فى قصة الطفل «أحمد» الذى يبحث عن أمه منذ 4 سنوات.. الجدة: إيمان الطلاق دمرها نفسيًا وخايفة يكون الاكتئاب أصابها

الأم وأطفالها
الأم وأطفالها

حبيبة‭ ‬جمال

 جرت العادة أن يضل الطفل الطريق ويتوه عن منزل أسرته؛ التي تبحث عنه في كل مكان حتى تعثر عليه، ولكن في هذه القصة انعكست الآية وتبدلت الأدوار؛ بعد أن أصبحت الأم هي العنصر المفقود وأصبح على أطفالها أن يتولوا هم مهمة البحث عنها وإعادتها للمنزل.. لكن هنا الأم خرجت بإرادتها من منزل الأسرة منذ ٤ سنوات وتحديدا عام ٢٠١٩م بعد خلافات أسرية حادة وتركت طفلين؛ أكبرهما وقتها لم يتجاوز ١٠ سنوات، وطفلة أخرى لم يتجاوز عمرها ٩ سنوات.. ومنذ هذا الحين والطفلان يبحثان عن الأم في كل مكان ويرسلان إليها مناشدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي على أمل أن يرق قلبها على حالهما وتعود لتأخذهما في أحضانها.. تفاصيل تلك القصة التي تحمل بين سطورها مأساة وحزن وحنين ترويها السطور التالية

البداية كانت مجرد منشور كتبه أحد الأشخاص، والذي اتضح بعد ذلك أنه طفل، عبر صفحته الشخصية على "الفيس بوك"، ولكن كلماته نالت تعاطف الجميع؛ حيث كان يناشد والدته التي اختفت منذ ٤ سنوات ولا أحد يعرف عنها شيئًا، لم يجد ذلك الصغير سوى السوشيال ميديا ليعبر عن وجعه وألمه ويوجه رسالة لوالدته لعلها تشعر وتحس عما بداخله فتعود له، فكتب الصغير يقول نصًا: "أمي الحبيبة.. لو أنتي شايفة البوست ده بالله عليكي ارجعلنا احنا محتاجينك جدا ومش قادرين نعيش لحظة حلوة من غيرك أنا وأختي جنى.. أنا عايز أشوفك بس ولو من بعيد اطمن عليكي.. وأنا مقدر كل الظروف اللي مريتي بيها.. أنا مش عارف أنت عايشة ولا ميته ولا حالتك ايه كلميني بس ولو حتى مش عايزه ترجعي وعايزه تفضلي في نفس مكانك أنا بقولك أنا معاكي.. فترة كبيرة أوي يا أمي تعبنا فيها أوي.. بكتبلك وأنا مش قادر أمسك دموعي تعبان من غيرك.. بحبك أوي". 

واختتم كلامه وهو يطلب من الجميع من يراها أو يتعرف عليها يتواصل معه، وترك الصغير رقم هاتفه.. قد تراه مجرد كلام ولكن عندما تقرأه تستطيع أن تشعر بحال هذا الصغير؛ الذي سرد وعبر عن مشاعره بكل صدق.. تستطيع أن تشعر بحنينه ولحظات الدفء والحب التي كان يشعر بها ووالدته بجانبه.. لماذا فعل الطفل هذا؟!، أكيد للقصة أصل لنعرفها أولًا في محاولة منا أن نساعده ونطلق صرخته ونرسل رسالته للأم.. وإن بقي السؤال لن يجيب عليه أحد سواها بعد عودتها؛ كيف هان عليكِ أن تبتعدي؟، كيف طاوعك قلبك أن تتركي طفليك وترحلي؟، أو كما وصفها أحمد "ليه سبتينا يا أمي"؟!

أصل الحكاية

الحكاية بدأت تفاصيلها منذ عدة سنوات داخل بيت صغير بعزبة محسن، بمحافظة الإسكندرية، في هذا البيت نشأت إيمان محمد، بطلة قصتنا، فتاة جميلة الملامح، تعيش مع أسرتها الصغيرة، تزوجت إيمان وانتقلت للعيش في بيت زوجها، عاشت حياة سعيدة حتى أنجبت طفلين، أكبرهما الآن أحمد، الذي يبلغ من العمر ١٤ عاما، وتصغره بسنة واحدة شقيقته جنى، حياة طبيعية عاشتها تلك الأسرة الصغيرة، حتى عام ٢٠١٨م، بدأت تعرف المشكلات والخلافات طريقها للزوجين، فكان الانفصال هو الحل الوحيد، انفصلت إيمان عن زوجها وعادت للعيش مع أسرتها مرة أخرى، أما بالنسبة للطفلين، كانت هناك جلسة عرفية حكموا فيها أن يعيش الطفلان مع والدهما، وكل أسبوع يذهبان لوالدتهما ويجلسان معها لمدة يومين فقط، قبلت إيمان الوضع الذي فرض عليها خاصة وأنها لا تملك شقة مستقلة يعيش فيها طفليها معها، بالإضافة لرفض الجد للأم استضافة الطفلين في منزله، قبلت وهي تتوجع من الحزن وفراق فلذة كبدها، خاصة أن الاتفاق لم يتم كما قيل، وبدلًا من أن يذهبا إليها كل أسبوع، لم ترهما إلا كل عدة شهور؛ فأصابها الاكتئاب والحزن، كل شيء حولها يؤلمها ويؤذيها حتى أقرب الناس إليها، أسرتها التي تعيش معهم، حاولت إيمان البحث عن وظيفة حتى تتمكن من شراء شقة أو على الأقل تأجير شقة للعيش فيها بصحبة طفليها، وبالفعل وجدت وظيفة في أحد المصانع.. مرت الأيام على هذا الحال حتى يوم ٢٤ سبتمبر ٢٠١٩م، ذلك اليوم الذي غير كل شيء ليس فقط في حياة إيمان ولكن في حياة من حولها. 

اختفاء

استيقظت إيمان مبكرًا كعادتها كل يوم، استعدادًا للذهاب لعملها، بدا اليوم طبيعيًا جدا ولكن السيناريو تغير تماما؛ تأخرت إيمان عن عودتها لمنزل الأسرة، بدأت تشعر الأم بالقلق، حاولت الاتصال بها كثيرًا ولكن الهاتف كان مغلقًا، القلق يزداد والأم تشعر بالخوف، وكأن قلبها يحدثها أن ابنتها أصابها مكروه، فخرجت تسأل عنها في المصنع، وهناك كانت الصدمة؛ أن إيمان وصلت العمل وظلت تبكي وتصرخ ثم انصرفت بعد ساعتين فقط ولم تكمل يومها. 

بحثت الأم عن ابنتها في كل مكان، لم تترك بابًا إلا وطرقت عليه، أقسام الشرطة والمستشفيات، ولكن بلا فائدة وكأن الأرض انشقت وابتلعتها، فلم يكن أمامها حلا سوى تحرير محضر باختفائها الغامض، ولم تكتف بذلك بل تولت مهمة البحث عن فلذة كبدها، وعندما تم تفريغ كاميرات المراقبة، رصدت إيمان وهي تستقل توك توك وبعدها اختفت حتى تلك اللحظة. 

الجدة

تواصلنا مع والدة إيمان، تلك الأم المكلومة التي جفت عيناها من البكاء وانفطر قلبها حزنًا عليها، فقالت: "إيمان اتظلمت كتير، كانت حياتها طبيعية ولكن كل الناس دمرتها نفسيًا وخصوصا بعد الطلاق، كان نفسها تعيش مع طفليها، لذلك قررت العمل حتى تتمكن من استئجار شقة، ولكن لم يمهلها أحد لتحقق ما كانت تتمناه، تركتنا في عذاب وحيرة ولم نعرف عنها أي معلومة، بحثت عنها كثيرًا ولكن بلا فائدة، وعندما اختفت لم أعرف وقتها ماذا أقول لطفليها، في البداية أخبرتهما أنها سافرت الى القاهرة لتقيم مع خالها، ولكن لم أستطع أن أخفي الأمر طويلا، وأخبرتهما بالحقيقة، ورغم صغر سن أحمد إلا أنه قرر أن يتولى معي مهمة البحث عن والدته". 

صمتت الأم قليلا وكأنها تتذكر تفاصيل وذكريات من حياتها عاشتها مع ابنتها، وبصوت حزين ودموع لا تنقطع قالت: "٤ سنوات عدوا عليا وكأنهم ٤٠ سنة، صبري نفد، ولكن لسه عندي أمل أنها ترجع، أنا لحد اللحظة دي أتابع المحضر ونفسي أشوفها قبل ما أموت". 

سألناها هل يخبرها قلبها أن إيمان بخير أم أصابها مكروه؟، فقالت: "أنا تائهة في حيرة، لكن أوقات كتير برفع إيدي للسماء وأقول يارب اديني إشارة إنها كويسة، وفعلا نمت بعدها ولاقيتها خارجة من نعش وبتضحك ليا.. لكن أنا مش عارفة تفسير الحلم ده".

واختتمت الأم كلامها معنا برسالة لابنتها، فقالت: "بنتي الحبيبة.. حقك عليا.. أنا عارفة إنه غصب عنك.. ارجعي وأنا أوعدك إني هاخدك أنتي وأولادك ونمشي من هنا.. نفسي أشوفك يا إيمان قبل ما أموت.. قلبي بيوجعني على فراقك يابنتي".

كانت هذه هي التفاصيل الكاملة لحكاية إيمان، التي يبدو أن الظروف كانت أقوى منها وأجبرتها أن تترك فلذة كبدها، نطلق صرخة الأسرة ونتمنى أن ترى وتقرأ إيمان رسالة طفلها الصغير ورسالة والدتها التي تتجرع الألم وتعود لهم وتعيش معهم حياة هادئة من جديد. 

اقرأ أيضًا : مقتل زوجة على يد زوجها بسبب «المزاج»


 

;