بدون أقنعة

ضحايا الهجرة واليمين الأوروبى

مؤمن خليفة
مؤمن خليفة

كان المشهد مأساويا بكل المعانى .. عشرات  الأشخاص فى الصحراء يهيمون على وجوههم يموتون من العطش من بينهم أطفال ونساء كانوا فى طريقهم إلى هجرة غير شرعية إلى أوروبا عبر شمال أفريقيا .. ويزيد المشهد حزنا ذلك الشاب الأفريقى الذى فقد زوجته وابنه بعد أن تاهوا فى الصحراء .. كان منظره وهو يبكى على حاله يلخص رحلة مؤسفة وحزينة لم يجن منها سوى خيبة الأمل وفقدان الأحبة وضياع الحاضر والمستقبل .. هى رحلة اللاعودة وتزايد نشاط عصابات الهجرة غير الشرعية عبر دول أفريقيا وفى المقابل سعى أوروبا لتسكين هؤلاء المهاجرين فى دول بعينها فى القارة مقابل مساعدات مالية تستغل معاناة هذه الدول اقتصاديا وصعوبة الأوضاع التى تمر بها حاليا . صعود الأحزاب اليمينية فى أوروبا مرتبط بصورة كبيرة برفض سياسة الهجرة غير الشرعية من دول أفريقيا نحو أوروبا وهذا يمثل جزءا أساسيا من سياستها لاستمالة المواطنين للتصويت لها .. ففى المجر، ومقارنة بانتخابات عام 2018 التى أعطته غالبية الثلثين فى البرلمان، تصدّر حزب «فيديسز» القومى الذى يرأسه رئيس الوزراء، فيكتور أوروبان، نتائج الانتخابات التشريعية التى جرت فى أبريل الماضي. وتمكن مع تحالف الأحزاب اليمينية المتطرفة من أن يحصل على الغالبية القصوى فى البرلمان الذى يضم 199 مقعداً.


وفى السويد فازت الكتلة المكونة من اليمين المتطرف واليمين المحافظ الليبرالى بالانتخابات التشريعية التى جرت فى 11 سبتمبر الماضى حيث حصلت على 176 مقعداً مقابل 173 مقعداً لليمين الوسطى والخضر.. وقد دفع فوز اليمين بانتخابات السويد رئيسة الوزراء مجدالينا أندرسون إلى الإعلان عن تقديم استقالتها عقب فوز كتلة غير مسبوقة من اليمين واليمين المتطرف فى الانتخابات بغالبية ضئيلة.
التحول المفاجئ بالسويد والاتجاه السريع نحو بوصلة اليمين المتطرف، جعل إذاعة فرنسا الدولية تصف ما حدث بـ»الزلزال السياسى على مقياس أوروبا».. وفى فرنسا، ورغم عدم فوز زعيمة حزب «التجمع الوطني» اليمينى المتطرف، مارين لوبان، بالانتخابات الرئاسية الأخيرة فقد استطاعت أن تغير صورة حزبها لتجعله أكثر قبولاً لدى الفرنسيين. وهو ما انعكس إيجاباً على الحزب المتطرف بعد فترة وجيزة حيث حقق اختراقاً تاريخياً بالانتخابات التشريعية التى جرت فى يونيو الماضى بحصوله على 89 مقعداً ليدخل مقر الجمعية الوطنية من بابها الواسع ويحصل على كتلة برلمانية لأول مرة منذ عام 1986 ويصبح أكبر حزب معارض فى الجمعية الوطنية مع خسارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الغالبية المطلقة.


وفى إيطاليا كما كان متوقعاً صعدت قوى اليمين المتطرف مع نجاح حزب «إخوة إيطاليا» بزعامة جورجيا ميلونى بالفوز فى الانتخابات لتتولى بذلك وللمرة الأولى فى تاريخ إيطاليا امرأة رئاسة الحكومة الإيطالية.. لقد مثّل صعود تيار اليمين المتطرف اتجاهاً عبر أنحاء أوروبا فى الفترة الماضية. ورغم أن الأفكار القومية دائمة الحضور فى السياسة الأوروبية، لكن المستويات المرتفعة من التأييد التى باتت تحظى بها أحزاب أقصى اليمين وما تروّجه من أفكار شعبوية متشددة أمر حديث العهد نسبياً.

 


والسمة الرئيسة الغالبة على الجماعات والأحزاب المنضوية لليمين المتطرف، سواء كانت راديكالية تعمل فى إطار عملية ديمقراطية أو أخرى معارضة لها هى الخطاب الذى يتحدث باستمرار عن وجود تهديد عرقى أو ثقافى ضد مجموعة أصلية من قبل مجموعات تعتبر دخيلة على المجتمع وعن ضرورة الحفاظ على الهوية الوطنية ومن ثم تأتى معارضة اليمين المتطرف للهجرة ولدى تلك الأحزاب شعور قوى بالهوية الوطنية والثقافية إلى درجة اعتبار أن اندماج ثقافات أخرى يشكل تهديداً على تلك الهوية ومن ثم فإنها ترفض فكرة التنوع وترفض استقبال مهاجرين جدد .. مشكلة كبيرة تحتاج إلى تنسيق دولى ومعالجة جذورها من الأساس.