كشف حساب

عودة القرى المنتجة!

عاطف زيدان
عاطف زيدان

ظلت القرية المصرية، حتى نهاية سبعينيات القرن الماضى، تكتفى ذاتيا تقريبا من كل المنتجات الغذائية. حيث كان كل بيت ينتج خبزه من القمح والذرة التى تنتجها الأرض.

كما تصنع ست البيت الجبن القريش والقشدة والسمن البلدى من الألبان التى تجود بها المواشى. أما البروتين فحِّدث ولاحرج عن الطيور بأنواعها المختلفة، من دجاج بلدى وبط وأوز وحمام، ناهيك عن البيض الذى يتناثر فوق السطوح بكميات كبيرة.

وإذا تحدثنا عن الخضراوات والفاكهة بكل أنواعها، فتوافرها بديهى فى بيئة تحيطها الأراضى الزراعية من كل جانب.

لكن مع هجوم موسم الهجرة إلى دول الخليج النفطية، وظهور الدولارات هجر الشباب قراهم وتسابقوا للسفر إلى الخارج، بحثا عن العملة الصعبة.

وبدأ العائدون فى بناء العمارات السكنية المسلحة، وسار على خطاهم كل عائد. لتتحول القرى المنتجة الهادئة، التى يغلب على مبانيها الطوب اللبن إلى كيانات أسمنتية ماسخة. لتفقد القرى المصرية هويتها، ويتحول ساكنوها من الاكتفاء الذاتى من المنتجات الغذائية إلى أفواه تعتمد كليا على شراء احتياجاتها من أسواق المدينة. ومما يؤسف له أن الأموال التى تم تحصيلها من العمل بالخارج، لم يتم استغلالها فى إقامة مشروعات تمثل قيمة مضافة للقرى، وإنما تم استخدامها فى الاعتداء على الأراضى الزراعية، وتحويلها إلى مبان خرسانية!


أصبحت قرى مصر، بسبب أموال الخليج، عالة على الوطن! ولا أكاد التقى أى إنسان ريفى الأصل إلا وأسمعه يتحدث بحسرة على ما آلت إليه أحوال القرى.

فلاشىء يتم انتاجه، الجبن والزبدة والطيور والخضراوات، وحتى الخبز يتم شراؤه من الأسواق! ليبقى السؤال: هل يمكن استعادة الدور الإنتاجى للقرية المصرية؟ الجواب: نعم، بشرط صياغة قانون جديد للمشروعات الريفية يتضمن عددًا من الحوافز والإعفاءات الضريبية، لتشجيع إقامة المشروعات الصغيرة فى مجالات الإنتاج الزراعى والحيوانى والداجنى ومنتحات الألبان، وإنشاء كيان بكل محافظة لديه فروع فى كل مركز، لتقديم التمويل الميسر والدعم الفنى والتدريب للقائمين على تلك المشروعات. عودة القرية المنتجة هو الحل، لتوفير المنتجات الغذائية بأسعار مناسـبة، ناهيك عن توفير فرص عمـل مجزية، تضمن حياة كريمة لأصحابها. وتمثل إضافة كبيرة للاقتصاد الوطنى.