«الجثة 3».. قصة قصيرة للكاتب حسن عبد الرحمن

موضوعية
موضوعية

الحلقة الأخيرة

صعد الشاب إلى سور مبنى بالحجارة الكبيرة تشبه أحجار سور مجري العيون تماماَ.. كان المنزل مهدم وخرب ومنه صعد إلى المنزل المجاور له ثم اعتلى سور المنزل وقفز إلى الداخل واختفى عن الأنظار، فمن البديهي أنه قفز إلى الحارة الخلفية ومنه إلى مكان يصعب علينا إيجاده فيه..

ذهبنا إلى منزل الفتاة التي كان يغلب عليه الحزن والكآبة كأنه حزين لموت الفتاة ويصدر من شُقَّة الفتاة صوت قرآن صادر عن مسجل بصوت بسيط .. عندما دخلنا إلى مدخل المنزل نظرت إلى أعلى حيث الشُّقَّة، خيل إلىّ إنني أرى الفتاة تبتسم لي .. صعدت بسرعة عبر الدرج المتهدم وأمسكت بدرابزين السلم المصنوع من الخشب القديم، الذي يتحرك تحت يدك كلما أمسكت به وصعدت درجة..

دلفنا أنا ومحروس إلى الشُّقَّة بعد أن رحبت بنا أمها العجوز وكان يظهر عليها الحزن على ابنتها .. بعد أن تجازبنا أطراف الحديث عن الفتاة وعلاقاتها مع الجيران وأصدقائها وطبيعة عملها في شركة كبيرة يملكها أحد القراصنة المعروفين، لم يكن هناك شيئاَ غير عادي، وعندما سألتها إن كانت ابنتها عندها أموال ممكن تخبئها مثلاَ.. لكنها أكدت لي أن الفتاة فقيرة ولا يوجد كنز أو ما شابه ولكنها قالت إنها في المدّة الأخيرة كانت متوترة وتغلق على نفسها باب حجرتها طوال الوقت .. كلامها أسدل على القضية الغموض ..

استأذنت منها أن أدخل إلى حجرة الفتاة، رحبت، وكان محروس يقف بجواري وقال تفضل يا دكتور .. نظرت إلى أم الفتاة وقالت حضرتك دكتور أم ضابط؟ كنت أنوي أن أقول لها الحقيقة غير أن محروس أجاب أسرع مني وقال .. ضابط ضابط ولكنه أخذ دكتوراه في الشرطة يا سيدتي! قالت السيدة إذاَ تفضل يا حضرة الدكتور تفضل..

دلفنا إلى حجرة الفتاة كانت حجرة بسيطة جداَ ولا يوجد بها شيئاَ مريبًا.. بها خِزانة ملابس عادية وبعض الصور الملتصقة على الحائط بعضها غير مرتب، وسرير بسيط .. فتشنا كل الحجرة ولم نعثر على أية شيئ، ولكن كلما نويت الخروج من الحجرة شيئ ما يردني مرة أخرى، هاتف يقول لي لا تخرج الأن هناك شيئاَ ستعثر عليه.. وقد كان، عندما هممنا بالخروج وجدت محروس يستند على الحائط الذي به لوحة الكرة الأرضية وينظر ناحيتي ويحرك رأسه في يأس ..

ذهبت إلى اللوحة وتحسستها براحة يدي جيداَ فوجدت شيئاَ بارزاَ أسفل اللوحة، وضعت يدي خلف اللوحة فوجدت ورقة مطوية بعناية .. فتحت الورقة وسط ذهول السيدة ومحروس فتحتها بسرعة وكانت المفاجأة .. وجدت ميموري كارد صغير ومعه رسالة تشرح فيها الفتاة عن جريمة فساد كبيرة وتقول في الرسالة إن جميع المستندات موجودة على الميموري كارد وأن حياتها في خطر .. والغريب أن الخط في بداية الرسالة كان منمقا وجميلا لكنه في آخر الرسالة أصبح الخط مشوش، من الواضح أنها كتبت الرسالة وشعرت بأن أحد أفراد العصابة قد اقترب منها فوضعتها تحت الصورة بسرعة وكتبت رسالة مشفرة حتى إذا قتلت لا يصل القاتل إلى مكان المستندات التي تدينه..

ضحت هي من أجل مبدأ تؤمن به .. هنا أدركت كلمة كنزي تحت الأرض التي كانت تقصدها، وهي المستندات تحت صورة الكرة الأرضية .. بعد أن انتهيت من تحليلي هذا وجدت محروس فاغر فاه ويقول يااااه أنا رأسي يؤلمني كيف استطعت أن تفهم كل هذا يا دكتور أقصد يا حضرة الضابط.

قلت له بنبرة جادة لا تضيع الوقت يا محروس وهيا بنا نكمل عملنا مع الشرطة، ثم نظرت إلى أم الفتاة وقلت لها حق ابنتك لن يضيع يا سيدتي .. بكت السيدة ولم تقل كلمة واحدة، واستأذنت منها وخرجنا أنا ومحروس إلى حيث السيارة ..

السيارة التي وجدناها في حالة يرثى لها بعد أن كتب عليها الأطفال بألوان الطلاء والمسامير كل شيئ يخطر على بالك ولا يخطر، وأيضاَ كشافات السيارة من الخارج وجدناها قد نزعت وفوانيس الإشارات أيضاَ.. نظرت إلى محروس مطولاَ وقلت له هل اتفقت جيداَ مع الأطفال يا محروس؟ ..أم النقود الذي دسستها في يدهم لم تكف؟ ويبدو أن أحد الأطفال كان يسمعنا وقال لي.. لم يعطينا أية نقود لقد خدعنا وأعطانا بعض الأوراق المزيفة التي توضع في بعض ألعاب الحلوى..

هنا نظرت بجانبي فلم أجد محروس فقد اختفى من جانبي .. أخذت الطفل بجانبي وأعطيته نقودا حقيقية لكي يكون دليل لي حتى أخرج من الحارة مرة أخرى، لمحت الطفل يتفحص النقود ويقلبها بين عينيه كخبير نقود فابتسمت وربت على رأسه.. وعندما وصلت إلى أول الطريق شكرت الطفل وتركته وهو يلوح إلى بيده الصغيرة .. اليد الذي اشتركت منذ قليل في تلف سيارتي.

بعد ذلك بساعات خرجت من مديرية الأمن وقد سلمت الرسالة والميموري كارد إلى المسؤولين عن القضية .. ثم رن هاتفي وكان المتصل محروس ولم يمهلني لحظة أن أوبخه على تركي في حي الفتاة وهروبه من جانبي وتلف السيارة .. فقال لي بلهجة جادة .. دكتور هناك جثة لا تريد أن تدخل من باب المشرحة وخيل إلىّ إنها تقول .. أريد الدكتور أريد الدكتور.