«بسنت» قصة قصيرة للكاتب عبد العزيز حمادي

صورة موضوعية
صورة موضوعية

كل شيء في مكانه، البيت مرتب، الغداء معد وجاهز، لا توجد ملابس متسخة بسبت الغسيل، ولا توجد أطباق متسخة في حوض المطبخ، ولا ملابس متراكمة، تنتظر دورها في الكي، هكذا كانت "نجاة " تتمتم، كل شيء في وضع الاستقرار، إلا روحها، تشعر بعدم استقرار، عدم ارتياح، تخبط ، احباط يصل لدرجة الاختناق.

 

دخل الشيطان بينها في لحظة، مصارحة في لحظة غضب، وعتاب بسبب "بسنت" التي ولدت بعين مثل عين السمكة، تلبس نظارة سوداء، لا تلعب مثل أقرانها في الشارع، كان جدها " طايع يجلس في حديقته، حزين عليها، لم يقم بحلق لحيته منذ أن أخبره الطبيب بأن بسنت تعاني من عدم الرؤية الكاملة.

 

قدمت نجاة الإفطار لزوجها محمود، تركته يفطر منفردا.. لحاله، جلس الزوج يفطر على الطبلية، وضعت له الزوجة عسلا، وفطيرة، وقطع من الجبن القريش القديمة، وبعض أعواد الجرجير, كان الزوج يأكل دون أن يشعر بلذة الأكل، ولا بمذاقه، يترقب زوجته لتشاركه الإفطار، لكنها ذهبت إلى المطبخ مرة أخرى، غادر الزوج المنزل المبني بالطوب والأسمنت فقط، معرش بجذوع الأشجار، وجريد النخيل، ذهب دون أن يتناول فطوره، فالأكل كما هو.

 

نظر خارج المنزل ليجد بسنت تجلس بمفردها بعيدا عن "ملك"، بنت الجيران، التي تلهو وتلعب لوحدها، رغم أنهما في نفس المدرسة، ونفس الفصل، لم يشاهد محمود ابتسامة زوجته مثل كل صباح، بدأت الزوجة تشعر بحالة محمود، فسيطر عليها الحزن، بدأت تذرف عيناها الدموع، حزنا على حزن محمود، وعلى حال بسنت، أعدت نجاة لزوجها طعام الغداء الذي يحبه، زينت البيت بالورود، والبخور، والروائح الجميلة، ليكون رائعا عند عودة زوجها من عمله، عاد محمود من عمله، استقبلته زوجته بابتسامة وحب، دخلت بسنت دون أن تلبس نظارتها، كأنها ترى كل شيء بنور البصيرة، لا البصر.