/يوم قابلة للتوسع حتى 6.582 مليون م3/يوم.

◄ تقليل الفاقد
نائب وزير الإسكان، أشار إلى أنه تم تنفيذ حزمة من الإجراءات الخاصة بتقليل الفاقد من المياه أهمها ترشيد استهلاك المياه باستعمال القطع الخاصة الموفرة حيث تم بالفعل تركيب القطع الموفرة بالمنشآت والمصالح الحكومية بالتعاون مع وزارة الإنتاج الحربى والهيئة العربية للتصنيع، كما يتم توفير القطع الموفرة للجمهور من خلال مراكز خدمة العملاء بشركات مياه الشرب والصرف الصحى، كما يتم توفير العدادات المنزلية والتوسع فى تركيب العدادات مُسبقة الدفع والتى كان لها دور كبير فى تقليل الفاقد حيث انخفض من 29.1% 2018 إلى 26.1% حاليًا.

وحول خطة التوسع فى إنشاء محطات المُعالجة، قال إسماعيل إنه تم إنشاء محطات معالجة الصرف الصحى الثنائية والثلاثية ورفع كفاءة محطات المعالجة القائمة بغرض تحسين جودة مياه الصرف الصحى المعالج بما يسمح بالخلط وإعادة الإستخدام، كاشفًا عن الانتهاء من تنفيذ 560 محطة معالجة بطاقة 18 مليون م3/يوم وطاقة فعلية 15 مليون م3/يوم، موضحًا أن هناك 305 محطات معالجة جار تنفيذها بطاقة 4.5 مليون م3/يوم، وتتضمن محطات ضمن المرحلة الأولى لمبادرة «حياة كريمة»، ليصل إجمالى محطات المعالجة المنفذة والجارى تنفيذها 865 محطة معالجة بطاقة 22.5 مليون م3/يوم.

◄ مشروعات للمعالجة
وكان من أهم المشروعات التى نفذتها الدولة فى مجال مُعالجة مياه الصرف، مشروع محطة الحمام، بمحور الضبعة فى الساحل الشمالى، والتى تعد إحدى أكبر محطات معالجة المياه بالمنطقة، والذى يعتمد على معالجة مياه الصرف الزراعي، وتكلف 60 مليار جنيه بإجمالى طاقة إنتاجية 7.5 مليون م3/يوم من المياه المعالجة، والتى يتم نقلها لأراضى الدلتا الجديدة فى إطار المشروع القومى لزراعة الـ1.5 مليون فدان ضمن مشروع الدلتا الجديدة، ومستقبل مصر، وهناك محطة معالجة مياه مصرف المحسمة بسرابيوم، وتهدف لمعالجة مياه الصرف بنقلها عبر السحارة من غرب القناة لرى أراضى سيناء بزمام 60 ألف فدان بتصرف مليون م3/يوم، وتتولى نقل وعبور مليون و250 ألف م3 من مياه المصرف يوميًا لشرق القناة لزراعة 60 ألف فدان بسيناء تُضاف للرقعة الزراعية، وقد تم تنفيذ المشروع بـ3.5 مليار جنيه، كما تم إنشاء محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر والمسجلة فى موسوعة «جينيس» باعتبارها الأكبر لمعالجة المياه على مستوى العالم بـ5.60 مليون م٣/ يوم، وبسعة 64.8 م3/ثانية، وتُعد أكبر محطة معالجة حمأة بالعالم، وأكبر محطة لإنتاج الأوزون.

الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الأراضى والمياه بكلية الزراعة جامعة القاهرة، يوضح أن مصر باتت تُعالج نحو 5 مليارات م3 فى العام من مصرف بحر البقر، والذى يُنتج 2 مليار م3 فى العام مياها جودتها أفضل من جودة مياه الترع نفسها، علاوة على مصرف الحمام الذى يُنتج أيضًا 3 مليارات م3، وكلاهما يكفى لرى 600 ألف فدان بمشروع الدلتا الجديدة، ما يعنى إضافة رقعة زراعية جديدة بمعدل نصف مليون فدان كل عام، كما سيزيد إنتاجنا من الغذاء ونُقلل الواردات، والأهم هو أننا سنحصل على غذاء صحى غير ملوث لا بمياه الصرف الزراعى ولا مياه الصرف الصحى ولا العناصر الثقيلة الموجودة بصرف المصانع.

وفى مجال تحلية مياه البحر، نفذت الدولة محطات تحلية فى مرسى مطروح والضبعة تعمل على تحلية 100 ألف م3/يوم، كما نفذت محطات فى جنوب سيناء الواحدة تُنقى 20 ألف م3/يوم، وتم تنفيذ أكبر محطة تحلية مياه فى العالم بالعين السخنة، وتعمل على تنقية 136 ألف م3/يوم من خلال محطتين تعملان على تغذية المنطقة الاقتصادية شمال غرب خليج السويس، بتكلفة 2.5 مليار جنيه، إضافة لـ3 محطات عملاقة أخرى بطاقة 150 ألف م3/يوم فى الجلالة وشرق بورسعيد والعلمين الجديدة، علاوة على تنفيذ 14 محطة لتحلية مياه البحر، بطاقة إجمالية 476 ألف م3/يوم، بتكلفة 9.71 مليار جنيه، بـ«مرسى مطروح - البحر الأحمر - شمال سيناء - جنوب سيناء - بورسعيد - الدقهلية - السويس - الإسكندرية»، وذلك بخلاف 76 محطة قائمة لتحلية مياه البحر، بطاقة إجمالية 831.69 ألف م3/يوم، بـ«شمال وجنوب سيناء - البحر الأحمر - مرسى مطروح - الإسماعيلية - السويس»، ليصبح إجمالى محطات التحلية 90 محطة بطاقة إجمالية 1.307.69 مليون م3/يوم.

◄ صالحة للشرب
«مياه محطات التحلية صالحة تمامًا للشرب، ولا يوجد أى اختلاف بينها وبين مياه النيل»، هكذا بدأ الدكتور عباس شراقى، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، حديثه مُشيرًا إلى ضرورة الاتجاه نحو إنشاء محطات تحلية مياه البحر، خاصة بالمدن الساحلية القديمة والجديدة، والتى لا تتوافر فيها مياه جوفية أو أمطار، وتتزايد مع مشروعات التنمية وإنشاء المدن الجديدة، مثل الجلالة والعلمين الجديدة وغيرها، ومع زيادة الأنشطة السياحية بالسواحل، فتحلية المياه تعد إحدى البدائل الاستراتيجية لمواجهة الندرة المتوقعة فى الموارد المائية فى ظل الزيادة السكانية، وتسهم التحلية فى توفير الاحتياجات الحالية والمستقبلية من المياه، وعلينا ترسيخ هذه الثقافة لدى المؤسسات والهيئات المعنية بالدولة، وتحقيق شراكة فاعلة مع القطاع الخاص، وتعظيم مصادر التمويل، وجذب فرص الاستثمار بهذا القطاع الواعد.

أضاف، أن خطة التنمية العمرانية التى تُنفذها مصر تعتمد على تحلية مياه البحر بالمدن الساحلية، فملوحة مياه البحر الأحمر تتراوح بين 40 لـ45 ألف مللى جرام/لتر، بينما تبلغ نسبة الملوحة بالبحر المتوسط 40 ألف مللى جرام/لتر، بينما فى مياه النيل 400 مللى جرام/لتر، وقد حددت منظمة الصحة العالمية ألا يزيد الحد الأقصى لملوحة مياه الشرب عن 500 مللى جرام/لتر، وألا تزيد أملاح الكلوريدات على 240 مللى جرام/لتر، وملح البورون عن 2.4 مللى جرام/لتر، وتبلغ نسبة الملوحة الناتجة من محطات التحلية بين 350  لـ420 مللى جرام ملح لكل لتر مياه، وبالتالى تُعتبر مياهًا ذات جودة عالية، وتصلح للمناطق البعيدة عن نهر النيل، مؤكدًا أن تحلية المياه بمثل هذه المناطق البعيدة تكون الحل الأفضل؛ لأن تكلفة إنشاء خطوط نقل المياه من النيل أصبحت عالية للغاية، مُشيرًا إلى أن تكلفة إنشاء محطات تحلية مياه البحر أقل بنسبة 50% تقريبًا عن تكلفة إنشاء محطات الرفع لضخ المياه بالشبكات، كما أن تكلفة تحلية المتر المكعب من المياه لا تُقارن بتكلفة تنقية ونقل مياه النيل، مُشددًا على أن المُستقبل يعتمد على تحلية المياه، مُشيرًا إلى أن أكثر المناطق التى يُمكن تحلية مياه البحر فيها هى مرسى مطروح والإسكندرية ورشيد ودمياط وبورسعيد وشمال سيناء والإسماعيلية والسويس والبحر الأحمر، وجميع المدن الجديدة على الساحل.