«الصدمة».. قصة قصيرة للكاتب حسين العصفوري

«الصدمة» قصة قصيرة للكاتب حسين العصفوري
«الصدمة» قصة قصيرة للكاتب حسين العصفوري

كان اهتمامه محدود بالمسابقات الأدبية وخاصة الصغيرة منها حتى لا يتأثر اسمه وقلمه حين يجد نفسه بين أقلام جديدة، ليس تقليلا من شأن الشباب ولكن وهج وهيبة القلم تعني وجوده الأدبي، فهو لم يسع لشهرة أو ظهورا أو منافسة أحد على مكانة ما أو موضع نشر أو حتى ترتيب أقلام،

 

ولكن هذه المسابقة تعني له الكثير، وفرح جدا حين اقترأ الشروط المبدئية ولأول مرة يستشعر أنه يحتاج للفوز رغم العقبات الكثيرة التي واجهته وجعلته يلجأ لمطبعة غير مصنفة ولكن إعلاناتها التي كانت تملأ الصفحات الاجتماعية وبأسعارها الرخيصة جعلته يضطر أن يوكل اليها أمر الطباعة ولكنه سرعان ما شعر الاشمئزاز حين استلم الرواية منهم، فلم يكن الإخراج والتنسيق ملائما أو حتى مقبول، وشعر أنها دون المستوى بل ربما تكون سببا في نفور القراء عنها، فقرر أن يطبعها في دار نشر أخرى لها ثقل في التوزيع والانتشار في المواقع والصفحات، ولم ينتظر كثيرا حتى وصل الرد، أن التكلفة أعلى بكثير مما توقع؛ فرفض على الفور،

 

كان يعتقد أن الأمر سيقتصر على الفكرة التي أعجبتهم أو الأدوات التي نالت استحسانهم ولكن الأمر بدا له كعملية تجارية وليست أدبية أو ثقافية ومع اقتراب وقت المسابقة لم يجد أمامه إلا دار نشر مغمورة ليس لها ثقل أو يعرفها إلا عدد قليل ربما أصدقاءهم وأقاربهم، وظل يقنع نفسه بجدوى المحاولة، ولما لا وهو يملك رقم إيداع محلي ورقم إيداع دولي والغلاف جاهز وهي أشياء يطلبون لها ويخصصون المبالغ منفصلة عن التكلفة الأصلية، وتفاجأ بسرعة الطباعة؛ والسعر مناسب، وأخيراعرف طعم السعادة في عالم الكتب والنشر ووجد  ضالته في الدار المغمورة التي استقبلته سكرتيرتها بالترحاب والابتسامات والود العميق وأيقن أن عالم الثقافة بخير فلا يضيره مزور هنا أو منتفع هناك ولم ينتظر طويلا، أرسل نسخ الرواية الثلاث للمسابقة، وبينما هو يتابع تقدم المراحل على صفحات المواقع والانترنت  وبعض الصحف الورقية؛ كانت روايته تتقدم مع كل مرحلة وهو يفتخر بقدرته على مراجعتها وتنسيقها وضبط الترقيم والحبكة في هذا الوقت القليل حتى وصلت الى المرحلة النهائية، تأكد أنها ستفوز وسيحصل على جائزة دولية أخيرا، ومنذ وقت طويل يكتب وينشر ولكنه لم يكن يشغله سوى بالكتابة.

 

وبلا مقدمات معلنة، وجد رواية أخرى هي الفائزة بالمركز الأول، وروايته غير مدرجة في أي من القوائم وتم حذف جميع الأخبار والإشارات عن فوزه في المراحل المتقدمة حتى قبل النهاية بمرحلة.

 

أمسك بالرواية؛ راجعها بتأنّي، بحث عن انتهاكات مجتمعية، أو إيحاءات جنسية، أو توجهات سياسية، أو تشدد ديني أو حتى معاداة السامية؛ لم يجد شيء.

 

 وهي رواية إجتماعية كتبها عن قصة واقعية التقى فيها شاب بفتاة رائعة الجمال أيقن أنها فتاة أحلامه وحين بدأت العلاقة تقوى ويقترب رويدا رويدا من خطبتها تصدعت كل الجدران من حوله وإنهار السقف على جميع الرؤوس وانسحبت الفتاة ومعها كل الآمال في غد أفضل أو حتى إحساس بالأمان، وصحبتها الآلام، فلا يوجد في فكره أو أحداثها أو طريقة سردها، ما يجعلها تخرج من المسابقة بهذا الشكل المهين وظل يتابع ويقارن ويبحث ربما يكون الناشر نشرها في مكان ما أو عرضها في المكتبات بدون علمه؟

 

 لم يصل لجواب حاسم وأرسل بريد إلكتروني ورسائل على المحادثات حتى الهواتف لم تبتعد عنه وعن فمه ويده وأيضا مشاعرة التي تحطمت كثيرا مما آلت إليه روايته الحبيبة والقريبة من قلبه كما كان يردد دائما، ولم يمهله القدر حتى يفرح ولو لتخليد ذكراها أو ذكرى الحب الوحيد في حياته وكأنها لا تريد أن يعرفها أو يذكرها غيره.

 

 جاءته الرسالة وبها الروايات الثلاث مع ساعي البريد ولم يحتاج أن يعرف، فقد كانت الرسالة الوحيدة التي أرسلها منذ نعومة أظافره، فتحها بلا تردد، بحث عن ورقة أو رسالة يذكرون فيها الأسباب

 

 أمسك بالنسخ الثلاث للرواية، تفحصهم على عجل، فتح الصفحة الأولى ثم الثانية، لاحظ قلم جاف كتب بطريقة تصحيح أوراق الاختبارات، ولكنها ليست داخل الرواية، بل كانت على رقم الإيداع، حاول القراءة بصعوبة .. العبارة مكتوبة بغضب شديد يبدو من عدم وضوحها أو بسرعة كبيرة:

 

 

 بعد مراجعة دار الكتب والوثائق تأكد لنا أن رقم الإيداع المحلي غير صحيح والدولي لم نراجعه بعد وأن دار النشر لا وجود لها في مجتمع الناشرين.

 

شعر بالأرض تميد تحت قدميه، حاول التماسك أو التفكير؛ فشل، سقطت الكتب من بين يديه، فكر في المصنفات الفنية وتقديم بلاغ في النيابة أو حتى الذهاب لدار الكتب، فكر في فضح أمرهم، حتى لا يخدعوا غيره، نظر إلى الأرض؛ كانت نظيفة.

 

 نظر إلى السماء مستغيثا ومستمدا لبعض الأفكار أو الإلهام كما كان يفعل حين تتوقف الفكرة عن التحرك ويعجز القلم عن التعبير، وقتها يستمد العون في رجاء، ونظراته تنصهر في الفضاء حيث السماوات تحيطه والبرق والرعد ليس لهم أثر لكي يثورا معه فقد تعرض للغش والخداع وتم انتهاك الطيبة والثقة في القوانين المنظمة ببراعة واستهتار منقطع النظير، وتم التعرض عن قصد لكرامة قلم وسلوك إنسان، ولكنها كانت إحدى صباحات تموز الحارقة  توشك أن تحرق جبين المضللين لعقول وقلوب بكر وأقلام طاهرة أبت إلا الاستمرار في التعبير والبوح لعيون تبحث عن الجمال بين سطور نورانية .. وهو يبحث بكل جهد عن موقع آخر يحقق له أمنياته بلا شفرات مبهمة .