مشوار

مصطفى حسين «البسمة» الغائبة

خالد رزق
خالد رزق

فى صبيحة أحد الأيام فى عقد التسعينات وصلت إلى مقر فرع دار أخبار اليوم بالإسماعيلية ليستقبلنى عم محمد ساعى المكتب بوجه متهلل تعلوه ابتسامة ، ويبادرنى أن هناك ضيفا كبيرا بانتظارى فى غرفة مكتبى و لم يفصح العم العزيز عن شخصه ، دخلت إلى المكتب و إذ بى أمام واحد من أهم الشخصيات بدارنا و ربما أحبهم إلى قراء صحف ومجلات مؤسسة أخبار اليوم كلها ، استقام الرجل فارع الطول الذى كان يجلس بمقعدى ، و أنا بالكاد لا أصدق نفسى فالذى أمامى هو الأستاذ مصطفى حسين رسام الكاريكاتير الأهم ليس فى مصر وحدها و إنما على مستوى العالم العربى كله وصاحب المدرسة المتفردة عالمياً ..

استقبلت استاذنا المهيب بموهبته و شخصيته الكاريزمية الطاغية بالترحيب اللائق بعظيم احترامه و أقدره كما ملايين من المصريين و أنا فى حيرة من أمرى فماذا أتى بالرجل العظيم إلى مكتبى المتواضع و ما تراه ينشغل بفعله و قد جلس تصاحبه زوجته بالغة التهذيب و الرقى بمكتبى .. و لم يتركنى الرجل لحيرتى ، فبادرنى لديك جهاز فاكس بالمكتب (كان هذا الجهاز عزيزاً نادراً ما تجده بمصر وقتها) وأجبته أن نعم ، فرد إذن أعمل منه و فى تهذيب الكبار استأذننى بأن يبدأ عمله ليرسله عن طريق الفاكس إلى الجريدة بالقاهرة.. تركت الأستاذ و أنا أظن بأن عمله فى رسم الكريكاتيرات الثلاثة التى سيرسلها لتنشر بجريدتنا الأخبار فى العدد الذى سيصدر باليوم التالى ربما يستغرق ساعة أو نحوها إذ كنت أتصور الأمر سهلاً عنده ، ولكن الذى أدهشنى أن الرجل الذى استغرقه العمل كلياً فكنت أدخل إليه فقط بواجبات الضيافة ، «أخذ» منه الرسم ما يزيد عن 4 ساعات كاملة سلمنى بعدها رسوماته لإرسالها وكانت إحداها الرئيسية للصفحة الأخيرة ، و ثانيها صغيرة وبدورها كانت للأخيرة وتحمل عنوان الحب هو ، و الأخيرة للصفحة الأولى و حملت شخصية قاسم السماوي..

وبعدما تأكد الأستاذ من وصول كاريكاتيراته للجريدة ، راح يتباسط معى و كنت بعد شاباً فى العشرينات و جالسنى لمدة تتجاوز الساعة ، فهمت فيها كيف يدقق هذا الفنان الكبير فى عمله ليخرج إبداعاً على النحو الذى وضعه بمقام أعظم رسامى الكاريكاتير فى تاريخ الصحافة المصرية كله.. رحم الله استاذنا الذى خسرت بغيابه أخبار اليوم خسارة لا تعوض وغابت من بعده بسمة كانت تكسو وجوه قرائه كل يوم.