«أهل الكهف» قصة قصيرة للكاتبة نجوى عبد الجواد

قصة قصيرة للكاتبة نجوى عبد الجواد
قصة قصيرة للكاتبة نجوى عبد الجواد

يستيقظ البيت على صوت جرجرة خارج الشقة. يخرج الابن متثائبا وتتبعه زوجه:

فيه إيه يا بابا، بتعمل إيه بدري كده؟

تقف الزوجة بباب الشقة لتسمع رده.

 : أنا بحط الكنبة دي هنا في المدخل علشان أقعد عليها من وقت للتاني

: ليه؟

: علشان أطمن ع البنات، أهاليهم سايبينهم عندنا أمانة.

: من سنين وأنت بتأجر إيه الجديد؟

: البنات مش محترمة المواعيد وبقي مفيش ظبط وربط، تثاءب الولد وزوجه ودخلا شقتهما وتعجبت زوجه ودخلت لتكمل نومها. لا يكذبونه أبدا فغير معروف عنه الكذب وسوف تصدِّقه الطالبات لأنه معروف بالجدية والصرامة. شخص واحد يعلم أنه كاذب، الحج حسين نفسه الذى يجلس على الكنبة الآن! لا ليضبط الدخول والخروج ولكن ليراها ولو لدقائق!. يستغرب حاله يقاوم شعوره هذا،

:جري لك إيه يا حسين! اعقل دي عيلة من سن أصغر ولادك.

 مهذبة هي، جاءت للسكن منذ شهرين، لم ير منها شيئا سيئا، يتحين الفرصة ليقتنص من الزمن لحظات في الطرقة، فى طريقها للسلم، حديث أبوي برئ تتعجب الفتيات أنه لا يتم إلا معها! رآها محبة للأدب، فأسرع بشراء بعض الروايات والمسرحيات والدواوين ليشعرها أنه مثقف مثلها.

مرت عليه اليوم وألقت تحية الصباح فرد قلبه قبل لسانه. ورأت الكتب وفيها مسرحية الحكيم" أهل الكهف..

: إيه ده بتحب الحكيم؟

: ومين ميحبوش.

: أنا هقرأ المسرحية بعد الامتحانات.

ينطق كاذبا: أنا سبقتك، معظم الكتب دي قاريها هنتظر نتناقش في أهل الكهف لما تبقي فاضيه.

 

بدأ في الإجازة يقرأ على غير رغبة، فقط ليتناقش معها، ركز على أهل الكهف، يمسكها تارة ويتركها أخرى. عادت البنات من الإجازة ولم تعد هي!

:ليه، مين زعلها، ليه مشيت من غير ما تقول؟! أسئلته لكل من في البيت من الأسرة والطالبات والكل ينفي.

: لا مش معقول! يتصل بوالدها فلا يرد، يتصل بها فلا ترد، غضب ممزوج بشوق ولهفة على رؤيتها، إلى سكنها الجديد أسرع لعله يراها ويقنعها بالعودة، لقد استدرج زميلاتها حتى عرف، لم يكن له حظ في رؤيتها، ذهب مرة أخرى، لم يلحق بالتاكسي، قالت له زميلة لها وهي ترمقه بنظرة ذات مغزى: هتزورنا وهتعتذر لحضرتك إنها مشت من غير ماتقول.

أحرجته هذه النظرة، ألهذه الدرجة بدا عليه الأمر؟ جلس على الكنبة شاردا يحدِّث نفسه بعد أن صلي الفجر، ليه وصل للدرجة دي، إزاي البت دي لاحظت، معنى كده ممكن يكون فيه غيرها لاحظ. طب ومالوا القلب وما يريد، السن ده مجرد أرقام مش بيقولوا كده؟ وأكيد الكتب دي بتقول كده. ينظر إلى الكتب التي بجانبه وأمسك بمسرحية أهل الكهف التي انتظر أن تشهد له بالثقافة أمامها وفتح على الصفحات التي وقف عندها من قبل. على ضوء الشمس المتسلل أخذ يقرأ الحوار الذى دار بين ميشيلينا أحد الرجال الثلاثة الذين كانوا في الكهف أكثر من ثلاثمائة سنة وبين بريسكا ابنة الملك شبيهة وسمية خطيبته السابقة وقد اقتنع أنهما لا يصلحان لبعضهما البعض :إن بيني وبينك خطوة... وبيني وبينك شبه ليلة... فإذا الخطوة بحار لا نهاية لها، وإذا الليل أجيال... وأجيال.. وأمد يدي إليك وأنا أراك حية جميلة أمامي فيحول بيننا كائن هائل جبار هو التاريخ!... نعم صدق مرنوش.. لقد فات زماننا ونحن الآن ملك التاريخ... لقد أردنا العودة إلى الزمن ولكن التاريخ ينتقم.... الوداع.

من بين حشرجة صوته ودموع يحبسها خوفا من ظهور أحدهم يحدِّث نفسه هامسا بيني وبينها زمن! هي حية جميلة أمامي لكن بيننا سنوات..أردت العودة للشباب لكن أنا بالنسبة لها تاريخ!!

استيقظ الابن وزوجة ابنه على صوت شيء يجر. لم يحاولا تبين الأمر. لقد أدخل الحج حسين "الكنبة" داخل الشقة وأغلق الباب خلفه.