إنهــا مصـــــــر

شباب حديقة الأزبكية

كرم جبر
كرم جبر

قريبا تصبح حديقة الأزبكية لؤلؤة القاهرة، ورئة للمنطقة المختنقة بالمبانى والشوارع والجراجات والباعة الجائلين وكل صور القبح العمرانى، وتعود مقصدًا لحفلات الصيف والشتاء كما كانت ايام زمان .

زمان كانت كوكب الشرق أم كلثوم وكبار المطربين المصريين والعرب يسعدون المصريين بحفلاتهم، فضلا عن إقامة مختلف الاحتفالات الفنية والثقافية، وتميزت بأشجار ونباتات نادرة وتصميم وتخطيط فريد.

وبعد حريق القاهرة عام 1952، تم تقسيم ميدان الأزبكية نفسه، وقسمت حديقة الأزبكية هى الأخرى، وشيد على جزء منها سنترال الأوبرا، واخترقها شارع 26 يوليو، فقسمها إلى قسمين.

الجمال يعود رويدا رويدا الى القاهرة بجراحات تجميل مدروسة بدقة وعناية فى اماكنها الاثرية والتاريخية، لتعود كما نراها فى الافلام القديمة والصور النادرة.

ويهدف مخطط تطوير حديقة الازبكية الى اعادة استزراع الاشجار الجميلة والنباتات النادرة، وتشييد النافورة الشهيرة المصنوعة من الرخام الملون، وازالة التعديات العشوائية التى اقتطعت مساحات منها مثل جراج الاوبرا، الذى حل محل اقدم اوبرا فى الشرق، تم افتتاحها بأوبرا عايدة التى عرضت فى ديسمبر 1871فى الاوبرا الخديوية، وظلت تعرض على فترات حتى حريق الاوبرا عام 1971.

ولو أخذت جولة على الأقدام فى يوم إجازة، فى شوارع وسط البلد، شارع قصر النيل وعبدالخالق ثروت وقصر العينى وغيرها، ستدرك لأول وهلة حجم التشوهات والجرائم العمرانية فى حق هذا البلد، وعمارات قديمة كانت تشبه المتاحف بالرسومات والنقوش على الاحجار ومرصعة بالتماثيل، فأصبحت بنايات متآكلة ومشوهة.

لو نظرت إلى أى عمارة من أعلى، فهى غاية فى الروعة والجمال، تماثيل حجرية وأشكال هندسية رائعة، وكأننا فى متحف، ولو نظرت إلى العمارة من أسفل زجاج وأنوار وألوميتال ومحلات أحذية وملابس وكشرى وشاورمة.

وكأننا أمام تمثال جميل من أعلى ولطخناه من أسفل.. وكان فى وسع من قاموا بهذه التشوهات أن يحافظوا على الشكل العمرانى للعمارة، للحفاظ على جمالها والطراز المميز.

سنوات طويلة من التشويه والتخريب والتدمير لقلب العاصمة التى كانت تسمى القاهرة الخديوية نسبة إلى الخديوى إسماعيل وهو من أعظم البنائين فى تاريخ مصر، ولكننا شوهنا تاريخه مثلما تشوهت العمارات التى بناها.

الخديوى إسماعيل كان شغوفاً بالجمال والبناء، وأراد أن يجعل القاهرة مثل باريس، فاختار مجموعة من المهندسين على الذوق الفرنسي، فشيدوا القاهرة وأطلقوا عليها باريس الشرق، وقام بالإنجاز العظيم المهندس الفرنسى «هاوسمان» الذى خطط القاهرة صورة من باريس.

باريس لا تزال شابة والفرنسيون يعضون بالنواجز على تراثهم العمراني، ويعيدون أى مبنى آيل للسقوط إلى ما كان عليه بشكله القديم وملامحه وتفصيلاته، ولم يهدم مبنى اثرى ليحل محله برج عشوائى .

والقاهرة ستعود كما كانت جميلة ودرة مدن الشرق، فليس معقولا ان يكون امام مبنى المطافى والبريد بالطراز القديم، عمارة قبيحة أشبه بألواح الصفيح المرصوصة فوق بعضها.