خواطر الإمام الشعراوي .. فوائد الدخول فى السلم

الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى

يواصل الشيخ الشعراوى خواطره حول الآية 208 من سورة البقرة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِى السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ» قائلا: فى قانون التبعية لا يمكن إلا أن يكون التابع مؤمناً بأن المتبوع أعلى منه، ولا يمكن لبشر أن توجد عنده هذه الفوقية أبداً. لذلك لابد للبشر جميعاً أن يكونوا تبعاً لقوة آمنوا بأنها فوقهم جميعاً. 

فحين نؤمن ندخل فى السلم، ولا يوجد تعاند بين أى قوى وقوة أخرى؛ لأنى لست خاضعاً لك، وأنت لست خاضعاً لي، وأنا وأنت مسلمون لقوة أعلى منى ومنك، ويشترط فى القوة التى نتبعها طائعين ألا يكون لها مصلحة فيما تشرع.

إن المشرعين من البشر يراعون مصالحهم حين يشرعون، فمشرع الشيوعية يضع تشريعه ضد الرأسمالية، ومشرع الرأسمالية يضع تشريعه ضد الشيوعية، لكن عندما يكون المشرع غير منتفع بما يشرع، فهذا هو تشريع الحق سبحانه وتعالى.

وحين ندخل فى الإسلام ندخل جميعاً لا يشذ منا أحد، ذلك معنى «ادخلوا فِى السلم كَآفَّةً»، هذا معنى وارد، وهناك معنى آخر وارد أيضا وهو ادخلوا فى السلم أى الإسلام بجميع تكاليفه بحيث لا تتركوا تكليفاً يشذ منكم.

وحين يأتى المعنى الأول فلأننا لو لم ندخل فى السلم جميعاً لشقى الذين يُسلمون بالذين لا يُسلمون؛ لأن الذى يُسلم سيهذب سلوكه بالنسبة للآخرين، ويكون نفع المسلم لسواه، ويشقى المسلم بعد إسلام من لم يسلم، فمن مصلحتنا جميعاً أن نكون جميعاً مسلمين. والذين لا يدركون هذه الحقيقة يفسرون قول الله تعالى: «لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهتديتم» «المائدة: 105».

على غير ظاهرها، فمن ضِمْن هدايتكم أن تُبَصّروُا من لم يؤمن بأن يؤمن؛ لأن مصلحتكم أن تسلموا جميعاً، فإذا أسلمت أنت فسيعود إسلامك على الغير؛ لأن سلوكك سيصبح مستقيماً مهذباً، والذى لم يسلم سيصبح سلوكه غير مستقيم وغير مهذب، وستشقى أنت به. إذن فمن مصلحتك أن تقضى وقتاً طويلاً وتتحمل عناء كبيراً فى أن تدعو غيرك ليدخل فى الإسلام. وإياك أن تقول: إن ذلك يضيع عليك فرص الحياة. لا إنه يضمن لك فرص الحياة، ولن يضيع وقتك لأنك ستحمى نفسك من شرور غير المسلم.

وأذكر جيداً أننا حين تكلمنا فى فاتحة الكتاب قلنا: إن الله يُعلمنا أن نقول: «إياك نعبد» فكلنا يا رب نعبدك وسنسعد جميعا بذلك، واهدنا كلنا يا رب؛ لأنك إن هديتنى وحدى فسيستمتع غيرى بهدايتك لي، وأنا سوف أشقى بضلاله.

فمن مصلحتنا جميعاً أن نكون مهديين جميعاً.

هذا على معنى «ادخلوا فِى السلم كَآفَّةً» أى جميعاً. أما معنى قوله تعالى: «لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهتديتم» أى لا تتحملون أوزار ضلالهم إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر. أما المعنى الثانى فادخلوا فى الإسلام بحيث لا يشذ منكم أحد. ويأخذ شيئا وبعضا من الإسلام ويترك بعضا منه، فأنت تريد أن تبنى حياتك. ورسول الله صلى الله عليه وسلم شرح أن للإسلام أسساً هى الأركان الخمسة، وإياك أن تأخذ ثلاثة أركان وتترك ركنين؛ لأن هندسة الإسلام مبنية على خمسة أركان.

وقد قال لى أحد المهندسين: إننا نستطيع أن ننشئ بنياناً على ثلاثة أركان أو على أربعة أو على خمسة. فقلت له: ولكن حين تجعل البنيان على أربعة أركان، وتوزيع الأحمال والأثقال على أربعة أسس، هل يمكنك حين تُنشئ أن تجعلها ثلاثة أركان فقط؟. قال: لا.

قلت: إذن فالبناء إنما ينشأ من البداية على الأسس التى تريدها، ولذلك فأنت توزع القوى على ثلاثة أو أربعة أو خمسة من البداية. والله سبحانه وتعالى شاء أن يجعل أسس الإسلام خمسة، وبعد ذلك يُبْنَى الإسلام، وحين يبنى الإسلام فإياك أن تأخذ لبنة من الإسلام دون لبنة، بل يُؤخذ الإسلام كله، فالضرر الواقع فى العالم الإسلامى إنما هو ناتج من التلفيقات التى تحدث فى العالم المسلم. تلك التلفيقات التى تحاول أن تأخذ بعضاً من الإسلام وتترك بعضا، وهذا هو السبب فى التعب والضرر؛ لأن الإسلام لابد أن يؤخذ كله مرة واحدة. إذن «ادخلوا فِى السلم كَآفَّةً» يعنى إياكم أن تتركوا حكماً من الأحكام. إن الذى يتعب المنتسبين إلى الدين الآن أننا نريد أن نلفق حياة إسلامية فى بلاد تأخذ قوانينها من بلاد غير إسلامية.

إذن حتى ننجح فى حياتنا، فلابد أن نأخذ الإسلام كله. وللأسف فإن كثيراً من حكام البلاد المسلمة لا يأخذون من الإسلام إلا آخر قوله تعالى: «أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِى الأمر مِنْكُمْ» إنهم يأخذون «وَأُوْلِى الأمر مِنْكُمْ» ويتركون «أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول».

وأقوال: لماذا تأخذون الأخيرة وتتركون ما قبلها؟ إن الله لم يجعل لولى الأمر طاعة مستقلة بل قال: «أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِى الأمر مِنْكُمْ» ليدل على أن طاعة ولى الأمر من باطن طاعة الله وطاعة الرسول. فنحن لا نريد تلفيقاً فى الإسلام، خذوه كاملاً، تستريحوا أنتم ونستريح نحن معكم.