السينما تنتصر فى معركتها مع « القراصنة »

قرصنة الأفلام
قرصنة الأفلام

ريزان‭ ‬العرباوى

عانت السينما المصرية من قرصنة وسرقة الأفلام منذ زمن طويل, واستمرت تلك الظاهرة في تهديدها للصناعة بأشكال مختلفة، وبالرغم من الجهود المبذولة لمكافحة القرصنة والحد من تأثيرها السلبي, إلا أنه مع مرور الوقت والتطور التكنولوجي المذهل، زاد من صعوبة السيطرة على الموقف، وأتاح طرق وأساليب مختلفة لذلك السلوك الغير قانوني الذي يعد انتهاك لحقوق الملكية الفكرية واستباحتها دون أدنى حق، بل والاستفادة منها, وأصبح لا سبيل لمواجهة هذا الجرم سوى شغف الجمهور وحبه للسينما، وهو ما حدث بالفعل, حيث شهد الموسم السينمائي الأخير ارتفاع ملحوظ في معدل الإيرادات، مع العلم أن كل الأفلام دون استثناء تم سرقتها وإتاحتها على المواقع الإلكترونية المختلفة منذ اليوم الأول لعرضها.. فهل يعد ذلك انتصارا لسينما على قرصنة الأفلام وهزيمة معلنة لـ”الهاكرز”؟, وكيف يتم الحفاظ على تلك الحالة الصحية حتى تنجو الأفلام من عمليات السطو المختلفة؟.

في البداية يقول سيد فتحي – مدير عام غرفة صناعة السينما - : “استغناء الجمهور عن النسخ المسروقة وتفضيل السينما عليها بالتأكيد هو انتصارا واضحا وصريحا للسينما على تلك الظاهرة السلبية, والتفسير الفني لهذا الإقبال هو عشق الجمهور للسينما, فذواق الفن يريد أن يرى صورة نقية وصوت قوى من خلال الشاشة الكبيرة, فالأفلام المسروقة عادة ما تكون ذات جودة رديئة وأحيانا يحتوي الفيلم على فواصل إعلانية وهو أمر ممل يفقد متعة المشاهدة، لذلك يفضل السينما، فالجمهور واعي, وأرى أن هناك ضرورة ملحة للقضاء على ظاهرة القرصنة من خلال تثقيف المواطن سينمائيا وأخلاقيا، كي يعلم أن مشاركته في شراء أسطوانة مسروقة يعتبر شكل من أشكال السرقة، وأن مفهوم السينما يكمن في المشاهدة الجماعية التي تكسبها متعة خاصة”.

ويضيف: “بذلت المؤسسات المعنية جهودا كبيرة لمحاربة (الهاكرز) وقراصنة الأفلام وتضييق الخناق وإحكام الرقابة سواء على القنوات الفضائية أو الإلكترونية التي تدار من تحت (بير السلم)، وتهدف إلى جذب المعلن للإعلان من خلالها, والتي تعتبر سبب أساسي في وجود وإستمرار القرصنة, لكن إن تمت السيطرة على شركات الدعاية التي تمد تلك القنوات بالإعلانات ومنعت ذلك عنها، فمن الممكن أن يكون سببا في تراجع تلك الظاهرة”، ويستكمل حديثه بالقول: “معروف أن السينما تعاني منذ زمن طويل من القرصنة، وتم محاربتها مرارا وتكرارا، لكن خطورة الموضوع تزداد مع زيادة التطور التكنولوجي، وهذا الملف تم طرحه على مكتب 3 وزراء والنتيجة يترجمها الواقع, فمع الأسف عالم القرصنة من الصعب السيطرة عليه تماما، خاصة في ظل الثورة التكنولوجية المشهودة التي تزيد معها التحديات وتأخذ منحى وأساليب أكثر دهاءً, وليست كل السرقات تتم من داخل السينما نفسها أحيانا تكون من خلال انتقال النسخ من مكان لآخر, لذلك لابد أن تخضع النسخ لرقابة شديدة وهي في طريقها لدور السينما، وأن يتم العرض أيضا تحت رقابة مشددة حتى لا تتاح الفرصة لأي شخص بالتصوير, ويظل الرهان هنا على عشاق السينما، فمن الصعب عليهم استبدالها بفيلم مسروق، وطبعا المواسم لها دور فعال في عودة الروح والإقبال الشديد على السينمات ومعروف أن موسم العيد من أكثر المواسم التي تشهد هذا الإقبال”.

“تعطش الجمهور”

ترى الناقدة ماجدة موريس أن التفسير الأقرب لهذه الظاهرة الصحية, هو “الحالة السينمائية” نفسها, وتقول: “لدينا جمهور محب للسينما يتفاعل معها، وتلك الحالة والمشاركة الجماعية لها تأثير كبير على نشاط السينما وعودة الروح لها من جديد, فالسينما فن جماعي في المشاهدة، خصوصا أفلام العيد والمناسبات، ودائما ما يفضل الناس مشاركة الفرحة، وأن تكون جماعية هو جزء مهم في مواجهة القرصنة والحد من أعمال السطو على الأفلام, طبعا نستثنى من تلك الحالة أصحاب السلوك الذي لا يعبر عن المجموعة, وعلى فكرة إذا تم تخفيض أسعار تذاكر السينما عن المتاح، ومع زيادة دور العرض سيزيد معها الإقبال، مما سينعكس على الصناعة ويساهم في إزدهارها وتحقيق إيرادات أضعاف ما يتحقق الآن”.

وتضيف: “السينما فن شعبي بالدرجة الأولى، وكان طقس للجمهور في فترة الستينات والسبعينات، عندما كانت تقام حفلات السينما الصيفي، فكانت العائلات تذهب لمشاهدة 3 أفلام دفعة واحدة وتعود سعيدة, وللأسف هذا الطقس أنتهى بفعل غلق عدد كبير من السينمات، ومع ارتفاع تكلفة التذكرة، لكن لا يزال الجمهور المصري ذواق للفن محب للسينما, فالسبب الأساسي لهذا الإقبال والإبتعاد عن النسخ المسروقة والمتاحة مجانا, هو تعطش الجمهور للسينما بالإضافة إلى تنوع الأفلام والموضوعات المطروحة وتواجد النجوم المفضلين مثل كريم عبد العزيز وتامر حسني ومحمد هنيدي, فالمسألة مرهونة أيضا بوجود نجم له شعبية كبيرة يستحق ثقة الجمهور بتقديم موضوعات ذات قيمة ومضمون”.

وتستكمل ماجدة حديثها بالقول: “مما لا شك فيه أنها قضية عالمية، فقد جاء وفد أمريكى في الثمانينات لعرض القضية على مجلس الشعب مع سرقة الأفلام الأجنبية في بداية الثورة التكنولوجية، وكان هناك سعي من أجل إصدار قرار لحماية الصناعة، لأنها رأس مال مهم, ومع ذلك ستظل ظاهرة مستمرة، ولن تنتهي، فمن الصعب الإستحواذ والسيطرة عليها بنسبة 100%، والمهم هو وعي الجمهور ورفضة لهذا السلوك المخالف للقانون، مع توفير المناخ المناسب الذي يؤدي إلى الإقبال المستمر من سعر تذكرة مخفض ملائم للجميع، وإتاحت دور عرض سينمائي في مختلف انحاء الجمهورية”.

“ظاهرة صحية”

ربط الناقد رامي عبد الرازق بين عزوف الجمهور وابتعاده عن النسخ المسروقة بإرتفاع قيمة تذاكر السينما ووضح ذلك قائلا: “جزء من الموضوع مرتبط بإرتفاع تكلفة التذكرة، لذلك يتم تشديد الإجراءات الأمنية في دور السينما المختلفة لضمان المكسب وتجنب الخسارة المالية, فأصبحت أكثر حرصا لمنع سرقة الأفلام داخل السينما نفسها, وحتى وإن تمت عملية السرقة فالنسخ تكون بجودة رديئة سواء على مستوى الصوت أو الصورة, مما يفقد متعة المشاهدة، فالجمهور يرغب في مشاهدة الأفلام ونجمه المفضل بإستمتاع، وبالتالي أصبحت تلك النسخ غير مشبعة له بعد أن اعتاد على مشاهدة الأفلام والمسلسلات بجودة عالية، خاصة في فترة حظر وباء (كورونا) وانتعاش المنصات والمواقع المختلفة وقتها, فبالتالي لن ترضيه الجودة الرديئة, وهو في مصلحة الصناعة والموزعين ودور العرض، وقد يكون سببا في منع حدوث تلك التسريبات, فهي ظاهرة صحية وأتمنى أن تستمر, فمن الطبيعي أن الأفلام طالما صنعت للسينما أن تتم مشاهدتها من خلال دور العرض، لا أن يتم سرقتها بكاميرا (موبايل) وإتاحتها على أي (سيرفر) لجمهور يأكل (لب) و(فشار) في المنزل”.

ويتابع: “لابد أن ينتبه أصحاب دور العرض والموزعين لتلك الظاهرة الصحية التي تعد انتصارا للسينما على الظواهر السلبية، والاستفادة من هذه الحالة واستغلالها، لكن ليس بزيادة تكلفة التذاكر, لأن كل 10 جنيه زيادة على قيمة التذكرة يخسر الفيلم أمامها عدد كبير من المتفرجين, وهناك فئات من الممكن تستغني عن السينما    , فمن المفترض التعامل بشكل إيجابي والابتعاد عن فكرة زيادة أسعار التذاكر واستغلال المواسم بضرب السعر في أضعافه حتى لا يعود الجمهور مرة أخرى للنسخ المسروقة بعد أن اعتادت ذائقته على الجودة العالية, فإن لم يتم التعامل مع هذا الوضع بشكل إيجابي واستثماره بذكاء وإحترافية سينقلب ويتحول إلى مشكلة كبيرة تؤدي إلى عزوف الجمهور عن السينما من جديد لينتظر إتاحة الفيلم على أي (سيرفر) حتى ولو كان بجودة سيئة”.

ويضيف: “استبعد أن تكون جودة الموضوعات المطروحة سبب في هذا الإقبال، لأن معظم المتاح يبتعد عن القيمة، بالعكس هي أفلام متواضعة فنيا، وقد تكون بها رداءة درامية بموضوعات مستهلكة بعيدة عن التفرد والتميز الفني، ومع الأسف حتى الأفلام التي حققت إيرادات مرتفعة ضعيفة دراميا، ولولا حب الناس للممثل والنجم لم يكن الإقبال بهذا الحجم, بالإضافة إلى عوامل اجتماعية معينة، فالسينما تعتبر وسيلة ترفيه وخروجة غير مكلفة بالمقارنة مع الوسائل الأخرى، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، وإلى الآن تعتبر السينما (فسحة) في متناول عدد كبير من الشرائح الاجتماعية، وفي حدود الميزانية, وتلعب أيضا المواسم دور مهم في هذا الإقبال، خاصة الأعياد”.

أما عن أسباب إستمرار القرصنة يرى رامي أنها تتلخص في 4 عناصر: “منافسة غير شريفة تواطأ فساد فشل, منافسة غير شريفة بسبب سلوك بعض الموزعين بضرب أفلام الشركات المنافسة وتواطأ من بعض العالمين داخل دور العرض مع (الهاكرز), وفشل بعض المؤسسات المسئولة في خلق ضوابط حقيقية لمراقبة دور العرض للحد من الظاهرة.

اقرأ أيضًا : في ذكرى وفاة شويكار.. قدمت 100 فيلم للسينما المصرية


 

;