«النوبات الحادة».. في هواء مصر

صورة موضوعية
صورة موضوعية

في ظل تغير المناخ ظهرت أزمة نوبات تلوث الهواء الحادة، الذى كان حرق قش الأرز سببًا رئيسيًا فى حدوثها، وقد تم إعداد خطة لمواجهتها، تشمل عدة محاور لخفض التأثير الضار من المصادر الثابتة كالمنشآت الصناعية والمتحركة كالمركبات، ومحور المخلفات ومكافحة الحريق المكشوف للمخلفات بصفة عامة، ومحور رفع الوعى العام من خلال نقاط التواصل الاجتماعية المختلفة على كافة المستويات. فى هذا التحقيق نوضح مفهوم النوبات الحادة وكيف تؤثر فى البيئة والمواطنين والخطط المقترحة للحد منها.

◄ معاناة من 25 % من تلوث الجسيمات على مدار العام

◄ محافظة القاهرة الأكثر تضررًا بسبب زيادة الأنشطة البشرية

◄ التحول الاقتصادي يقضي على المشكلة ويوفر فرص العمل

◄ رصد يومي لمستويات جودة الهواء

الدكتور مصطفى مراد، رئيس قطاع نوعية الهواء في وزارة البيئة، يقول إن نوبات الهواء الحادة هى نوع من أنواع النوبات التى يحدث بها ارتفاع كبير فى الملوثات الهوائية لظروف ما بعيدا عن المعدل الطبيعى على مدار السنة، وقد تظهر هذه النوبات على فترات زمنية قصيرة لا تتعدى بضع ساعات أو أيام، حيث تختلف المدة من منطقة لأخرى ومن بلد لآخر وفقا للظروف المؤثرة سواء كانت بسبب بعض الأنشطة البشرية مثل الحرق المكشوف أو انبعاثات المصانع أو عوادم المركبات أو أن تكون بسبب ظاهرة طبيعية كحرق الغابات.

◄ بداية الظاهرة
وبدأت هذه الظاهرة في مصر لأول مرة عام 1998 نتيجة الحرق المكشوف بكثافة كبيرة جدا لمخلفات زراعة قش الأرز فى توقيت واحد بمناطق متعددة، مما نتج عنها ملوثات بشكل ضخم، وأدت الظروف المناخية إلى نقلها من منطقة الحرق إلى مناطق أخرى بسبب تأثير الرياح، وتكمن أزمة هذا التلوث فى زيادة نسبة تركيز ملوثات الجسيمات الصلبة الذى يصل حجم قطرها إلى أكبر من 10 ميكرونات.

ويوضح مراد أن ظاهرة تلوث الهواء الحادة لا تقتصر على مصر فحسب، وأنما تعد ظاهرة عالمية يمكنها أن تحدث فى مختلف دول العالم بسبب بعض التدخلات، فقد تعرض الجزء الشمالى الشرقى فى الولايات المتحدة لحالة مماثلة نتيجة حرق نباتات فى منطقة جنوب كندا بشكل مكثف مما نتج عنه انبعاثات خاصة بالجسيمات تم نقلها جوًّا لمنطقة نيويورك وعلى أساسها تم إعلان إنذار رسمي.

منوها إلى أن مصر لا تعانى من تلوث الهواء بشكل عام وأنما ما تعانيه يتمثل فقط فى تلوث الجسيمات بحد أدنى 25% من أيام السنة، وقد وضعت منظمة الصحة العالمية قانونًا يحدد معيار تأثير هذا التلوث على صحة الإنسان، والذي يحدث فى حالة تجاوز معدل التلوث على مدار 24 ساعة أو بزمن محدد آخر، مما قد يؤدى للإصابة ببعض الأمراض الصدرية، لكنه يمكن تخفيض هذا التأثير ببعض الإجراءات الاحترازية خصوصًا فى أماكن التجمعات والمناطق السكنية.

ولاشك أن المناطق التى يتم بها أنشطة مكثفة أو بها حركة مرور دائمة تكون أكثر تركيزاً للجسيمات، لاسيما أن محافظة القاهرة هى الأكثر تلوثا فى بعض المناطق بها، حيث إن التغير فى التركيز يختلف وفقًا لمدى كثافة النشاط، وكلما كانت المنطقة سكنية وبها ضوابط لنوعية النشاط المتاح بها كان حجم التأثير أقل.

◄ اقرأ أيضًا | البيئة تتبنى الدليل الإرشادي للتخفيف من التعرض لانبعاثات الطهي 

◄ التحول الاقتصادي
ويشير الدكتور مصطفى إلى أن النوبات الحادة فى مصر وخاصة فى القاهرة كانت مرتبطة طيلة السنوات السابقة بالحرق المكشوف لقش الأرز وبالتالى كانت معظم التوجيهات خاصة بهذا الشأن، وكان الهدف الأساسى هو تحويله لمنتج اقتصادى له قيمة، وبالتالى يكون هناك ضمان لعدم حرقه واستغلاله بالشكل الأمثل فى ظل الإجرءات الاقتصادية التى أسفرت عن إيجاد دور له فى عمل الطاقة المستخدمة فى الصناعات الكثيفة مثل الأسمنت وكذلك استغلاله كنوع من أنواع الإضافات للعلف الحيوانى فى ظل ارتفاع أسعار الأعلاف بشكل مبالغ فيه. مؤكداً أن التوجه الحالى الذى تسعى الدولة لتنفيذه هو إيجاد منظومة اقتصادية متكاملة تسعى لاستغلال المحاصيل النباتية التى يزداد حجم إنتاجها عن المعتاد واستخدامها كمدخلات صناعية لأكثر من قطاع سواء كان فى مجال الطاقة أو الاستخدام الغذائى للحيوانات، كما أنه سيتم تطبيق هذه المنظومة على كافة المخلفات الزراعية الممكنة الموجودة على الأرض، مما يوفر مصدر دخل إضافى للدولة ويوفر الكثير من فرص العمل الدائمة للشباب وليس المرتبطة بمواسم الحصاد فقط.

◄ خطة المنظومة
ويجرى تنفيذ خطة منظومة مواجهة نوبات تلوث الهواء بالتعاون مع عدد من الوزارات على رأسها وزارتا التنمية المحلية والزراعة، وعدد من المحافظات المختلفة، من خلال بعض القرارات التنفيذية التى تتخذ من قبلها للحد من التأثيرات السلبية الصادرة من بعض القطاعات. كما أنه يتم المتابعة اليومية لمستويات جودة الهواء، من خلال محور الرصد والتنبؤ التابع لوزارة البيئة، والذى يتم من خلاله التنبؤ اليومى، والتدخل السريع فى حالة وجود أى أحداث طارئة تتطلب إجراءات إضافية، حيث تلعب محطات الرصد دورًا فاعلًا على الأرض فى بيان تأثير تلك الإجراءات.

◄ الأضرار الصحية
من جانبه، يؤكد الاستشاري البيئي، خبير السلامة والصحة المهنية، سمير حلمى، أن حدوث أى نسبة تلوث فى هذا الهواء ولو ضئيلة مع هذه الكمية الكبيرة التى تدخل جسم الإنسان تمثل مشكلة بالغة الخطورة على صحته.

ويقصد بتلوث الهواء تلوث البيئة الداخلية أو الخارجية بأى عامل كيميائى أو فيزيائى أو بيولوجى من شأنه أن يغير من الخصائص الطبيعية للغلاف الجوي، حيث يتكون الهواء من خليط من الغازات عديمة اللون والرائحة والطعم من الأكسجين بنسبة (‎21%) والنيتروجين بنسبة (78%) وتمثل باقى الغازات (الغازات النادرة، الأوزون، ثانى أكسيد الكربون وغيرها) نسبة 1%. 

وتلوث الهواء هو ثانى المسببات الرئيسية للأمراض غير السارية، مثل السكتة الدماغية والسرطان وأمراض القلب، التى لا تفتأ تتزايد فى أنحاء العالم، وتشير التقديرات إلى أن تلوث الهواء المحيط (الهواء الخارجي) قد أحدث نحو 4.2 مليون حالة وفاة مبكرة فى العالم فى عام 2019. وقع نحو 89% من هذه الوفيات المبكرة فى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، 
وللحد من هذه الأخطار يجب على الإنسان الابتعاد قدر الإمكان عن أماكن التلوث والحرص على ممارسة الرياضة يوميًا مثل المشى أو ركوب الدراجات، والابتعاد نهائيًا عن التدخين، وزيادة المساحات الخضراء، ومحاولة الجلوس فى أماكن مفتوحة مرة أسبوعيًا على الأقل لاستنشاق الهواء النقى وتخليص الرئة من الملوثات المتراكمة، مع اعتماد نظام غذائى صحى يحتوى على الفواكه والخضراوات الغنية بمضادات الأكسدة والاهتمام بعمليات النظافة الشخصية مع إجراء الفحوص الطبية بصفة دورية وارتداء الكمامة قدر المستطاع للتقليل من استنشاق انبعاثات التلوث.

◄ سياسات ناجحة
ويضيف: هناك بعض السياسات الناجحة فى هذا الشأن والتى يمكن الاستعانة بها لتحقيق أفضل النتائج فى الحد من تلوث الهواء، فعلى سبيل المثال فى قطاع الصناعة يتم استخدام التكنولوجيات النظيفة للحد من انبعاثات المداخن؛ وتحسين إدارة النفايات الصناعية والزراعية، بما فى ذلك احتجاز غاز الميثان المنبعث من مواقع جمع النفايات كبديل لحرقها لاستخدامه وقودًا حيويًا، وفى قطاع النقل يمكن التحول إلى استخدام أنماط نظيفة لتوليد الطاقة الكهربائية، ونقل البضائع والركاب بالسكك الحديدية بين المناطق الحضرية، واستخدام مركبات وأنواع وقود منخفضة الانبعاثات، كما يمكن تحسين كفاءة استخدام الطاقة فى المبانى وزيادة استخدام أنواع الوقود منخفضة الانبعاثات ومصادر الطاقة المتجددة غير المعتمدة على الاحتراق كالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أو الطاقة المائية، ويمكن توليد الكهرباء عن طريق شبكات التوزيع الصغيرة والألواح الشمسية المثبّتة فوق أسطح المباني.

◄ جهود الدولة
ويشير إلى أن هناك حزمة من الجهود التى تبذلها مصر للحد من مخاطر تلوث الهواء، أهمها هو إزالة عنصر الكربون من كوكب الأرض والذى يعد أحد الأهداف التى حددتها البلدان فى جميع أنحاء العالم لعام 2050. ولتحقيق ذلك ومع انخفاض احتياطيات الطاقة الأحفورية التقليدية (الفحم والنفط والغاز الطبيعي) والتلوث البيئى بسببهم، أصبح هاماً تطوير الطاقة المتجددة لحماية البيئة وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى ومن أهمها غاز ثانى أكسيد الكربون، لذا ظهرت تطبيقات واسعة النطاق، لإنتاج غاز الهيدروجين كوقود عن طريق التحليل الكهربائى للماء (H2O)، ويتم توليد H2 بالطاقة الكهروضوئية، ويستخدم من خلال التطبيقات الصناعية والمنزلية، كطاقة هيدروجينية خضراء منخفضة التكلفة. 

ويمكن إنتاج نوعية أخرى من الهيدروجين (الهيدروجين الأزرق) باستخدام الغاز الطبيعى (CH4) والمدعوم باحتجاز الكربون وتخزينه ويتم التقاط ثانى أكسيد الكربون CO2 الناتج أثناء عملية التصنيع وتخزينه بشكل دائم تحت الأرض. والنتيجة هى H2 منخفض الكربون ولا ينتج عنه CO2.

ورغم الصعوبات الاقتصادية التى يشهدها العالم أجمع فى الوقت الراهن، فإن الحكومة تبذل جهودًا حثيثة من خلال التوسع فى مجال الطاقة المتجددة عبر إنشاء محطات تعمل بالطاقة الشمسية وأخرى تعمل بطاقة الرياح، كما يتم حالياً إنشاء المحطة النووية بالضبعة، علاوة على البدء فى إنتاج الهيدروجين الأخضر.