بالأدلة.. تاريخ العلاقة المُريبة بين المخابرات البريطانية والجماعة الإرهابية

المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة
المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة

نستكمل ما أجراه الفقيه المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة المصري؛ المعروف بأبحاثه الوطنية من دراسة فريدة من نوعها غاية في الأهمية والدقة بعنوان «الفيلم الوثائقي مذبحة رابعة خيال مزور للحقائق وسطو على ثورة شعب ودور المخابرات البريطانية في الإساءة لتاريخ الشعوب وقادتها في ضوء التجارب الدولية»، وقد عُرض الفيلم بأحد المراكز الثقافية بالعاصمة البريطانية لندن.

قامت فيه جماعة الشر مع قرب الذكرى العاشرة لفض اعتصام رابعة المسلح في 14 أغسطس 2013، ببث الأكاذيب عن فض ما كان وكراً مسلحاً ومعسكراً لإعداد وتأهيل كوادر إرهابية، وعبثاً يحاول الفيلم تزويرالواقع والحقائق، التي عاشها المجتمع المصري وكان شاهدا عليها.. ويعرض المفكر القاضي المصري لأول مرة لدور المخابرات البريطانية في الإساءة لتاريخ الشعوب وقادتها في ضوء التجارب الدولية وهو الموضوع الذي لم يتناوله الإعلام المصري بالتفنيد والتأصيل لقضية الدولة المصرية.

وسوف نعرض الجزء الثاني من تلك الدراسة عن تاريخ العلاقة المريبة بين المخابرات البريطانية وجماعة الإخوان الإرهابية منذ العصر الملكي حينما كانت مصر موالية لبريطانيا ثم محاولتهم تجهيز الجماعة لتكون بديلا لنظام جمال عبد الناصر.

أولاً: المخابرات البريطانية قامت بتدعيم وتمويل الإخوان الإرهابية عام 1942 حينما كان النظام الملكي موالياً لبريطانيا تعزيزاً لمصالحها:

يقول الدكتور محمد خفاجي، أنه في ظل النظام الملكي المصري الموالي لبريطانيا اَنذاك دعمت المخابرات البريطانية جماعة الإخوان الإرهابية تحديداً عام 1940 تعزيزاً لمصالح بريطانيا، وأقنعت المخابرات البريطانية  الملك فاروق أن جماعة الإخوان يعتبرون مقابل مفيد لسلطة الحزب السياسي الرئيسي في البلاد العلماني والقومي "حزب الوفد والشيوعيين" وانتهى تقرير المخابرات البريطانية عام 1942  إلى أن القصر الملكى بدأ في إيجاد مكانة مفيدة لجماعة الإخوان فى ذلك الوقت بناء على رغبة بريطانيا.

ويضيف، وصل الحد ببريطانيا أنها قامت بتمويل جماعة الإخوان الإرهابية من خلال اجتماع عقده مسئولو السفارة البريطانية في 18 مايو 1942 مع رئيس الوزراء المصري أمين عثمان باشا، تم خلاله الاتفاق على أن السفارة البريطانية سوف تقدم المساعدة المالية لهم بالإضافة إلى الإعانات التي يقدمها حزب الوفد لجماعة الإخوان المسلمين ستدفعها الحكومة بتكتم وسرية تامة.

ثانياً: تواطؤ المخابرات البريطانية مع الإخوان الإرهابية لإسقاط الزعيم جمال عبد الناصر وانتصر عليهما (شهادة مارك كيرتس):

يقول الدكتور محمد خفاجي، أن التاريخ السري يثبت تواطؤ المخابرات البريطانية مع الإخوان الإرهابية لإسقاط الزعيم جمال عبد الناصر.. يعضده الكاتب الصحفي البريطاني «مارك كيرتس» أورد في كتاب له بعنوان «الشئون السرية - تواطؤ بريطانيا مع الإسلام الراديكالي» حكاية ما يسمى بـ «الحرب على الإرهاب» في الغرب، والتي يقول عنها كورتيس إنها نتاج للسياسات الخارجية للقوى الغربية المهيمنة.. ويشرح كورتيس التاريخ الطويل لتعاون بريطانيا مع الإخوان والجماعات الإسلامية وتورطها في أفغانستان وباكستان وكوسوفو ومصر.. ويؤكد الكاتب البريطاني تواطؤ بريطانيا مع الإخوان المسلمين في مصر، وهو إجراء تم اتخاذه في محاولة لوقف ثورة 23 يوليو 1952 وإسقاط نظام جمال عبد الناصر بعد فترة الرئيس محمد نجيب القصيرة .

ويشير د. محمد خفاجي، إلى أن المخابرات البريطانية عام 1955 كانت تراقب بعناية أنشطة جماعة الإخوان الإرهابية المناهضة لنظام الزعيم جمال عبد الناصر، وأعطوا جرعة ثقة  للجماعة الإرهابية بأنهم قادرون على تشكيل تحدٍ خطير ضد جمال عبد لناصر.. وتشير بعض الدوائر السرية إلى أن هناك أدلة قاطعة على أن المخابرات البريطانية كانت لهم اتصالات مع تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية تحديدا في أواخر عام 1955، عندما زار بعض الإخوان الملك فاروق حينما كان في المنفى في إيطاليا ، لاستكشاف التعاون ضد عبد الناصر, وفى خلال تلك الفترة قامت بعض البلاد العربية التى كانت تكره جمال عبد الناصر  بتقديم مساعدات لوجستية لجماعة الإخوان الإرهابية حيث منح نظام الملك الحسين في الأردن قادة الإخوان جوازات سفر دبلوماسية لتسهيل تحركاتهم للتنظيم ضد الزعيم عبد الناصر، بينما قدمت السعودية تمويلا مالياً ضخماً للجماعة الإرهابية وكان كل ذلك بالتنسيق مع المخابرات البريطانية التى كانت تدعم جماعة الإخوان الإرهابية ضد عبد الناصر، وفقًا لشهادة روبرت باير ضابط وكالة المخابرات المركزية السابق ورغم كل ذلك إلا أن عبد الناصر انتصر عليهم جميعاً ولم يسقط  لأنه كان يدافع عن مصر والأمة العربية .وانتصر الزعيم ناصر عليهما المخابرات البريطانية وجماعة الإخوان الإرهابية.

ثالثاً: السلطات المصرية العظيمة كشفت عام 1956عن شبكة تجسس بريطانية في البلاد واعتقلت أربعة منهم، وطردت اثنين من الدبلوماسيين المشاركين:

يشير الدكتور محمد خفاجى لواقعة خطيرة تؤكد تفوق السلطات المصرية؛ ففي أغسطس عام 1956 كشفت السلطات المصرية النقاب عن شبكة تجسس بريطانية في البلاد واعتقلت أربعة بريطانيين، على رأسهم جيمس سوينبيرن مدير الأعمال في وكالة الأنباء العربية، الجهة MI6 ومقرها القاهرة. كما طردت السلطات المصرية اثنين من الدبلوماسيين البريطانيين المشاركين في جمع المعلومات الاستخبارية.. وقد ذكر «ستيفن دوريل»، أن المخابرات البريطانية حرضت عناصر طلابية إخوانية اتفقوا معهم على فكرة تشجيع أعمال الشغب والعنف للأصوليين التي يمكن أن توفر ذريعة للتدخل العسكري بحجة حماية حياة الأوروبيين.

رابعاً: في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 اتفقت المخابرات البريطانية مع الإخوان الإرهابية أنهم النظام البديل الجديد لناصر:

يكشف الدكتور محمد خفاجي عن حقائق تاريخية خطيرة ويقول في العدوان الثلاثي 1956 على مصر فى الحرب التي شنتها بريطانيا وفرنسا وإسرائيل – وهي الحرب التي تعرف بحرب السويس عند الغرب والعملية قادش عند إسرائيل – قامت المخابرات البريطانية بتطوير الاتصالات مع جماعة الإخوان الإرهابية  كجزء من خطط الإطاحة بالزعيم جمال عبد الناصر.. واتفقت المخابرات البريطانية مع جماعة الإخوان الإرهابية أنهم النظام البديل الجديد الذي سوف يحكم مصر.

وبدأت الغارات الجوية على القاهرة ومنطقة القناة والإسكندرية وتم العدوان على بورسعيد التي ضربت بالطائرات والقوات البحرية تمهيداً لعمليات الإنزال الجوي بالمظلات إلا أن المقاومة الشعبية ببورسعيد قاومت الاحتلال بكل شراسة ونضال دفاعا عن تراب الوطن ووجه الاتحاد السوفيتي إنذاراً إلى بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وأعلن عن تصميمه على محو العدوان، كما استهجنت أمريكا العدوان على مصر مما أدى إلى وقف اطلاق النار، وتم إنزال العلم البريطاني من فوق مبنى هيئة قناة السويس ببورسعيد، وانسحبت قوات العدوان  واستردت مصر قناة السويس. وخرجت مصر منتصرة، وسحبت الحكومات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية قواتها في أواخر ذات عام 1956م.

خامساً: المخابرات البريطانية توظف الإخوان ضد مصر والمصالح العربية لدول الخليج لابتزاز نفطها: 

يذكر الدكتور محمد خفاجي، أن المخابرات البريطانية توظف الإخوان ضد مصر بحسبانها أكبر دولة في المنطقة وقيادتهم لها تعني تملك الأمة العربية، كما أن المخابرات البريطانية توظف الجماعة الإرهابية  أيضاً ضد المصالح العربية لدول الخليج؛ وهذا ما أعلنه البريطاني سيمون بيرس عام 2015 في صحيفة الجارديان أن دول الخليج لجأت إلى فكرة الضغط على انجلترا؛ لإبعاد جماعة الإخوان الإرهابية عن دول الخليج في مقابل صفقات النفط والأسلحة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.. والرأي عندي أن رغبة دول الخليج المشار إليها جعلت مصلحة المخابرات البريطانية توظيف جماعة الإخوان في دول الخليج لابتزاز نفطها؛ فضلا عن أن المخابرات البريطانية عمدت أيضاً على اختراق إذاعة بي بي سي بعناصر متعاطفة مع جماعة الإخوان الإرهابية .

وبهذا الجزء الثاني الخطير يكون القاضي المصري الدكتور محمد خفاجي قد كشف عن تاريخ العلاقة المريبة بين المخابرات البريطانية وجماعة الإخوان الإرهابية منذ العصر الملكي حينما كانت مصر موالية لبريطانيا، ثم محاولتهم تجهيز الجماعة لتكون بديلا لنظام جمال عبد الناصر.. ونعرض غدا الجزء الثالث من تلك الدراسة.